تعريف حق تقرير المصير

كتابة:
تعريف حق تقرير المصير

حق تقرير المصير

إنَّ مبدأ تقرير المصير لا يشبه أيّ مبدأ دوليّ آخر، وذلك لقوّة معانيه وتحقيق إرادة الأفراد في التحرر من كافة أشكال الاستعمار، فقد جاء القانون الدولي بما فيه من مواثيق وقرارات دولية، ليضع الأُطر الأساسية للمحافظة على الحقوق السياسية، والأمنية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية للدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، فقد اكتسب حق تقرير المصير قوته عند إدراجه في ميثاق الأمم المتحدة، ونصَّ على حق الشعوب سواء كانت كبيرة أو صغيرة في أن تقرر مصيرها بيدها دون تدخلات خارجية، وإقامة دولة مستقلة محررة من أي استعمار لأراضيها ومواردها، دون استثناء أو تمييز بسبب العرق أو الدين أو اللغة أو الموقع الجغرافي.


تعريف حق تقرير المصير

هو حق جميع الشعوب في العالم بتحديد مصيرها وسياساتها بنفسها، بعيداً عن أيّ تدخلات أجنبية أو اعتداءات خارجية تشنّها دول أُخرى عليها. ورغم ما حاز عليه حق تقرير المصير من قوة، ورغم القرارات الدولية الصادرة بصدد هذا الحق، إلا أنَّه ظلَّ محط خلاف كبير بين الباحثين والقانونيين في كيفية تنفيذ القرارات ذات الصلة بتقرير المصير، وأشكال تطبيقه في مختلف أنحاء العالم. ويُذكر على سبيل المثال؛ إخفاق الأمم المتحدة في حل قضية الشعب الفلسطيني إلى يومنا هذا، وعدم تمكينه من أخذ زمام أمره في تقرير مستقبله السياسي وإقامة دولته المستقبلية.[١]


نشأة وتطور حق تقرير المصير

مرَّ حق تقرير المصير بمراحل تاريخية عديدة إلى أن وصل إلينا بهذا الشكل، نذكر أبرزها:

  • حق تقرير المصير في دولة المدينة اليونانية: ارتبط هذا الحق بالديمقراطية المطبقة في المدن اليونانية، وذلك خلال الحروب التي كانت دائرة بين مدينة أثينا وإسبارطة، فعمل حكامها على تطبيق مبادئ الديمقراطية من أجل وقف تلك الحروب والعيش بسلام، وقاموا بوضع القوانين المكتوبة وغير المكتوبة التي حظيت بتأييد الرأي العام، والجدير بالذكر أنَّ ما توصلت إليه المدن اليونانية من ديمقراطية كانت الأساس الذي بُنيَ عليه حق تقرير المصير.
  • حق تقرير المصير في العصور الوسطى: سادت في العصور الوسطى ما يسمى بنظرية التفويض الإلهي، والتي كان أساسها يقوم على تأليه الحاكم؛ لأن سلطته باعتقادهم مستمدة من الله، فالشعب والإقليم اعتُبروا ملكاً خاصاً به لا يجوز لأحد أن يحاسبه. وبعد زمن من الصراع والهيمنة من قبل سلطة الكنيسة على الحكم، تمَّ فصل حكم الكنيسة عن الدولة، وأصبحت نظرية التفويض الإلهي من النظريات القديمة، وحلّت محلّها فكرة اتخاذ الشعب قراراته بنفسه، والتصرف في أملاكه وأراضيه دون الرجوع إلى أحد، ولم يقف الأمر هنا بل استطاع الشعب أن يختار نظام حكمه بنفسه.
  • حق تقرير المصير في العهد الإسلامي: إنَّ حق تقرير المصير ظهر منذ بعثة محمد عليه السلام، فترك الإسلام للنّاس حرية اعتنقاء الدين دون إكراه أو ضغط، بل أعطى لغير المسلمين حرية ممارسة شعائرهم الدينية واحترام معتقداتهم، وذلك انطلاقاً من مبدأ الحرية في الإسلام. وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أعطى أهل بيت المقدس الأمان في ما يُسمى بالعهدة العمرية المشهورة، التي نصّت على أنّ من أراد من أهل مدينة القدس العيش فيها فله ذلك، ومن أراد الخروج منها فله حرية مغادرتها بأمان دون التعرّض له، أو لأهله، أو لماله. أما في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، فيُذكر أنَّ أهل سمرقند جاؤوا إليه يشكونه قتيبة بن مسلم والي سمرقند، لأنَّه سمح للمسلمين أن يسكنوا في مدينتهم دون موافقة أهلها، فأمر الخليفة عمر بتنصيب القاضي جُميّع بن حاضر لينظر في الأمر، فحكم القاضي جُميّع بإخراج المسلمين من المدينة وترك الأمر لأهل سمرقند، وهذا ما جعلهم يدخلون الإسلام بعد ذلك بكامل إرادتهم.
  • حق تقرير المصير في حرب الاستقلال الأمريكية: في القرن الثامن عشر كانت هناك ثلاث عشرة مستعمرة أمريكية تحت الحكم البريطانيّ، وكان يعيش فيها بعض الأشخاص الأوروبيين، والذين أتوا من فرنسا، وهولندا، وإنجلترا، وقد طالب سكان هذه المستعمرات بالاستقلال عن الحكم البريطاني في ذلك الوقت، فنشبت الحرب عام 1775م بقيادة جورج واشنطن وبمساعدة الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال لافايت، حيث حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على استقلالها من العرش البريطاني عام 1776م، ومن ثمّ تمّ توقيع معاهدة فرساي التي أعلنت الاستقلال الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية.
  • حق تقرير المصير في الثورة الفرنسية: ظهرَ حق تقرير المصير على أيدي زعماء الثورة الفرنسية، الذين لعبوا دوراً مهماً في القضاء على الاستبداد الملكي الذي كان قائماً على سيطرة طبقة النبلاء والأكليروس على الحكم، بناءً على نظرية الحكم الإلهي، فتحول نظام الحكم بعد الثورة إلى نظام جمهوري، تحققت فيه المساواة والعدالة بين فئات المجتمع، وبهذا يتضح أنَّ مبدأ تقرير المصير ارتبط بالثورة الفرنسية؛ وذلك لأنّ الثورة جاءت لتعبّر عن الشعور القوميّ من أجل بناء دولة حديثة قائمة على أساس الحرية وحقوق الإنسان، أما من الناحية الاقتصادية فتمَّ إقامة نظام رأسمالي يحل محل النظام البرجوازي الذي يسحق الفلاحين ويقاسمهم أرباحهم، بينما من الناحية الاجتماعية فقد تمكنت الثورة الفرنسية من إلغاء امتيازات النبلاء ورجال الدين، وحققت العدالة والمساواة بين الناس.
  • حق تقرير المصير في ميثاق الأمم المتحدة: لم يأخذ حق تقرير المصير أي اهتمام عند نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1914م، حتى إنَّ عصبة الأمم المتحدة قامت بشطب هذا الحق من مواد العصبة، بل ساعدت الدول المنتصرة على السيطرة على بعض شعوب العالم، وذلك لأنَّ الدول المنتصرة آنذاك كانت هي من تتولى حكم العصبة. وبعد ذلك عُقد مؤتمر دامبرتون أوكس عام 1944، الذي لم ينص صراحة على حق تقرير المصير، إلا أنَّه لم يُغفل الحق بشكل مطلق، بل ذكر مقترحات كحفظ السلام والأمن الدوليين، وحلّ المشاكل الإنسانية، ودفع العلاقات الوديّة بين الأمم. ومن ثمَّ عُقد مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945م، والذي أدخل تعديلات ضخمة على مقترحات دامبرتون أوكس، ومن بين هذه المقترحات حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وتمّت المصادقة على هذا القرار من جانب الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وقد صُنّف حقّ تقرير المصير على أنَّه أحد مبادئ القانون الدوليّ الإلزامي.


حق تقرير المصير وحركات التحرر

استطاعت حركات التحرر الوطنية اتخاذ الشرعية في نضالها من مبدأ تقرير المصير ضد الاستعمار الأجنبي، بعد أن اكتسب هذا الحق قوته من ميثاق الأمم المتحدة ليصبح أحد أهم المبادئ القانونية الدولية. وبسبب هذا الحق استطاعت شعوب العالم إقامة دول خاصة بها بعد تحررها السياسي والاقتصادي والثقافي، عن طريق نضالها بالطرق السلمية، كالاستفتاء الشعبي الذي أجرته فرنسا على استقلال الجزائر عام 1962م، واعتبرت هذه الطريقة مخرجاً لفرنسا لإنهاء استعمارها.[١]


وكما يمكن أن يمارس هذا الحق بالقوة عن طريق المقاومة المسلحة أو ما يسمى بالكفاح المسلح، الذي يعني الاستخدام المشروع للقوة المسلحة لمقاومة المحتل، وهذا ما شهدته الدول المستعمرة في أفريقيا من ظهور حركات تحرر وطنية تنادي بإقامة كيان مستقل في بلادها، كما واجهت بريطانيا الكثير من حركات المقاومة الشعبية في الأراضي التي استعمرتها.[٢]


حق تقرير المصير والحركات الانفصالية

يجب التمييز بين حق تقرير المصير والحركات الانفصالية التي تدعو إلى الانفصال عن الدولة الأم، وعلى الرغم من استناد الحركات الوطنية إلى حق تقرير المصير في نضالها، إلا أنَّها في بعض الأحيان كانت مدفوعةً بعدائها للنظام السياسيّ الحاكم، كما أنّها قد تحمل أجندات سياسية خارجية تهدف إلى زعزعة أمن الدولة ونظام الحكم فيها أكثر من كونها مجموعة عرقية مستضعفة تريد التحرر.[١]


ومن الجدير بالذكر أنَّ الأمم المتحدة لم تقبل عضوية أيّ دولة انفصلت عن الدولة الأم دون إرادتها، باستثناء دولة بنغلادش التي تعتبر الدولة الوحيدة التي نجحت بالانفصال من جانب واحد، وعلى الرغم من ذلك فإنَّها لم تقبل كدولة عضو في الأمم المتحدة إلا في عام 1974، رغم تقديمها طلب الانضمام عام 1972.[٣]


المراجع

  1. ^ أ ب ت "تقرير المصير"، www.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2018. بتصرّف.
  2. شنكاو هشام (2-9-2010)، "حق تقرير المصير واستخدام القوة في العلاقات الدولية"، pulpit.alwatanvoice.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2018. بتصرّف.
  3. سعيد الصديقي (20-10-2017)، "حق تقرير المصير بين وحدة الدول ودعوات الانفصال"، www.hespress.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2018. بتصرّف.
5352 مشاهدة
للأعلى للسفل
×