تعريف النقد التاريخي

كتابة:
تعريف النقد التاريخي

النقد الأدبي

يعدّ النقد الأدبي تابعًا للأدب، متأخرًا عنه؛ فأينما كان ثمّة إنتاج أدبي لا بدّ من نقد يتبعُه، فالنقد وجوده طبيعي عفويّ مرتبط بوجود الأدب، حيث عدّه -تيري ايجلتون- ظلًّا للأدب، وتعدّدت مفاهيم النقد وتطورت أدواته مع الزمن؛ فالنقد في العصر الأموي غير النقد في العصر الحديث [١]، وأساس النقد ووظيفته الأولى تكمن في تفسير وتوضيح العمل الأدبي؛ لتحديد ومعرفة مَواطن النُّضج الفني فيه عن غيرها ثم إصدار الحكم العام عليها، وتعددت المدارس النقدية كما تعددت قضايا النقد قديمًا وحديثًا، وتاليًا سيتم الحديث عن النقد التاريخي. [٢]

تعريف النَّقد التاريخي

النقد لغةً: قالَ ابنُ فارس: النون والقاف والدال، أصلٌ صحيح يدلُّ على إبراز شيء وبروزه، ومن ذلك: النقد في الحافِر، وهو تقشُّره، والنقد في الضِّرس: تكسُّره، وذلك يكون بتكشُّف لِيطه عنه، ومن الباب: نقد الدرهم، وذلك أنْ يكشف عن حاله في جودته أو غير ذلك، ودرهم نقد: وازنٌ جيد، كأنَّه قد كشف عن حاله فعلم، ويأتي النقد بمعنى كشف العُيوب، قال أبو الدرداء: "إن نقدت الناس نقدوك"، أيْ: عِبتَهم واغتبتَهم، من قولك: نقدت الجوزة أنقدها، ونقد الدرهم، ونقد له الدرهم؛ أيْ: أعطاه إيَّاه [٣].

أمّا النقد التاريخي فيُعرّف بأنّه ممارسة قائمة على العلم، يتمُّ من خلال هذه المُزاولة فحص وتدقيق النّص؛ بهدف الوصول إلى الحقيقة التاريخيّة بشكلٍ حياديٍّ بعيدًا عن الذاتيّة [٤]، فإذا كان الناقد بحاجة إلى معرفة التأثير والتأثر للعمل الأدبي أو معرفة مراحل تطور فن من فنون الأدب، أو إذا قام بمحاولة جمع خصائص أمة من الأمم في آدابها فلا يسعفه في ذلك إلا انتهاج المنهج التاريخي في النقد، مع العلم أنّه لا يستقل بذاته عن المنهج الفني في النقد؛ فالنقد التاريخي مجاله محيط العمل الأدبي.[٥].

نشاة النقد التاريخي

حدَثَ إبّان الثورة الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر تطوّرًا واسعًا في النقد، وثورة عمِلت على خفت الأصوات التي تنادي بضرورة الرجوع للقواعد الرومانية واليونانية أثناء التحكيم على العمل الأدبي، فشرع النقّاد وغيرهم من المؤرخين يأخذون بمبدأ يقول إنَّ الأدبَ تعبير عن المجتمع الذي استعارته" مدام دي ستايل" من الألمان، وقد ظهر هذا المبدأ في مؤلفاتهم كالكتاب الذي ألّفه ميشليه بعنوان "في تاريخ فرنسا" حيث تحدّث فيه عن بيئة الشعب الفرنسي ونشأته وتطوره، أمّا في الأدب فقد قام فلمان بإخضاع دراسته للعمل الأدبي للعوامل السياسية والاجتماعية والبيئية والجنس المحيطة بالعمل الأدبي، وهو بذلك منح المذهب التاريخي في النقد أن يظهر بوضوح وينهض، ومن جهة أخرى كانت العلوم الطبيعية تتطوّر ولها قوانينها الثابتة، ممّا جعل الأدباء ينادون بأن يكون للنقد قوانين ثابتة؛ فهو علم كغيره من العلوم فكان ذلك بدايةً لجعل النقد علمًا له قوانينه، وتاليًا سيتمّ الحديث عن أبرز روّاد النقد التاريخي. [٦]

روّاد النقد التاريخي

ظهر العديد ممن ينادون بالنقد التاريخي، وبأنّه علم كغيره من العلوم التجريبية له قوانينه التي يجب أن يُتّخذ بها وتطبق على الأدباء جميعًا، ومن أبرز النقاد الذين تمثلوا النقد التاريخي ونهضوا به في البداية هم: [٧]

سانت بيف

كان من أوائل الدّاعين إلى دراسة الأديب دراسة علميّة دقيقة، من خلال أحوال طبيعتة وخصائصه الجسمية، وبيئته وعادات مجتمعه ومبادئهم وأخلاقهم، كذلك أصدقائه والفترة التي بدأ فيها الكتابة ومَن أثنى على كتابته، وأعدائه ومَن بخّس في كتابته، والفترة التي ضّعُف فيها فهو يبحث ويدقق في أبسط التفاصيل وأدقها، وبعدها يصنّف ويرتِّب الأدباء إلى فصائل وطبقات تبعا لنتائج بحثه، فمن يشتركون وتجمعهم خصائص معينة دون غيرهم يجعلهم في فصيلة أو طبقة واحدة، وهذا يوضح مدى تأثره بالعلوم التجريبية فهو يصنع ما يصنعه عالم النبات حيث يقسم عالم النباتات النبات إلى فصائل ويضع الصفات والقوانين الخاصة بكل فصيلة، وقد برزهذا النهج في مؤلفيْه" أحاديث الاثنين" و "أحاديث الاثنين الجديدة" وبهذا يمكن تسمية دراسة بيف بِـ "التاريخ الطبيعي للأدب".

هيبولت تين

يعدُّ تين من أكبر تلامذة سانت بيف الذين ساروا على نهجه وأكّدوا عليه، فقد صيّر طريقة أستاذه إلى الحتمية المُلزمة وأكد على ضرورة وجود قوانين عامة تُطبّق على كلّ الأدباء دون استثناء ودون اعتبار لشخص ونفسيّة الكاتب والأديب فهو يهملها - وهذا ما يحدث في العلوم الطبيعية- وهذا ما فعله أثناء دراسته في "تاريخ الأدب الإنجليزي" فالفرد جزء من مجتمعه ولا بد في دراسته من الرجوع إلى مجتمعه والبيئة التي نبت فيها والعوامل التي أثرت فيه والتي حصرها تين في ثلاثة عوامل، وهي: الجنس، فلكلّ جنس خصائصه التي تميزه عن غيره من الأجناس الأخرى، والبيئة، فالبيئات متعددة ومختلفة في جغرافيتها وخصائصها، والزمان، فلكلّ حقبة وعصر أحداث ومجريات تختلف عن غيرها.

برونتيير

قام برونتيير بمحاولة تطبيق نظرية النشوء والارتقاء لدارون على الأدب والأدباء وعلته في ذلك أنّ الأديب جزء من الكائنات، ولهذا ستخضع لهذه النظرية فطبّق ذلك على ثلاثة أنواع من الأدب: الشعر الغنائي والمسرح والنقد الأدبي، منذ نشأتهم والتطور الذي طرأ على هذه الأنواع بتطور الزمن والبيئة.

المراجع

  1. تيري إيجلتون، ترجمة فخري صالح (1992)، النقد والأيديولوجية، عمّان : المكتبة الوطنية، صفحة 22. بتصرّف.
  2. محمد غنيمي هلال (1997)، النقد الأدبي الحديث (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار نهضة مصر، صفحة 9. بتصرّف.
  3. "تعريف النقد"، الألوكة.
  4. عارف المخلافي (2014)، المستخلص في النقد التاريخي (الطبعة الأولى)، صنعاء : دار النشر للجامعات، صفحة 5. بتصرّف.
  5. "المنهج التاريخي للنقد الأدبي"، الرجع الإلكتروني للمعلوماتية. بتصرّف.
  6. شوقي ضيف (2004)، في النقد الأدبي (الطبعة التاسعة)، القاهرة: المعارف، صفحة 35،36. بتصرّف.
  7. شوقي ضيف (2004)، في النقد الأدبي (الطبعة التاسعة)، القاهرة: المعارف، صفحة 36،37،38،39. بتصرّف.
4075 مشاهدة
للأعلى للسفل
×