محتويات
ما هو علم المعاني
ما الجوانب البلاغية التي يدرسها علم المعاني؟
عرَّفَه عبد القاهر الجرجاني -وهو واضع علم المعاني- بأنَّه: العلم الَّذي يبيِّن فيه مطابقة اللَّفظ لمقتضى الحال، كما عرَّفه السّكاكي بأنَّه: "تتبُّع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتَّصل بها من الاستحسان وغيره، ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره"، وقد انتُقِد تعريف السّكاكي لكونه وصف علم المعاني بالتَّتبع وهذا أمرٌ يبعده عن العلميَّة، فالتَّتبع ليس بعلمٍ ولا يجب تعريف العلوم به أيًّا كانت.[١]
علم المعاني هو الفنّ الأوَّل بين فنون البلاغة الثَّلاثة وهي: "المعاني، والبيان، والبديع"، وقد قُدِّم علم المعاني على علم البيان لكونه بمنزلة المفرَد من المركَّب منه، أي أنَّ علم البيان هو الأعم وعلم المعاني هو جزءٌ منه، والأولى تقديم الجزء على الكلِّ في العلوم، فعلم المعاني علمٌ مفردٌ وليس كعلم البيان المركَّب من جملة علوم، وهو الأمر الذي دعا إلى تقديم علم المعاني على علم البيان.[٢]
علم المعاني يُعنَى في دراسة خواص الكلام، حيث يهتم بالمفردات في التَّقديم والتَّأخير، وينظر في فهم التَّراكيب وكيفية صوغها، فمن خلال التَّقديم والتَّأخير ندرك الفرق بين الجمل الَّتي توحي بمعنى واحد لكنَّها تحمل دلالات متباينة، كالفرق بين من يقول: "زيدٌ منطلقٌ" وبين من يقول "منطلقٌ زيدٌ" وكذلك الفرق بين التَّراكيب في قولنا: "زيدٌ قائمٌ" وبين قولنا: "إنَّ زيدًا لقائم"، فكلُّ جملةٍ وكلُّ تركيبٍ له خصوصيَّة تميزه عما سواه، فالنَّظر في علم المعاني يرشدنا إلى أسرار الكلام العجيبة مما ينبش خبايا القول وما بين سطوره.[٣]
نشأة علم المعاني وتطوره
كيف تبلورت أسس علم المعاني؟
كانت البلاغة في بادئ الأمر كُلاًّ واحدًا يشمل علوم المعاني والبيان والبديع، وكان مسمَّى البلاغة يمثِّلها جميعًا دون تحديد أنواعها أو التَّمييز بينها، ولو نظرنا في كتب القدماء في البلاغة للمسنا التَّداخل الظَّاهر بين علومها واختلاط بعضها ببعض دون فصل، إلى أن اشتغل علماء اللُّغة في تفصيل ضروب البلاغة وتخصيصها، وأصبحت سمات كلٍّ منها تنكشف وتتبلور أكثر فأكثر، وصولاً إلى عبد القاهر الجرجاني الَّذي وضع نظريَّة علم المعاني في كتابه الَّذي حمل اسم "دلائل الإعجاز" كما وضع نظريَّة علم البيان في كتاب "أسرار البلاغة" فأكمل بذلك ما بدأه ابن المعتز الَّذي وضع أسس علم البديع، أصبح هناك حدود واضحة لكلٍّ من علوم البلاغة الثَّلاثة.[٤]
قد استطاع عبد القاهر الجرجاني أن يستنبط قواعد علم المعاني من كلِّ ما وقع عليه من جهود البلاغيِّين من قبله والَّتي أصبحت من بعده قوانين جامدة، فتوقَّف البلاغيُّون من بعده عن الابتكار أو التَّعمُّق واكتفوا بما وصل إليه، فاقتصرت أبحاثهم من بعده على جمع القواعد وترتيب أبوابها والاختصار فيها، ممّا جعل كتاباتهم في هذا العلم بحاجة إلى شرحٍ أكثر، وكان من أبرز من اختصروا وشرحوا في هذا العلم الفخر الرَّازي وسراج الدِّين السّكاكي الَّذي حوَّل البلاغة من فنٍّ إلى علمٍ قائمٍ على قواعد ونظريَّات صبَّها في قالبٍ محكمٍ مستفيدًا ممَّا قدَّمه الجرجانيّ والزَّمخشريّ والفخر الرَّازي.[٥]
مباحث علم المعاني
ما هي المباحث التي يدرسها علم المعاني في الكلام؟ يبحث علم المعاني في مباحث عديدة، منها ما يأتي.
الخبر والإنشاء
اختلف علماء اللُّغة والنُّقاد في فهم الخبر، فمنهم من رأى أنَّ الخبر هو ما يكون صادقًا إذا وافق اعتقاد القائل وما يكون كاذبًا إذا خالفه، فإن أخبر أحدهم بأمرٍ واعتقد أنَّه صادقٌ ولم يكن كذلك فالقائل ليس كاذبًا وإنَّما مخطئًا حسب زعمه، أمَّا الجاحظ فقد رأى أنَّ الخبر ثلاثة أنواع، فإمَّا كاذبٌ أو صادقٌ أو أنَّه ليس صادقًا ولا كاذبًا، وقد اجتهد البلاغيُّون كثيرًا واختلفوا في النَّظر إلى الخبر، فمنهم من قال إنَّه الإفادة بشيءٍ غير معلومٍ لدى السَّامع، ومنهم من قال إنَّه ما يحتمل الصِّدق أو الكذب وهو ما اشتركت به معظم الأقوال وما كان غير ذلك من الكلام فهو من الإنشاء.[٦]
ينقسم الإنشاء بدوره إلى نوعين، فمنه ما هو طلبي، ومنه ما هو غير طلبي، فالطَّلبي هو ما كان أمرًا أو نهيًا أو استفهامًا أو نداءً تمنيًّا، أمَّا الإنشاء غير الطَّلبي ففيه المدح والذَّم والتَّعجب والقسم والرَّجاء وفيه صيغ العقود مما يخصُّ البيع والشِّراء وغير ذلك، ولا يعدُّ الإنشاء غير الطَّلبي من مباحث علم المعاني لقلَّة الأغراض البلاغيَّة فيه، ولأنَّه في الغالب أخبار دخلت في معنى الإنشاء، لذلك علم المعاني يُعنى بالإنشاء الطَّلبي الَّذي يتَّصل بالكثير من الدِّلالات البلاغيَّة.[٧]
علاقة المسند بالمسند إليه
المسند في اللُّغة هو المحكوم به في الجملة من اسمٍ أو فعلٍ أو خبرٍ أو مبتدأ أو ما أصله خبر أو ما كان مصدرًا نائبًا عن فعل الأمر، أمَّا المسند إليه فهو المحكوم عليه في المعنى مما يكون فاعلًا أو نائب فاعل أو مبتدأ أو ما أصله مبتدأ كاسم إنَّ وأخواتها واسم كان وأخواتها، وإنَّ المسند والمسند إليه في علم المعاني هما الرُّكنان الأساسيان في الجملة الَّلذان يرتبطان بأغراض البلاغة بما يطالهما أحيانًا من حذفٍ أو ذكر، فقد يحذف المسند إليه وقد يحذف المسند، كما قد يحذف المفعول به لأسبابٍ بلاغيَّةٍ مختلفة، وقد يذكر كلّ ذلك حسبما يقتضي الحال، كما قد يطال ركني الجملة -أي المسند والمسند إليه- تقديم لأحدهما وتأخير للآخر لغايات بلاغيَّة يقتضيها الكلام.[٨]
القصر
القصر في علم المعاني هو تخصيص شيءٍ بشيءٍ أو تخصيص أمرٍ بأمرٍ بطريقةٍ مخصوصة كأن يقال لك "لا يعرفُ الغيب إلَّا الله" وهو يعني تخصيص معرفة الغيب بالله وحده، وللقصر أنواع عدَّة، فمنه ما يكون قصرًا حقيقيًّا ومنه ما يكون قصرًا إضافيًّا، وقد يكون قصر موصوف على صفة أو قصر صفةٍ على موصوفٍ، كما يتفرَّع القصر الإضافيّ بدوره إلى ثلاثة أنواع هي: قصر الإفراد وقصر القلب وقصر التَّعيين.[٩]
الفصل والوصل
يبحث علم المعاني في مواطن الفصل والوصل في الكلام، والوصل في علم المعاني هو عطف الجمل بالواو فقط والفصل هو ترك هذا، وأمَّا الفصل فيقع في مواضع منها أن تكون الجملة الثَّانية توكيدًا للأولى أو بيانًا لها أو بدلًا منها أو أن يكون بين الجملتين تباينًا تامًّا، أو ألَّا يكون بينهما مناسبة في المعنى، أو أن تكون الجملة الثَّانية جوابًا عن سؤالٍ في الأولى، أمَّا الوصل فيكون لإشراك جملتين في الحكم الإعرابيّ أو يكون بين جملتين متَّفقتين في الخبر والإنشاء أو بين جملتين بينهما مناسبة ولا مانع من فصلهما، ويمكن الوصل بين جملتين مختلفتين بالخبر والإنشاء وكان الفصل بينهما يوهم بخلاف ذلك.[١٠]
الإيجاز والإطناب والمساواة
الإيجاز هو حذف الزِّيادة من الكلام، والإطناب هو الزِّيادة فيه وكلاهما حسنٌ في موضعه وكلاهما سيّء في غير موضعه، والإيجاز نوعان وهما إيجاز الحذف وإيجاز القصر، أمَّا الإطناب فهو زيادة المعنى لفائدة وهذه الفائدة هي الَّتي تميِّز ما بينه وبين الإطالة، ومن أنواعه ما يكون إيضاحًا لمبهمٍ أو لذكر الخاص بعد العام أو العام بعد الخاص، ومنه ما يكون للإيغال أو للاحتراس أو للاعتراض أو للتَّذييل، أمَّا المساواة فهي الحالة الوسطى بين الإيجاز والإطناب بحيث تكون المعاني بقدر الألفاظ وتكون الألفاظ بقدر المعاني، والبليغ من يتخيَّر الطَّريق الفضلى من إيجازٍ أو إطنابٍ أو مساواةٍ على حسب مقتضيات الأحوال والمقامات.[١١]
دلائل الإعجاز في علم المعاني
كيف أسهمت دراسة الإعجاز القرآني في دراسة علم المعاني؟
لم يكن الدَّافع العلميّ أساسًا في أبحاث علماء البلاغة ودراستهم لها، وكان الحافز الأساسي إلى الاشتغال بعلوم البلاغة هدفين أحدهما خاص والآخر عام، أمَّا الهدف الخاص فهو تركيزهم على المجال الدِّيني ورغبتهم في معرفة مواطن الإعجاز في القرآن الكريم، وقد تركت الدراسات الأولى في البلاغة أثرًا كبيرًا بما اشتملت عليه من بحثٍ في أسرار الإعجاز وأسبابه، أمَّا الهدف العام فيرمي إلى الاطلاع على أسرار البلاغة والفصاحة في غير القرآن الكريم.[١٢]
قيمة علم المعاني
ما أهميَّة دراسة علم المعاني؟
تتجلى قيمة علم المعاني وأهميته في:[١٣]
- اكتشاف عناصر الجمال في الكلام: وهو أمرٌ لا يختصُّ به علم المعاني وحده بل جميع فنون البلاغة، الَّتي تحدِّد معالم جمال الأدب وتضع قواعده دون أن تلمَّ بوجوهه جميعًا.
- تنمية القدرة على التماس الجمال: وهو غرض الباحثين من عرض فنون البلاغة وعلومها ومن التَّحليل الأدبيّ والبلاغيّ.
- تربية الذَّوق والقدرات البيانيَّة: فإنَّ النَّظر في هذا العلم وفي علوم البلاغة الأخرى يساعد في تنمية الموهبة وصقلها لدى من يملك الاستعداد ليكون أديبًا.
كتب في علم المعاني
ما أهم الكتب التي تناولت علم المعاني شرحًا وتفصيلًا؟
قد اجتهد علماء اللغة في التَّأليف والشَّرح والجمع حول هذا العلم، ومن الكتب الَّتي فصَّلت في علم المعاني:[١٤]
- دلائل الإعجاز: وهو لصاحبه عبد القاهر الجرجاني، وفيه وضع نظريَّة علم المعاني، وكان أوَّل من خطَّ أصول هذا العلم.
- نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز: وهو كتابٌ للفخر الرَّازي، وفيه اختصر كتابي عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة.
- مفتاح العلوم: وقد ألَّفه سراج الدِّين أبو يعقوب محمَّد السّكاكي، ويقع في أربعة أقسام في الصرف والنَّحو والشِّعر والبلاغة.
- علم المعاني: كتابٌ لعبد العزيز عتيق، وهو في ثلاثة فصول، وقد خصّصه المؤلف للحديث عن علم المعاني ونشأته وتطوّره ومباحثه وأثره في الكلام.
لقراءة المزيد، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: علم معاني القرآن الكريم.
المراجع
- ↑ جلال الدين القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، صفحة 53 54. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن عمر الحازمي، شرح مائة المعاني والبيان، صفحة 16-17. بتصرّف.
- ↑ المؤيد العلوي، الطراز لأسرار البلاغة وعلوم الإعجاز، صفحة 131. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز العتيق، علم المعاني، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم المعاني، صفحة 28. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم المعاني، صفحة 45-46. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم المعاني، صفحة 72-73-74. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم المعاني. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم المعاني. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم المعاني. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم المعاني. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم المعاني، صفحة 35-36. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن حبنكة، البلاغة العربية، صفحة 13-14. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم المعاني، صفحة 25-26. بتصرّف.