محتويات
تعريف علم العروض لغة
من أين جاءت كلمة العَروض لهذا العلم؟
إنّ لكلمة العَروض في اللغة العربية معاني كثيرة تُفضي في حقيقتها إلى معنى واحد أو معاني متفرقة ولكنّها تعود إلى أصل واحد، فالعَروض اسمٌ يُطلق على مكة واليمن، وربما كان ذلك لأنّها تعترض في الطريق كما قالوا عن الجبل إنّه عارِض، وكذلك العَروض هي الناحية، وكذلك عَروض الكلام هو فحواه ونظيره، ومنه قالوا: هذا الكلام عروض هذا؛ أي: نظيره[١]، والعَروض كذلك هو: "فواصل أنصاف الشعر وهو آخر النصف الأول من البيت" كما يذكر ابن منظور في لسان العرب، وذكر إمام النحاة سيبويه أنّ العروض سُمّي عروضًا لأنّ الشّعر يُعرض عليه، وذلك شبيه بالفتاة البكر التي تُعرض على أهل حيّها لكي يرغبوا فيها.[٢]
قيل العَروض هو: عمود الشعر وطرائقه، وقيل هو: مِيزانُ الشعْر لأَنه يُعارَضُ بِهَا، فكلّ تدور حول معنى يكاد يكون واحدًا.[٢]
تعريف علم العروض اصطلاحًا
ما هو حدّ علم العَروض؟
لقد أصبح العروض علمًا مستقلًّا منذ أن وضع أساساته الخليل بن أحمد الفراهيدي، وعرّفه العلماء بأنّه علمٌ يُبحث من خلاله عن أحوال الأوزان المعروفة عند أئمّة هذا الفن، وعرّفه بعضهم فقال: هو علمٌ أشبه بالميزان للشعر يعرف من خلاله الشعر المكسور من الشعر الموزون، فهو بذلك يشبه علم النحو الذي يُعرف به الكلام الفصيح من الكلام الملحون، والتعريف الأخير لابن جني[٣]، وقالوا إنّ علم العَروض هو علم تُعرف به أوزان الشعر العربي فينماز من خلاله الوزن الفاسد من الصحيح، ويُعرف من خلاله أيضًا ما يعتري الأوزان من زحافات أو علل.[٤]
نشأة علم العروض
من الذي أسّس علم العَروض؟
إنّ علم العروض مثله مثل باقي علوم اللغة العربية لم يخترعه العلماء اختراعًا على غير مثال سابق ولكنّهم استنبطوه ممّا وصل إليهم من أشعار العرب، فقبل الإسلام كان الناس يتحدثون ويقولون الشعر والنثر على سليقتهم الصافية، ولكن بعد مجيء الإسلام الذي حثّ الناس على العمل وإعمال الذهن فقد اتجه العلماء يبحثون في العلوم التي تتناسب مع شخصياتهم، فكان أن انطلق الفراهيدي لوضع أساس لعلمٍ يكون موضوعه الشعر العربي من حيث صحة الوزن وفساده.[٥]
وضع لهذا العلم ستة عشر بحرًا حصّن بها أشعار العرب، ويرى الخليل أنّ الشعر العربي ليس محصورًا بالأوزان المعروفة عند العرب، وإنّما لو أتى بشعر على وزن مخالف لأوزان البحور المعروفة عند العرب فإنّ ذلك لا يقدح في شعره؛ إذ إنّ تعريف الشعر أنّه كلام موزون مقفّى يدلّ على معنى شعري، وقد خالفه غيره ممن أتى بعده، غير أنّ العلماء المتأخّرين قد رجّحوا قول الخليل بناء على ما يقتضيه العقل والمنطق، فمن هنا نشأ علم العروض على أصحّ الروايات وأقواها[٥]، وقال قائل آخر إنّ علم العروض كان معروفًا ولكنّه نُسي فجدّده الخليل، ويستدلّ على هذا القول بما جاء في كلام الوليد بن المغيرة، فالله أعلم.[٦]
لقراءة المزيد، انظر هنا: من هو أول من ابتكر علم العروض.
مؤسس علم العروض
يرجع الفضل في نشأة علم العروض إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي أحد أئمة اللغة والأدب في القرن الثاني للهجرة؛ فقد كان إمامًا في علم النحو، وهو الذي استنبط علم العروض، وأخرجه لنا في خمسة عشر بحرًا، ثمّ قام الأخفش بزيادة بحر آخر وسمّاه الخبب.[٧]
وهو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري، وأصله عربيًا من أزْد عُمان، يعدّ لغويًّا ومنشئًا لعلم العروض لغوي ومعجمي ومنشئ علم العروض، إضافة إلى اهتمامه بتعريف علم العروض لغة واصطلاحًا، وقد وهبه الله ذكاءً خارقًا وفطنة كانت مضربًا لأهل عصره، إلى جانب تقواه وزهده وورعه والهمّة الهالية التي تميّز بها، وقد برع بعلم اللغة والنحو والعروض والموسيقى، وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الأمور جميعها فتحت له بابًا لابتكار علم العروض، من خلال اطلاعه الواسع على شعر العرب ولإحاطته بإيقاعاته، حيث اهتدى إلى أوزان الشعر وبحورها وقوافيها، وقد أسدى بمجهوده هذا في ابتكار علم العروض خدمة عظيمة وجليلة للشعر العربي لم يسبقه إليها أحد، وبقيت تنسب إليه حتى هذا اليوم.[٧]
لقراءة المزيد، انظر هنا: نبذة عن الخليل بن أحد الفراهيدي.
بحور الشعر العربي
إنّ من أهم ما سيتمّ ذكره في هذا المقال ألا وهو تعريف علم العروض لغة واصطلاحًا البحور الشعريّة، فهي تعدّ من أهمّ ما يبنى عليه علم العروض، ويمكن تعريف البحر الشعري بأنّه مجموعة من التفعيلات، وتختلف هذه التفعيلات من بحر إلى آخر، وتنظم عليها الأبيات الشعريّة، وقد ابتكر الفراهيدي خمسة عشر بحرًا مستعملًا، وقد عدّ البحر المتدارك وهو البحر السادس عشر بحرًا مهملًا، لكن تلميذه الأخفش رأى أنّه مستعملًا ، فتداركه على استاذه الفراهيدي وأصبح من البحور المستعملة، والبحور الشعريّة هي:[٨]
- الطويل: طَويلٌ لَهُ دُونَ البُحورِِ فضائلُ ** فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ فَعُوْلُنْ مَفَاْعِلُ
- المديد: لِمديدِ الشّعرِ عندي صفاتُ ** فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُنْ
- البسيط: إنّ البسيطَ لديه يبسَطُ الأملُ ** مستفعلن فاعلن مستفعلن فِعلُن
- الوافر: بُحور الشّعرِ وافرُها جميلُ ** مفاعَلتن مفاعَلتن فعولُن
- الكامل: كَمُلَ الجمالُ من البحورِ الكامل ** متفاعِلن متفاعِلن متفاعِلن
- الهزج: على الأهزاجِ تسهيلُ ** مفاعيلن مفاعيلن
- الرجز: في أبحُرِ الأرجازِ بحرٌ يسهُلُ ** مستفعلن مسْتفعِلن مسْتفعِلن
- الرمل: رمَلُ الأبحرِ ترويهِ الثقاتُ ** فاعلاتن فاعِلاتن فاعِلاتن
- السريع: بحرٌ سريعٌ ما لَه ساحلُ ** مستفعلن مستفعلن فاعِلن
- المنسرح: منسرحٌ فيه يُضرَبُ المَثَلُ ** مستفعلن مفعولات مفتعِلن
- الخفيف: يا خفيفًا خفّت بهِ الحركاتُ ** فاعِلاتن مْستفعِلن فاعِلاتُن
- المضارع: تعدّ المضارِعاتُ ** مفاعيلُ فاعلاتن
- المقتضب: اقتَضِبْ كَما سألوا ** مفعلات مفتعلن
- المجتث: إنَّ جُثّتِ الحركاتُ ** مستفعلن فاعلاتن
- المتدارك: حركاتُ المحدَثِ تنتقلُ ** فعلُن فعلُن فعلُن فعلن
- المتقارب: عن المتقاربِ قالَ الخليلُ ** فَعولُنْ فَعولُنْ فَعولُنْ فَعُولُ
لقراءة المزيد، انظر هنا: بحور الشعر العربي.
شواهد شعرية على البحور العروضية
اعتاد الشعراء العرب قديمًا على نظم شعرهم بفطرتهم، إلا أن الفراهيدي وجد أنّ بعضًا منهم قد أساؤوا له؛ وذلك لعدم تمرسهم فيه، لذلك وضع هذه البحور الشعريّة ليحافظ على جمال الشعر.
أَبلِغ بَني عَوفٍ بِأَنَّ جَنابَهُم
- عَلى كُلِّ آلاءِ الزَمانِ مَريعُ
حِبالُ بَني عَوفٍ حِبالٌ مَنيعَةٌ
- حِبالُ العِدى مِن دونِهِنَّ مَنيعُ
- أبيات على البحر الكامل: يقول عنترة بن شداد:[١٠]
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
- أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
- وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
- أبيات على البحر المديد: يقول البارودي:[١١]
دَعْ حَبِيبَ الْقَلْبِ يَا سَقَمُ
- فَبِنَفْسِي لا بِهِ الأَلَمُ
كَيْفَ حَلَّ السُّقْمُ فِي بَدَنٍ
- خُلِقَتْ مِنْ حُسْنِهِ النِّعَمُ
- أبيات على البحر البسيط: يقول ابن عجلان النهدي:[١٢]
إني لَعَمركَ مَا أخشَى إِذَا ذُكِرَت
- مِنِّي الخَلاَئِقُ في مُستَكرِهِ الزَّمَنِ
أن لاَ أكَوُنَ إِذَا مَا أزمَةٌ أزَمَت
- مُرَبَّباً ذَا قَرِيضٍ أملَسَ البَدَن
- أبيات على البحر الوافر: يقول ابن الأطنابة:[١٣]
أَلا مَن مُبلِغُ الأَحلافِ عَنِّي
- فَقَد تُهدَى النَصيحة للنصيحِ
فأنَّكم وما تُزجُونَ نحوي
- مِنَ القَولِ المُرَغَّى والصَري
- أبيات شعرية على البحر السريع: يقول ابن الدهان:[١٤]
كَم بَينَ أَجفانِك مِن صارِم
- يسُلُّه اللَحظُ عَلى الهائِمِ
يا ظالِماً حَكَّمتُه فاِعتَدى
- إليكَ أَشكو مِنكَ يا ظالِمي
- أبيات شعرية على البحر الخفيف: يقول ابن الرعلاء:[١٥]
رُبَّما ضَربَةٍ بسيفٍ صَقِيلٍ
- دُونَ بُصرَى وَطَعْنَةٍ نَجلاءِ
وغَمُوسٍ تَضِلُّ فيها يَدُ الآ
- سِى ويَعيَى طبِيبُها بالدَواءِ
لَم يَقضِ مِن حاجَةِ الصِبا أَرَبا
- وَقَد شَآكَ الشَبابُ إِذ ذَهَبا
وَعاوَدَ القَلبَ بَعدَ صِحَّتِهِ
- سُقمٌ فَلاقى مِنَ الهَوى تَعَبا
المراجع
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، صفحة 172-173. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن منظور، لسان العرب، صفحة 184. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم العروض والقافية، صفحة 7. بتصرّف.
- ↑ محمد شفيق البيطار، محمد هيثم غرة، العروض والقافية وموسيقا الشعر، دمشق:منشورات جامعة دمشق، صفحة 12. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد شفيق البيطار، محمد هيثم غرة، العروض والقافية وموسيقا الشعر، دمشق:منشورات جامعة دمشق، صفحة 9-10. بتصرّف.
- ↑ جواد علي، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، صفحة 194-195. بتصرّف.
- ^ أ ب د. عبد العزيز عتيق (1987)، علم العروض والقافية، بيروت: دار النهضة العربية، صفحة 7. بتصرّف.
- ↑ "بحور الشعر العربي (PDF)"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 12-04-2021م.
- ↑ "أبلغ بني عوف بأن جنابهم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019م.
- ↑ "هل غادر الشعراء من متردم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019م.
- ↑ "دع حبيب القلب يا سقم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019م.
- ↑ "إني لعمرك ما أخشى إِذا ذكرت"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019م.
- ↑ "ألا من مبلغ الأحلاف عني"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019م.
- ↑ "كم بين أجفانك من صارم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019م.
- ↑ "ربما ضربة بسيف صقيل"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019م.
- ↑ "لم يقض من حاجة الصبا أربا"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019م.