تعريف النقد الأدبي الحديث

كتابة:
تعريف النقد الأدبي الحديث

النقد بين القديم والحديث

هل أسّس النقد القديم قاعدة جيّدة لميلاد النّقد الحديث؟

مرّت عملية النقد الأدبي بمراحلَ اختلفت باختلاف العصور المتلاحقة وطبيعة أهلها الفكرية من جهة، وباختلاف النتاج الأدبي الذي قدمه أدباء كل عصر من عصور الأدب، ففي العصر الجاهلي بدا نقد الأدب انطباعيًّا عفويًّا يخضع للذوق العام للمتلقّي، فعندما كان الشاعر يقف على منصته في إحدى الأسواق الثقافية كسوق عكاظ وذي المجنة وذي المجاز، كان الناس عامةً يتجمهرون حوله يصغون لإلقائه ويُبدون ما لديهم من انتقادات لا تتجاوز حدود الكلمة من النص هنا أو هناك، أو انتقادات تظهر ذوق السامع وحسب، دونما حاجة لتعليل الحكم النقدي أو تفسيره.[١]


ولم يكنِ النّقد ليختلف عن هذا الحال في العصرين: صدر الإسلام وكذلك العصر الأموي، إلّا أنه في العصر العباسي ومع ظهور المصنفات العلمية واللغوية بدا النقد ينحى منحى علميًّا؛ فظهرت الاصطلاحات النقدية وكتب النقد لمفكرين ولغويين متخصصين في النقد والأدب، ولكنَّ النقد في هذا العصر كان لا يزال نقدًا جزئيًّا يبحث في الكلمة أو العبارة ولا ينظر إلى النص الأدبي كقطعة فنية متكاملة.[١]


لقراءة المزيد عن النقد قديمًا، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: تاريخ النقد الأدبي عند العرب.


تعريف النقد الأدبي الحديث

بماذا اختلف النقد الحديث عن القديم؟

لا يبتعِد تعريف النقد الأدبي الحديث كثيرًا عن مُعطاه المعجميّ والّلغوي، فالفكرة الأساسية من النقد تبقى واحدة ألا وهي: تحليل النصوص وتمييز جيدها من رديئها وإبراز محاسنها وعيوبها، وهذا ما سار عليه النقد القديم وفاضل الشعراء على أساس منه، وتابعه المحدثون من بعدهم، غير أنّ النقد الأدبي الحديث قد أخذ يتجه نحو المنهجية العلمية فأصبح علمًا قائمًا بذاته مستقلًا في اصطلاحاته وتصنيفاته العلمية عن سائر العلوم التي تسعى لتفسير الأدب وشرحه وتتبّع ترجمة أصحابه.[٢]


فالنقد الأدبي الحديث إذًا، هو تعبير عن موقف كلي متكامل في النظرة إلى الفنون عامة أو إلى الشعر خاصة ويقصد به القدرة على التمييز والقدرة على التفسير والتعليل والتحليل والتقييم، وهي خطوات لا تغني إحداها عن الأخرى وهي متدرّجة على هذا النسق كي يتخذ الموقف نهجًا واضحًا مؤصلًا على قواعد جزئية أو عامة مؤيدًا بقوة ملكة الإبداع بعد ملكة التمييز.[٢]

تأثر النقاد العرب بالنقد الغربي الحديث

تأثّر العرب بالنقد الأدبي السائد لدى الغرب في العصر الحديث، وما عاصره أهله من انفتاح على الشعوب الأخرى واختلاط الأجناس وتبادل الثقافات، فانتهجوا مناهجه التي بدت مختلفة كلية عن العملية النقدية التي كانت سائدة في العصور السابقة لدى العرب، فقد أصبحت له قواعد وأصول منهجية تقصر هذا العلم على الدارس المتخصص في علوم الأدب صاحب النظر الثاقب والاطلاع الواسع والموهبة النقدية كما بيّنَها تعريف النقد الأدبي الحديث.[٣]


واستقى العرب كثيرًا من المُصطلحات النقديّة المستخدَمة لدى الغرب، فقاموا بتعريبها أو ترجمتها أو الإبقاء عليها كما هي، وأخذ النقاد ينظرون في النصوص الأدبية نظرة كلية تشمل العمل الأدبي بكل ما فيه من عناصر أساسية كاللغة والأفكار والعاطفة والصورة الفنية، وعملوا على الكشف عن مزايا العمل الأدبي الدفينة وتفسير الانفعالات التي مر بها الأديب إثر إنتاجه لعمله الأدبي بوصفها العامل الأساسي لتكوينه، كما اختلفت النظرات النقدية وتعددت فظهرالعديد من المناهج النقدية المختلفة التي تأثر بها الأدب والأدباء على حد سواء.[٣]

أبرز المدارس النقدية الحديثة

ما هو الفَيصل بين المدرستَيْن البنيويّة والتفكيكيّة؟

تعدّدت الآراء النقدية الحديثة واختلفت نظرًا لاتّساع توجهها وعالمية الأدب وامتزاج الثقافات؛ إذ ظهر إِثْرَها الكثير من المناهج والمدارس النقدية الحديثة التي تعمل هدف واحد رغم اختلاف نظمها وأنساقها الفكرية، ومن هذه المناهج ما يأتي.

المنهج البنيوي

البنوية لفظة مشتقّة من كلمة "بُنْيَة"، وتشير إلى أنّ أيّ ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية تشكّل بنية يمكن دراستها من خلال تحليلها إلى العناصر المكوّنة لها، دون الأخذ في الاعتبار العوامل الخارِجَة عنها، مثل حياة الكاتب ومشاعره، ومن أبرز روّادها من الغرب: رومان ياكبسون، ومن العرب عبد السلام المسدي.[٤]


لقراءة المزيد عن المنهج البنيوي، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: المنهج البنيوي في النقد الأدبي.


المنهج التفكيكي

ظهرت التفكيكية على يد جاك ديريدا كردّة فعل على المنهج البنيوي، وهيمنة السيميوطيقا على الحقل الثقافي الغربي، وتعدّ التفكيكية فلسفة التقويض الهادف والبناء الإيجابي، وقد جاءت لتعيد النظر في فلسفة الثوابت، كالعقل والدين واللغة والأصل والصّوت، ومن أبرز روادها من الغرب جاك ديريدا ومن العرب أدونيس.[٥]


ما الفرق بين البنيويّة والتفكيكيّة، هذا المقال يُجيب عن سؤالك: النقد الأدبي بين البنيوية والتفكيكية.


المنهج النفسي

المنهج النفسي منهج يستمد آلياته النقدية من نظرية التحليل النفسي التي أسّسها الطبيب النمساوي سيغموند فرويد، فسر على ضوئها السلوك البشري بردّه إلى منطقة اللاوعي اللاشعور، فهو منهج يؤخذ من علم النفس بصفة خاصّة، ومن أبرز رواده: شارل مورون من الغرب والعقاد من العرب.[٦]


للتوسّع في مطالعة مناهج النقد الحديث، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته.


أبرز الدراسات النقدية الحديثة

تعدّدت الدراسات النقدية العربية الحديثة على اختلاف مدارس النقد الأدبي التي ظهرت لدى الغرب ومناهجها، وقد اشتملت في معظمها على الجانبَيْن التطبيقي والنظري، بينما اكتفى بعضها بالوقوف على جانبها النظري الذي أشير إليه خلال تعريف النقد الأدبي الحديث، ومن أبرز هذه الدراسات ما يأتي.

صيدلية أفلاطون

مؤلفه جاك ديريدا، وقد ترجم هذا الكتاب إلى العربية، وقد احتل هذا الكتاب مكانًا أساسيًا في العمل الفكري للفيلسوف الجزائري الأصل جاك ديريدا، الذي عمل من خلاله على تفكيك الفكر الغربي منذ الميتافيزيقا اليونانية التي تشكل لهذا الفكر أصله وأساسه.[٧]

الرمز والرمزية في الشعر المعاصر

مؤلفه محمد فتوح أحمد، وقد جعله في بابين كبيرين تناول في أولهما الرمزية باعتبارها مذهبًا نقديًا أدبيًا، وتناول في الباب الثاني المنهج الرمزي كما تعكسها نماذج الشعر

العربي المعاصر، ويسبق هذَيْن البابَيْن تمهيدٌ عن الرمزية وموقفه من المناهج النقدية الأخرى.[٨]

مناهج النقد المعاصر

لمؤلّفِهِ صلاح فضل، وهو عبارة عن مجموعة من المحاضرات التي تراعي الشرح وتبسيط التفاصيل كما تجري على الطريقة الشفاهية، وقد تناول فيها المؤلف النقد الأدبي بأسلوب عام غير موجه للمختصين وقد عكف من خلال هذا الكتاب على تناول المصطلحات النقدية الأساسية المتداولة في عالم النقد الحداثي.[٩]


لقراءة المزيد حول الكتاب، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: تلخيص كتاب مناهج النقد المعاصر لصلاح فضل.

المراجع

  1. ^ أ ب بتول قاسم ناصر (د.ت)، محاضرات في النقد الأدبي (الطبعة د.ط)، العراق: مركز الشهيدين الصدرين للدراسات والبحوث، صفحة 22. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "تعريف النقد"، www.alukah.ne، اطّلع عليه بتاريخ 10-01-2020. بتصرّف.
  3. ^ أ ب حرة طيبي (2017)، السند البيداغوجي لمقياس: النقد العربي الحديث (الطبعة د.ط)، الجزائر: جامعة أبي بكر بلقايد، صفحة 3. بتصرّف.
  4. "البنيوية: عوامل النشأة وأسباب التقوض"، https://www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2020م. بتصرّف.
  5. "المنهج التفكيكي"، art.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 10-01-2020. بتصرّف.
  6. "المنهج النفسي عند شارل مورون"، www.alukah.ne، اطّلع عليه بتاريخ 10-01-2020. بتصرّف.
  7. جاك ديريدا (1998)، صيدلية أفلاطون (الطبعة د.ط)، تونس: دار الجنوب للنشر، صفحة 5. بتصرّف.
  8. محمد فتوح أحمد (1977)، الرمز والرمزية في الشعر المعاصر (الطبعة د.ط)، مصر: دار المعارف، صفحة 9.
  9. صلاح فضل (2002)، مناهج النقد المعاصر (الطبعة الأولى)، القاهرة: ميريت للمعلومات والنشر، صفحة 6.
7644 مشاهدة
للأعلى للسفل
×