تعريف الشعر العربي القديم

كتابة:
تعريف الشعر العربي القديم

مفهوم الشعر العربي القديم

الشعر هو الكلام الموزون المقفّى الذي يتم التعبير فيه عن الخيال والبديع ببلاغة، ارتبط الشعر قديمًا بالمشاعر وطباع العرب، ولم يكن يحتاج الشعر العربي القديم إلى تعمق في العلم أو التطور الحضاري حتى يتم نظمه، بداية الشعر عند العرب غير معروفة تحديدًا، يضم الشعر العربي القديم الحوادث والألسنة المختلفة.[١]

كان الشعر العربي بالنسبة للعرب قديمًا أساسًا لحكمهم وعلومهم، وسجلًا تاريخيًّا لما يدور من أحداث بينهم، ودليلًا على الصواب والخطأ، ومادة للحوار والسمر في مجالسهم.[١]

بدأ العرب في نظم الشعر باستخدام الشعر المرسل (المتحرر من القافية) ومنه انتقلوا إلى السجع (المحسنات اللفظية، استخدم أول مرة من قبل الكهنة في مناجاة للآلهة) ومنه إلى الرجز وهو شكل من أشكال الشعر يتميز بوحدة موسيقاه وغرابة ألفاظه، (لفظ بدوي) ظهر عندما انتقل الشعر من المعابد إلى الصحراء ومن الدعاء إلى الغناء).[١]

تعددت الأوزان المستخدمة في الشعر العربي القديم -فيما بعد-؛ حيث أصبح للشعر الحماسي وزن، ولشعر الغزل وزن، وللهزج وزن، والتي حصرها الخليل بن أحمد في 15 وزنًا سميت بالبحور الشعرية.[١]

أغراض الشعر العربي القديم

تعددت أغراض الشعر العربي القديم، وضمّت ما يأتي:

الوصف

يعدّ الوصف من أقدم أغراض الشعر العربي القديم، إذ ارتبط الوصف بالأحاسيس والمشاعر لأنه متصل بالجوارح، اعتمد الشعراء قديمًا على الصور المأخوذة من الطبيعة والمترجمة عبر الدماغ باستخدام الأبيات والقصائد، يستعين الشاعر في الوصف بالتصوير والتشبيه ليضفي على الأفكار المجردة الحس.[٢]

فمثلًا عندما يذكر الشاعر الكرم يشبهه الشاعر بتدفق النهر، وعندما يذكر الشجاعة (كمفهوم مجرد) يشبّهه بانقضاض النسر، وإذا ذكر الظلم قرن بالسيف الباتر، وإذا ذكر الحقد شبّهه بالجمر القاني.[٢]

الوصف في الشعر العربي يصف الواصف بتعداد إماراته، فيظهر مدائح الموصوف، ويذم ما فيه من مثالب، فيظهر أشبه للمدح في ذكر المحاسن، وأقرب للهجاء في ذكر السيئات، يستخدم في الوصف فنون البيان: التشبيه، والاستعارة، والكناية، واسنخدم الوصف في قصيدة الغزل والفخر والمديح.[٢]

مثال على الوصف: وصف الطبيعة الساكنة في شعر شبيب بن البرصاء؛ إذ شبّه السراب بالسيل الذي يجري من القمم إلى سفوح الجبال إذ يقول:[٢]

ومغبرة الآفاق يجري سحابه

:::على أكمها قبل الضحى فيموج

الغزل

ارتبط الغزل بالشعر العربي القديم ارتباطًا وثيقًا، إذ يعدّ هذا الغرض من أهم الأغراض؛ لأنه مرتبط الغريزة البشرية الاجتماعية، وتعدّدت أنماط الغزل في الشعر العربي إذ ضمت: غزل المطالع، وغزل المحاسن، والغزل الماجن، وغزل الكهول.[٢]

الغزل، هو "التصابي والإشهار بالمحبة بما يضمه من الأفعال والأقوال الجارية بين المحب والمحبوب" وفيه يصف الشاعر محاسن المحبوب وخصال جمالها بهدف تحقيق الوصال، ومثال على الغزل ما قاله امرؤ القيس بما يتعلق بحياته مع سلمى (غزل المطالع، ذكر الأطلال):[٢]

وتحسب سلمى لا تزال ترى طلا

:::من الوحش أو بيضاء بميثاء محلال

وتحسب سلمى لا تزال كعهدنا

:::بوادي الخزامى أو على رس أوعال

وقول المرقش الأصغر (غزل المحاسن والمفاتن):[٢]

ألا حبذا وجه ترينا بياضه

:::ومنسدلاتٍ كالمثاني فواحما

الفخر والحماسة

يعدّ الفخر والحماسة من أغراض الشعر التي يظهر فيها الشاعر اعتزازه بنفسه وقومه، وهو ناتج عن الثقة بالنفس وتقدير الذات والمجموعة، وظهر هذا الغرض في الشعر العربي القديم لما لطبيعة المجتمع العربي قديمًا، إذ إنه قائم على القبلية، والتي تُعِدّ الفخر والاعتزاز شيمة من الشيم التي لا بد أن يعتد بها كل من هو منصب لها.[٢]

يعد عند العرب قديمًا مثله مثل الغزل؛ إذ إنّه مرتبط بالغريزة (حب البقاء والصراع في سبيل الحفاظ على الحياة)، يظهر الفخر والحماسة في شعر المدح ووصف الحرب والرثاء بصورة كبيرة، والذي ساعد على وجود هذا الغرض في الشعر العربي طبيعة الحياة وما ضمت من ملاحم ومبارزات.[٢] مثال على الفخر والحماسة الحديث عن الكرم كصفة من صفات العرب، قول عروة بن الورد؛ حيث خيل له أنّه يطعم العفاة من جسده، ويكتفي بشرب الماء البارد:[٢]

أقسم جسمي في جسومٍ كثيرة

:::وأحسو قراح الماء والماء بارد

المديح

المديح في الشعر العربي القديم يقوم على الثناء وتعداد المناقب للأشخاص الأحياء، وهو نقيد الهجاء، وينطلق المدح في الشعر العربي من دوافع عدة أهمها الإعجاب،[٢]

القيم البدوية مشبعة في الشعر العربي القديم، إذ بقيت العنجهية البدوية حاضرة بسحرها.[٢]

أهم هذه القيم الظاهرة في الشعر العربي ضمن إطار المدح: الشجاعة، وإغاثة الملهوف، حماية الجار، الوفاء بالذمم، سعة الصدر، الحزم، الحلم،[٢] ومثال على المدح في الشعر العربي قول المسيب ابن علس في القعقاع بن معبد:[٢]

ولأنت أشجع في الأعادي كلها

:::من مخدرليث معيد وقاع

الهجاء

وهو خلاف المدح واستخدام الشتم في الشعر، وفيه يتناول الشاعر مثالب وعيوب الخصم، إذ يشهر فيه معنويًا وماديًا، ينطلق هذا الغرض الشعري من دوافع شعورية عواطف الكره، والنفور، والغضب، ويعد هذا الغرض الشعري أعنف منه من المديح،[٢] ومثال على شعر الهجاء ما قاله الأعشى لخصومه:[٢]

فلما رأيت الناس للشر أقبلوا

:::وثابوا إلينا من فصيح وأعجم

دعوت خليلي مسحلًا ودعوا له

:::جهنام جدعًا للهجين المذمم

حياني أخي الجني، نفسي فداؤه

:::بأفيح جياس من الصدر خضرم

الرثاء

يظهر الرثاء في الشعر العربي القديم ببكاء الميت ومدحه، وهذا الغرض يوافق المدح في المعنى، لكنّه يخالفه في المشاعر، والدافع من الرثاء في الشعر العربي منطلق من تعظيم الميت ومدحة إعجابًا، وينبع الرثاء من إحساس الشاعر بالضعف أمام الموت،[٢] ومثال على الرثاء قول دخنوتوس في رثاء أبيها لقيط بن زرارة سيد بني تميم:[٢]

ألا يالها الويلات ويله من بكى

:::لضرب بني عبس لقيطًا وقد مضى

لقد ضربوا وجهًا عليه مهابة

:::ولا تحفل الصم الجنادل من ثوى

فلو أنكم كنتم غداة لقيتم

:::لقيطًا ضربتم بالأسنة والقنا

الحكمة

يبرز هذا الغرض في الشعر العربي من خلال إدراك حقائق الحياة، وإظهار القيم التي يستنير بها العقل، والتي من خلالها يتم الوصول إلى السعادة والطمأنينة، فضمّ الشعر تجارب الحياة المختلفة وذكائهم وبصائرهم، وتأمل الماضي والحاضر.[٢]

أهم موضوعات الحكمة التي ظهرت في الشعر: جدلية الحياة والموت، الناس والمال، الأخلاق والسياسية،[٢] ومثال على الحكمة ما قاله زعيم تيار هذا النوع من الشعر طرفة بن العبد:[٢]

أرى قبر نحام بخيل بماله

:::كقبر غوي في البطالة مفسد

أرى العيش كنزًا ناقصًا كل ليلة

:::وما تنقص الأيام والدهر ينفد

الصعلكة

اتسعت هذه الكلمة في الشعر العربي وشملت مجالًا اجتماعيًّا واسعًا، وفيها يذكر الشاعر ما له من حال مع الفقر والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ويشمل هذا النوع من الأغراض الشعرية قسمين الخامل والعامل.[٢]

يشمل النوع الأول مَن نبذتْهم قبائلهم لما صدر عنهم من جرائم، والنوع الثاني مَن ولدتهم أمهاتهم سودًا، ورفض آباؤهم نسبهم،[٢] مثال على الصعلكة ما قاله عروة بن الورد:[٢]

وإني امرؤ عافي إنائي شركة

:::وأنت امرؤ عافي إنائك واحد

أتهزأ مني أن سمن وأن ترى

:::بجسمي شحوب الحق والحق جاهد

أقسم جسمي في جسوم كثيرة

:::وأحو قراح الماء والماء بارد

خصائص الشعر العربي القديم

يتميز الشعر العربي القدم بعدد من الخصائص، أهمها ما يأتي:[٣]

  • النهج

تسير القصيدة في الشعر العربي القديم على نمط واحد، باستثناء قصيدة الرثاء.

  • عرض المعاني

تناول الشعر العربي القديم المعاني بشكل عميق وسريع؛ إذ تضم القصيدة عددًا من المعاني والموضوعات المختلفة، إلا أنها مترابطة ومتماسكة.

  • وحدة البيت الشعري

كل بيت شعري له استقلاليته الخاصة من حيث المعنى والجمالية، وتتحد الأبيات الشعرية مع غيرها من الأبيات لتشكل صورة منفردة في الشعر العربي.

  • البساطة والصدق

لم يلجأ الشاعر في الشعر العربي القديم إلى تعقيد المعنى وفلسفته، على الرغم من غرابتها، وقوتها.

  • الخاصية الغنائية

لم ينظم الشعر بشكل قصصي، وإنما ظهر في أغلب أشكاله بصورة غنائية.

  • البعد عن الخيال

الخيال في الشعر العربي القديم محدود بمحدودية الواقع، فلا يظهر فيه الغلو والمغالاة والمبالغة.

الفرق بين الشعر العربي القديم والحديث

الشعر العربي القديم قائمٌ على التقليدية من حيث اللغة والموقف والصورة، بدأ الاختلاف الحقيقي يظهر ما بين الشعر العربي القديم والحديث في الخمسينيات من القرن العشرين، إذ كان المنهج التقليدي للقصيدة العربية القديمة يقوم على أساس قدسية الأدب والالتزام الفكري والروحي والتاريخي، والالتزام بالنمط الشعري.[٤]

بينما يضمّ الشعر الحديث تغييرًا على الشكل واللهجة واللغة والصورة والأساليب في القصيدة، إذ تطوّرَ الشعر ليضم الشعر الحر والمنثور (قصيدة النثر)، وضم الشعر الصور الطويلة والاستعارة والتشبيه، واستخدام الرمز والإشارة والأسطورة.[٤]

أبرز شعراء الشعر العربي القديم

من أبرز أعلام الشعر العربي القديم ما يأتي:

  • امرؤ القيس

(500م - 540م) اشتُهر بالشعر الغزلي، والوصف والهجاء، والرثاء، من أشهر قصائد امرئ القيس معلقته، والتي عني بها الباحثون وترجمت للغات عدة.[٢]

  • طرفة بن العبد

(529م - 558م) اشتهر بشعر الفخر والهجاء والحكمة والوصف، أشهر إنتاجه الشعري المعلقة والرائية.[٢]

  • عنترة بن شداد

(525م - 608م) اشتهر بشعر الوصف والفخر والهجاء والغزل، وأشهر إنتاجه الشعري معلقته المنظومة على البحر الكامل في 74 بيتًا، يتحدث فيها عن عشقه لعبلة.[٢]

  • عروة بن الورد العبسي

(توفي عام 596م) اشتهر بشعر الصعلكة والفخر والحكمة، وأشهر إنتاجه الشعري ديوانه الشعريّ الذي شرحه ابن السكيتو، حققه الأستاذ عبد المعين الملوحي.[٢]

كتب عن الشعر العربي القديم

ندرج أهم الكتب التي تناولت موضوع الشعر العربي القديم فيما يأتي:

  • دراسات في الشعر العربي

للمؤلف عبد الرحمن شكري، سنة النشر (1994م) تناول هذا الكتاب عددًا من القضايا في الشعر العربي؛ إذ تناول شعراء العصر العباسي، وفنون الشعر العربي مثل: الهجاء والرثاء، وإجراء المفارقة بين الشعر العربي الحديث والقديم.[٥]

  • البناء الدرامي في الشعر العربي القديم

للمؤلف د. عماد حسيب، سنة النشر (2011م) تناول هذا الكتاب دراسة ألوان الصراع في الشعر العربي القديم، فيقدم دراما الحرب والحب والموت، ويتطرق لموضوع القصة الشعرية، والتنوع التشكيل الدرامي في ديوان أبي النواس.[٦]

  • الشعر في العهد القديم

للمؤلف د. سعيد عطية مطاوع، سنة النشر (2006م) يتناول هذا الكتاب الشعر القديم وما فيه من موضوعات سياسية واجتماعية، وتطرق في الجزء الثاني منه للسمات التي تميز بها الشعر العربي القديم، خاصة الشعر العبري.[٧]

نماذج من الشعر العربي القديم

تعددت القصائد العربية القديمة وتنوعت؛ فمنها ما كان للمدح، والرثاء، والغزل، والهجاء، ومن النماذج على هذه القصائد ما يأتي:

  • قال امرؤ القيس في قصيدة أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص:[٨]

أَمِن ذِكرِ سَلمى إِذ نَأَتكَ تَنوصُ

فَتَقصِرُ عَنها خُطوَةً وَتَبوصُ

وَكَم دونَها مِن مَهمَهٍ وَمَفازَةٍ

وَكَم أَرضُ جَدبٍ دونَها وَلُصوصُ

تَراءَت لَنا يَومًا بِجَنبِ عُنَيزَةٍ

وَقَد حانَ مِنها رِحلَةٌ فَقُلوصُ

بِأَسوَدَ مُلتَفِّ الغَدائِرِ وارِدٍ

وَذي أُشُرٍ تَشوقُهُ وَتَشوصُ

مَنابِتُهُ مِثلُ السُدوسِ وَلَونُهُ

كَشَوكِ السِيالِ فَهوَ عَذبٌ يَفيصُ

فَهَل تَسلِيَنَّ الهَمَّ عَنكَ شِمِلَّةٌ

مُداخَلَةٌ صُمُّ العِظامِ أَصوصُ

تَظاهَرَ فيها النِيُّ لا هِيَ بَكرَةٌ

وَلا ذاتُ ضِغنٍ في الرِمامِ قَموصُ

أَؤوبٌ نَعوبٌ لا يُواكِلُ نُهزُه

إِذا قيلَ سَيرُ المُدلِجينَ نَصيصُ

كَأَنّي وَرَحلي وَالقِرابُ وَنُمرُقي

إِذا شُبَّ لِلمَروِ الصِغارِ وَبيصُ

عَلى نَقنَقٍ هَيقٍ لَهُ وَلِعُرسِهِ

بِمُنعَرَجِ الوَعساءِ بيضٌ رَصيصُ

إِذا راحَ لِلأُدحِيِّ أَوبًا يَفُنُّه

تُحاذِرُ مِن إِدراكِهِ وَتَحيصُ

أَذَلِكَ أَم جَونٌ يُطارِدُ آتُن

حَمَلنَ فَأَربى حَملُهُنَّ دُروصُ

طَواهُ اِضطِمارُ الشَدِّ فَالبَطنُ شازِبٌ

مُعالى إِلى المَتنَينِ فَهُوَ خَميصُ

بِحاجِبِهِ كَدحٌ مِنَ الضَربِ جالِبٌ

وَحارِكُهُ مِنَ الكُدامِ حَصيصُ

كَأَنَّ سُراتَهُ وَجُدَّةَ ظَهرِهِ

كَنائِنُ يَجري بَينَهُنَّ دَليصُ

وَيَأكُلنَ مِن قُوٍّ لَعاعًا وَرَبَّةً

تُجَبَّرَ بَعدَ الأَكلِ فَهُوَ نَميصُ

تَطيرُ عِفاءٌ مِن نَسيلٍ كَأَنَّهُ

سُدوسٌ أَطارَتهُ الرِياحُ وَخوصُ

تَصَيَّفَها حَتّى إِذا لَم يَسُغ لَه

حُلِيٌّ بِأَعلى حائِلٍ وَقَصيصُ

تُغالِبنَ فيهِ الجَزءَ لَولا هَواجِرٌ

جَنادِبُها صَرعى لَهُنَّ فَصيصُ

أَرَنَّ عَلَيها قارِبًا وَاِنتَحَت لَهُ

طُوالَةُ أَرساغِ اليَدَينِ نُحوصُ

فَأَورَدَها مِن آخِرِ اللَيلِ مَشرَب

بَلائِقُ خُضرًا ماؤُهُنَّ قَليصُ

فَيَشرَبنَ أَنفاسًا وَهُنَّ خَوائِفٌ

وَتَرعُدُ مِنهُنَّ الكُلى وَالفَريصُ

فَأَصدَرَها تَعلو النِجادَ عَشِيَّةً

أَقَبُّ كَمِقلاءِ الوَليدِ خَميصُ

فَجَحشٌ عَلى أَدبارِهِنَّ مُخَلَّفٌ

وَجَحشٌ لَدى مِكَرِّهِنَّ وَقيصُ

وَأَصدَرَها بادي النَواجِذِ قارِحٌ

أَقَبٌّ كَسِكرِ الأَندَرِيِّ مَحيصُ
  • قال طرفة بن العبد في قصيدة لخولة أطلال ببرقة ثهمد:[٩]

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ

وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم

يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ

كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً

خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ

عَدَوليَّةٌ أَو مِن سَفينِ اِبنِ يامِنٍ

يَجورُ بِها المَلّاحُ طَوراً وَيَهتَدي

يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيزومُها بِها

كَما قَسَمَ التُربَ المُفايِلُ بِاليَدِ

وَفي الحَيِّ أَحوى يَنفُضُ المَردَ شادِنٌ

مُظاهِرُ سِمطَي لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ

خَذولٌ تُراعي رَبرَباً بِخَميلَةٍ

تَناوَلُ أَطرافَ البَريرِ وَتَرتَدي

وَتَبسِمُ عَن أَلمى كَأَنَّ مُنَوِّرًا

تَخَلَّلَ حُرَّ الرَملِ دِعصٌ لَهُ نَدي

سَقَتهُ إياه الشَمسِ إِلّا لِثاتِهِ

أُسِفَّ وَلَم تَكدِم عَلَيهِ بِإِثمِدِ

وَوَجهٌ كَأَنَّ الشَمسَ حَلَّت رِدائَها

عَلَيهِ نَقِيُّ اللَونِ لَم يَتَخَدَّدِ

وَإِنّي لَأَمضي الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِهِ

بِعَوجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وَتَغتَدي

أَمونٍ كَأَلواحِ الأَرانِ نَصَأتُها

عَلى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهرُ بُرجُدِ

جَماليَّةٍ وَجناءَ تَردي كَأَنَّها

سَفَنَّجَةٌ تَبري لِأَزعَرَ أَربَدِ

تُباري عِتاقاً ناجِياتٍ وَأَتبَعَت

وَظيفاً وَظيفاً فَوقَ مَورٍ مُعَبَّدِ

تَرَبَّعَتِ القُفَّينِ في الشَولِ تَرتَعي

حَدائِقَ مَوليِّ الأَسِرَّةِ أَغيَدِ

تَريعُ إِلى صَوتِ المُهيبِ وَتَتَّقي

بِذي خُصَلٍ رَوعاتِ أَكلَفَ مُلبِدِ

كَأَنَّ جَناحَي مَضرَحيٍّ تَكَنَّفا

حِفافَيهِ شُكّا في العَسيبِ بِمَسرَدِ

فَطَوراً بِهِ خَلفَ الزَميلِ وَتارَةً

عَلى حَشَفٍ كَالشَنِّ ذاوٍ مُجَدَّدِ
  • قال عروة بن الورد في قصيدة أقلي علي اللوم يا بنت منذر:[١٠]

أَقِلّي عَلَيَّ اللَومَ يا بِنتَ مُنذِرٍ

وَنامي وَإِن لَم تَشتَهي النَومَ فَاِسهَري

ذَريني وَنَفسي أُمَّ حَسّانَ إِنَّني

بِها قَبلَ أَن لا أَملِكَ البَيعَ مُشتَري

أَحاديثَ تَبقى وَالفَتى غَيرُ خالِدٍ

إِذا هُوَ أَمسى هامَةً فَوقَ صُيَّرِ

تُجاوِبُ أَحجارَ الكِناسِ وَتَشتَكي

إِلى كُلِّ مَعروفٍ رَأَتهُ وَمُنكَرِ

ذَريني أُطَوِّف في البِلادِ لَعَلَّني

أُخَلّيكِ أَو أُغنيكِ عَن سوءِ مَحضِري

فَإِن فازَ سَهمٌ لِلمَنِيَّةِ لَم أَكُن

جَزوعاً وَهَل عَن ذاكَ مِن مُتَأَخِّرِ

وَإِن فازَ سَهمي كَفَّكُم عَن مَقاعِدٍ

لَكُم خَلفَ أَدبارِ البُيوتِ وَمُنظَرِ

تَقولُ لَكَ الوَيلاتُ هَل أَنتَ تارِكٌ

ضُبُوّاً بِرَجلٍ تارَةً وَبِمِنسَرِ

وَمُستَثبِتٌ في مالِكَ العامَ أَنَّني

أَراكَ عَلى أَقتادِ صَرماءَ مُذكِرِ

فَجوعٌ لِأَهلِ الصالِحينَ مَزَلَّةٌ

مَخوفٌ رَداها أَن تُصيبُكَ فَاِحذَرِ

أَبى الخَفضَ مَن يَغشاكِ مِن ذي قَرابَةٍ

وَمِن كُلِّ سَوداءِ المَعاصِمِ تَعتَري

وَمُستَهنِئٍ زَيدٌ أَبوهُ فَلا أَرى

لَهُ مَدفَعاً فَاِقنَي حَياءَكِ وَاِصبِري

لَحى اللَهُ صُعلوكًا إِذا جَنَّ لَيلُهُ

مُصافي المُشاشِ آلِفًا كُلَّ مَجزَرِ

يَعُدُّ الغِنى مِن نَفسِهِ كُلَّ لَيلَةٍ

أَصابَ قِراها مِن صَديقٍ مُيَسَّرِ

يَنامُ عِشاءً ثُمَّ يُصبِحُ ناعِسًا

يَحُتُّ الحَصى عَن جَنبِهِ المُتَعَفِّرِ

قَليلُ اِلتِماسِ الزادِ إِلّا لِنَفسِهِ

إِذا هُوَ أَمسى كَالعَريشِ المُجَوَّرِ

يُعينُ نِساءَ الحَيِّ ما يَستَعِنُّهُ

وَيُمسي طَليحًا كَالبَعيرِ المُحَسَّرِ

وَلَكِنَّ صُعلوكاً صَفيحَةُ وَجهِهِ

كَضَوءِ شِهابِ القابِسِ المُتَنَوِّرِ

مُطِلّاً عَلى أَعدائِهِ يَزجُرونَهُ

بِساحَتِهِم زَجرَ المَنيحِ المُشَهَّرِ

إِذا بَعُدوا لا يَأمَنونَ اِقتِرابَهُ

تَشَوُّفَ أَهلَ الغائِبِ المُتَنَظَّرِ

فَذالِكَ إِن يَلقَ المَنِيَّةَ يَلقَها

حَميداً وَإِن يَستَغنِ يَومًا فَأَجدَرِ

أَيَهلِكُ مُعتَمٌّ وَزَيدٌ وَلَم أَقُم

عَلى نُدَبٍ يَومًا وَلي نَفسُ مُخطِرِ

سَتُفزِعُ بَعدَ اليَأسِ مَن لا يَخافُنا

كَواسِعُ في أُخرى السَوامَ المُنَفَّرِ

يُطاعِنُ عَنها أَوَّلَ القَومِ بِالقَنا

وَبيضٍ خِفافٍ ذاتِ لَونٍ مُشَهَّرِ

فَيَوماً عَلى نَجدٍ وَغاراتِ أَهلِها

وَيَومًا بِأَرضٍ ذاتِ شَتٍّ وَعَرعَرِ

يُناقِلنَ بِالشُمطِ الكِرامِ أُلي القُوى

نِقابَ الحِجازِ في السَريحِ المُسَيَّرِ

يُريحُ عَلَيَّ اللَيلُ أَضيافَ ماجِدٍ

كَريمٍ وَمالي سارِحًا مالُ مُقتَرِ


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث أحمد حسين الزيات، تاريخ الأدب العربي، صفحة 38-39. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و ي غازي طليمات، عرفات أبو الاشقر، الأدب الجاهلي، قضاياه، أغراضه، أعلامه، فنونه، صفحة 63-64. بتصرّف.
  3. انصاف الدليمي، "الخصائص اللفظية والمعنوية للشعر الجاهلي"، جامعة بابل، كلية العلوم الانسانية، اطّلع عليه بتاريخ 7/10/2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب سلمى الجيوسي، الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث، صفحة 646. بتصرّف.
  5. عبد الرحمن شكري، دراسات في الشعر العربي، صفحة 318. بتصرّف.
  6. عماد حسيب، البناء الدرامي في الشعر العربي القديم، صفحة 13. بتصرّف.
  7. سعيد مطاوع، الشعر في العهد القديم، صفحة 268. بتصرّف.
  8. فريق الديوان، "أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/10/2021.
  9. فريق ديوان، "لخولة أطلال ببرقد تهمد"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/10/2021.
  10. فريق ديوان، "عروة بن الورد، أقلي علي اللوم يا بنت منذر"، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/10/2021.
8407 مشاهدة
للأعلى للسفل
×