تفسير آية الفتنة أكبر من القتل

كتابة:
تفسير آية الفتنة أكبر من القتل

تفسير آية: (الفتنة أكبر من القتل)

قال الله -عز وجل-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا).[١]

(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).[١]وتفسير هذه الآية الكريمة عند المفسرين كما يأتي:

قول الله -عز وجل-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)

يسألونك أي يسألك أصحابك يا محمد -صلى الله عليه وسلم- عن القتال في الشهر الحرام، بمعنى هل يحلُّ القتال في الشهر الحرام يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قُل قتالٌ فيه كبير وصدٌ عن سبيل الله.[٢]

أي قُل لهم يا محمد القتال في الشهر الحرام أمره عظيم وخطره جسيم ووزره وإثم كبير وشأنه خطير؛ نظراً لعِظم الشهر ومنزلته، وصدٌ عن المسجد الحرام أي بل هناك ما هو أعظم من القتال في الشهر الحرام، وهو منع المؤمنين عن دين الله -عز وجل- وكفرهم به، وصدِّهم عن الدخول إلى مكة، وإخراج أهل مكة وحماة المسجد الحرام منها.[٢]

قول الله -عز وجل-: (والفتنة أكبر من القتل)

الفتنة هنا تعني: التأثير على المستضعفين والحرص على ابتعاد وزيغ قلوبهم عن الدين الحق أي الكفر والشرك بالله -عز وجل-؛ فيكون المقصود من الآية أنَّ الكفر والشرك بالله -عز وجل- من أعظم وأشنع وأكبر الذنوب.[٣]

قول الله -عز وجل-: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)

أي لا يزال المشركون يقاتلون؛ حتى يفتنوا المؤمنين ويردوهم ويصدوهم عن دين الله -عز وجل-، فليس غرض وهدف المشركين أموال المسلمين وقتلهم، وإنما هدفهم صد المسلمين عن دين الله -عز وجل-، لكن يأبى الله -عز وجل- إلا أن يُتم نوره ولو كره الكافرون.[٤]

قال الله -عز وجل-: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)،[٥] فيجوز قتال المشركين في حال اعتدوا على المسلمين، ولا يجوز قتالهم ابتداءً.[٤]

قول الله -عز وجل-: (ومن يتردد منكم...)

الرِّدة هي الخروج من الإسلام بعد الدخول فيه، والمعنى أنَّ من أطاع الله ورسوله واستجاب لهم، ومن ثمَّ خرج من الدين، فقد بطل عمله وذهب هباءً منثوراً في الدنيا والآخرة، في حال بقي على ردته وكفره، فهو خالد مخلد في نار جنهم ملازم لها، ولا يخرج منها.[٢]

سبب نزول الآية الكريمة

هذه الآية نزلت بسبب خطأ ارتكبه عبد الله بن جحش وأصحابه، وذلك عندما بعثهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في سرية يأتون بأخبار قريش، ولم يأمرهم بالقتال، فلمَّا نزلوا نخلة مرت بهم عير لقريش، وكان فيها عمرو بن الحضرمي، ومعه ثلاثة نفر، فقتلوا عمرو بن الحضرمي، وأسروا اثنين.

وجاءوا بالعير والأسيرين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنكر عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك الفعل؛ لأنَّهم قتلوه في الشهر الحرام، فأوقف العير والأسرين، ولم يأخذ منها شيئا، فعلم المشركون بذلك الأمر، فبعثوا يُعيرون المسلمين به أنَّهم قتلوا في الشهر الحرام، فأخبر المسلمون النبي -صلى الله عليه سلم- بذلك؛ فأنزل الله -تعالى- الآية الكريمة.[٦]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة البقرة، آية:217
  2. ^ أ ب ت محمد الصابوني (1417)، صفوة التفسير (الطبعة 1)، القاهرة:دار الصابوني، صفحة 123، جزء 1. بتصرّف.
  3. الحسين البغوي (1420)، تفسير البغوي (الطبعة 1)، بيروت:دار إحياء التراث العربي، صفحة 137، جزء 1. بتصرّف.
  4. ^ أ ب عبد الرحمان السعدي (1420)، تفسير السعدي (الطبعة 1)، صفحة 97، جزء 1. بتصرّف.
  5. سورة الصف، آية:8 9
  6. علي الواحدي (1412)، أسباب نزول القرآن (الطبعة 2)، الدمام:دار الإصلاح، صفحة 68، جزء 1. بتصرّف.
5876 مشاهدة
للأعلى للسفل
×