محتويات
نبذة عن سورة البقرة
اتّفق أهل التفسير على أن سورة البقرة سورةٌ مدنيّة، وهي من أوائل السور التي نزلت في المدينة، ونزلت على النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في بطن الوادي بالعقبة، لِقول ابن مسعود -رضي الله عنه- بعد أن رمى جمرة العقبة: "هَذَا وَالله مقَام الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة"،[١][٢] وجاء عن أبي داود في كتابه الناسخ والمنسوخ عن عكرمة قوله: "إنها أول سورةٍ نزلت في المدينة".[٣]
ويجدر بالذّكر أنّها نزلت على فتراتٍ مُتفرّقة، فآية مئتان وواحد وثمانون منها كانت آخرُ آيةٍ نزلت، وهي قولهُ -تعالى-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)،[٤] وقد نزلت في حجة الوادع يوم النحر في مِنى، وكذلك آيات الرّبا الواردة فيها من أواخر ما نزل من القُرآن الكريم،[٥] وعددُ آياتها مئتان وستٌ وثمانون آية.[٦]
ما هو سبب تسمية السورة بالبقرة؟
تُسمّى السور غالباً باللفظ المُفرد الذي لا يوجد إلا فيها، ولا يتكرر في غيرها من السور، فسُمّيت سورة البقرة بهذا الاسم؛ لورود اسم وقصة البقرة فيها،[٧] وهذه التسمية جاءت بسبب حادثة البقرة التي وقعت في بني اسرائيل على عهد نبي الله موسى -عليه السلام-، فقد كانوا يعبدونها من دون الله -تعالى-، فحينها وقعت جريمةُ قتل واختلفوا من هو القاتل، وأخفى القاتلُ أمره، قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ).[٨][٩]
فجاءوا إلى موسى -عليه السلام- ليحكم بينهم، فدعا ربه، فأوحى الله -تعالى- إليه أن يذبحوا بقرة، ويضربوا القتيل بلسانها ليُخبرخهم من قتله، فاستهزؤوا بنبيّ الله موسى وبأمره؛ بسبب عنادهم، وبدأوا يسألونه عن صفاتها، وعن لونها، وخصائصها عن غيرها من البقر، فأخبرهم أنها صفراء تسرُّ الناظرين، ومُتوسطةٌ في العمر؛ فلا هي صغيرةٌ ولا كبيرة، فوجدوا هذه الصفات عند طفلٍ يتيم، ولا توجد في غيرها من البقر، فطبّقوا أمر الله -تعالى- وذبحوها، وضربوا القتيل ببعض أعضائها، فأحياه الله -تعالى-، وأخبرهم بقاتله، لِقولهِ -تعالى-: (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).[١٠][٩]
ولِسورة البقرة اسماً آخر هو الفُسطاط أو فُسطاط القُرآن؛ وذلك لشرفها وفضلها،[١] ولعظمها، وبهائها، وكثرة الأحكام والمواعظ الواردة فيها، فقد جاء عن أبي بكر العربي قوله: "في سورة البقرة ألف أمر، وألف نهي، وألف حُكم، وألف خبر"، وتعلّمها عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في اثنتي عشرة سنة،[١١][٥] وورد في أحاديث مرفوعة تسميتها بالزّهراء، وسنام القرآن.[١٢]
موضوعات سورة البقرة
تناولت سورة البقرة الكثير من الأحكام والموضوعات، ومنها يأتي:[١٣][١٤]
- ذكرها لشأن القُرآن، وشرف المؤمنين به، ثُمّ ذكر الله -تعالى- أن جميع الخلق في قبضته، وأنه خلقهم وسخّر لهم الأرض ومكّنها لهم، ممّا يُوجبُ عليهم عبادته، وترك عبادة الأصنام.
- بيانها لمقام الحُجّة النبويّة التي تُثبت نبوة النبيّ مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام-، وتُثبت رسالته، وتحدي الله -تعالى- للمُشركين بأن يأتوا بسورةٍ مثل القُرآن، وبيانه لعجزهم عن ذلك.
- بيانُها لبعض الأحكام الفرعيّة، وأحوال اليهود والنصارى مع المؤمنين، وتنظيم الدولة الإسلاميّة، وكيفية تكوينها.
- كلامها عن خلق البعوضة، وأنها من خلق الله -تعالى- العظيم.
- الحديث عن خلق الإنسان، وأمر الله للملائكة بالسجود له، فرفض إبليس ذلك وغضب الله عليه وطرده من رحمته.
- اختبار الله -تعالى- لآدم -عليه السلام- وزوجته بعدم الأكل من الشجرة، ووسوسة الشيطان لهما، والإشارة إلى العداوة الدائمة بين الخير والشر.
- تكذيب بني إسرائيل للرسل والأنبياء برغم ما أعطاهم الله -تعالى- إياه من العلم والنُبوّة والمعجزات، بالإضافة لحديثها عن ضرب موسى -عليه السلام- بعصاه للحجر، وانفجار اثنتا عشرة عيناً منه.
- بيانها لأُصول العقيدة والتوحيد، وذكر الأدلة على ذلك.
- ذكرها لتاريخ اليهود، ومُناقشتها لعقائدهم، وتذكيرها بنعم الله -تعالى- عليهم.
- ذكرها لبعض التشريعات الإسلاميّة، ليكون المُسلمين مُتميّزون في عباداتهم ومُعاملاتهم وعاداتهم؛ كذكرها للقصاص في القتل العمد، والصيام، والوصية، والاعتكاف، والتحذير من أكل أموال الناس بالباطل، وذكرها للأهلّة ودورها في العبادة، وذكرها للخمر والميسر، والطلاق، والعدة، والخلع، والرضاع، وكفارة الحنث باليمين، والإنفاق في سبيل الله -تعالى-، والبيع والربا، وطرق توثيق الديون بالكتابة، والشّهادة، والرهن، وغير ذلك من الأحكام والتشريعات، وذكرت في نهايتها دعائم الإيمان وأركانه.
- ذكرها لِصفات المُتقين، والكافرين، والمُنافقين، وضرْب الأمثال وبيان حال المُنافقين، ووصفهم بالمُفسدين.[١٥]
فضائل سورة البقرة
جاء في فضل سورة البقرة الكثير من الأدلة والفضائل، ومن هذه الفضائل ما يأتي:[١٦][١٧]
- البقرة سنام القُرآن وذروته، و الشيطان يفرُّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لا تجعلوا بيوتَكم مقابرَ وإنَّ البيتَ الَّذي تُقرأُ فيهِ البقرةُ لا يدخلُهُ الشَّيطانُ)؛[١٨] لورود آية الكُرسي فيها، وهي أعظم آيةٍ في القُرآن.[١٩]
- تقديم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- حافظها على غيره في الإمارة، وقُرب الملائكة من قارئها؛ كدنوّهم من الصحابيّ أُسيد بن حُضير -رضي الله عنه- عندما كان يقرأ سورة البقرة.
- حُصول البركة في الدُنيا، والشرف في الآخرة، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (اقرؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أخْذَها بركةٌ، وترْكُها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطَلَةُ)،[٢٠] كما أنها تُدافع عن صاحبها يوم القيامة.[٢١]
- قراءتها مع سورة آل عمران سببٌ لإتيانهما يوم القيامة للدفاع عن المسلم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (يؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، وآلُ عِمْرانَ، وضَرَبَ لهما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَةَ أمْثالٍ ما نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قالَ: كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ ظُلَّتانِ سَوْداوانِ بيْنَهُما شَرْقٌ، أوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما).[٢٢]
- قراءة آخر آيتين من السّورة ي كُلِّ ليلة تكفي صاحبها وتحفظه بإذن الله، لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ).[٢٣][٢٤]
- اشتمالها على آخر الآيات نُزولاً على النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وهي قولهُ -تعالى-: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).[٤][٢٥]
مقاصد سورة البقرة
توجد العديد من المقاصد لسورة البقرة، ومنها ما يأتي:[٢٦]
- مدح المؤمنين من أهل الكِتاب، وذمّها لكفار مكة والمُنافقين من أهل المدينة، وردها على النصارى.
- الرد على مُنكريّ الدعوة، وذكرها لقصة بدء الخلق، وتعليم آدم -عليه السلام- الأسماء، وذكرها لقصة موسى -عليه السلام-، واستسقائه، ومواعدته لربه، ومنته على بني إسرائيل، وشكواه منهم.
- ذكرها لقصة البقرة، وقصة سُليمان، وهاروت وماروت والسحرة، وابتلاء الله -تعالى- لنبيه إبراهيم -عليه السلام-، وبنائه للكعبة، ووصية يعقوب لأولاده.
- تناولها لقضية تحويل القبلة، وبيانها لفضل الصبر على المصائب، ووجوب السعي بين الصفا والمروة.
- تناولها لأهمية التوحيد وحُجته، وحُكم القصاص، ووجوب صيام رمضان، والأمر بالحج والعُمرة، ومُقاتلة الكافرين، وبيانها لحُكم القتال في الأشهُر الحُرم.
- ذكرها للعدة، والصدقات، والنفقات، والسؤال عن الحكر والميسر، وأمواال اليتامى، والحيض، والطلاق، والنكاح.
- مُناظرة إبراهيم مع النُمرود، وإحياء الموتى لإبراهيم، وإثباتها لإيمان الرسول والمؤمنين بالله -تعالى-.
المراجع
- ^ أ ب منصور السمعاني (1997)، تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض، دار الوطن، صفحة 40، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، شرح تفسير ابن كثير، صفحة 18، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن السيوطي، الدر المنثور، بيروت، دار الفكر، صفحة 46، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة البقرة، آية: 281.
- ^ أ ب محمد القرطبي (1964)، الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي (الطبعة الثانية)، القاهرة، دار الكتب المصرية، صفحة 152، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمود الزمخشري (1407)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (الطبعة الثالثة)، بيروت، دار الكتاب العربي، صفحة 19، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ صالح المغامسي، سلسلة محاسن التأويل، صفحة 2، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 72.
- ^ أ ب جعفر شرف الدين (1420)، الموسوعة القرآنية، خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت، دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 43-44، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 73.
- ↑ محمد المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 3، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ "أسماء سورة البقرة"، www.islamweb.net، 19-12-2004، اطّلع عليه بتاريخ 30-3-2021. بتصرّف.
- ↑ محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة، زهرة التفاسير، مصر، دار الفكر العربي، صفحة 75-78، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ جعفر شرف الدين (1420 هـ)، الموسوعة القرآنية، خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت، دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 45-46، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ صالح المغامسي، سلسلة محاسن التأويل، صفحة 1، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، شرح تفسير ابن كثير، صفحة 3-13، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن السيوطي، الدر المنثور، بيروت، دار الفكر، صفحة 47-52، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2877، صحيح.
- ↑ محمد المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 4، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 1165، صحيح.
- ↑ محمد القرطبي (1964)، الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي (الطبعة الثانية)، القاهرة، دار الكتب المصرية، صفحة 152-154، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 805، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 5009، صحيح.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، شرح تفسير ابن كثير، صفحة 1، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن الثعالبي (1418هـ)، الجواهر الحسان في تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت، دار إحياء التراث العربي، صفحة 174-175، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مقاتل بن سليمان (1423)، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة 1)، بيروت:دار إحياء التراث، صفحة 82، جزء 1. بتصرّف.