تفسير آية وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، بالشرح التفصيلي

تفسير آية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها عند ابن كثير

لماذا يجب أن يأمر الإنسان أهله بالصلاة؟

فسّر ابن كثير -رحمه الله- قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}،^[١] أنّ الله تعالى يأمر نبيّه الكريم بإنقاذ أهله من عذاب الله وذلك من خلال أمرهم بإقامة الصلاة، وأن يصبر على أدائها، فالله تعالى يأمر في مواضع أخرى من كتابه أن يقي المؤمنون أنفسهم وأهلهم من نار جهنم، وقد ورد أنّ عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- كان إذا قام لصلاة الليل أيقظ أهله ورّدد هذه الآية.^[٢]

تفسير آية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها عند الطبري

هل الصلاة بحاجة إلى صبر؟

يقول الإمام الطبري -رحمه الله- أنّ الله تعالى يُخاطب النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بأن يأمر أهله بإقامة الصلاة، ويأمره أن يصطبر على القيام بها وتأديتها بحدودها وبتمامها وكمالها، ثمّ يخبره بأنّه لا يُكلّفه بالمال، وإنّما يُكلّفه بعبادة بدنية ينال عليها عظيم الأجر وجزيل الثواب، وذلك في قوله تعالى: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ}،^[١] فالله هو المعطي ولا يسأل عباده عطاءً ولا رزقًا تعالى عن ذلك، والعاقبة الصالحة ستكون في الآخرة لأهل التقوى والخشية من الله، وليس لمن لا يخشى الله ولا يرجو ثوابه فلا يعمل لذلك.^[٣]

تفسير آية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها عند البغوي

هل أهل النبي هم قومه فقط أم جميع المسلمين؟

ذكر الإمام البغوي -رحمه الله- أنّ المقصود بالأهل في آية {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}،^[١] القوم، وقال إنّ البعض فسّروا أهل النبي المُراد أمرهم بالصلاة بجميع من كان على دينه، ثمّ يأتي الأمر بالصبر على الصلاة فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر.^[٤]

تفسير آية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها عند الرازي

لماذا يأمر الله تعالى عباده بالصلاة؟

ذكر الإمام الرازي -رحمه الله- اختلاف أهل التفسير في بيان معنى الأهل في قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}،^[١] فالبعض حمله على الأقارب ومن المفسّرين من قال إنهم جميع أهل دينه، ورجّح الرازي هذا القول، وقال باحتمالية كون المقصود بالأهل أهل البيت والذين يسكنون في نفس المسكن، لأنّ تنبيههم للصلاة في كلّ وقتٍ من أوقاتها ممكنٌ فيهم دون غيرهم، وبهذا يكون معنى الآية، أي؛ كما أمرناك بالصلاة فأمر أنت قومك بها.^[٥]

ثمّ يأتي الأمر الإلهي بالاصطبار على الصلاة، فالله تعالى يقول لنبيّه مثلما تأمرهم بالصلاة قولًا فحافظ أنت عليها فعلًا؛ لأنّ الدعوة بالفعل أبلغ وأعظم أثرًا من الدعوة بالقول، وقد داوم رسول الله على الذهاب صباحًا لبيت فاطمة وعلي -رضي الله عنهما- أشهرًا بعد نزول هذه الآية ليذكّرهم بالصلاة، وتأتي تتمة الآية لتبيّن الغرض من إقامة الصلاة وهو تحقيق المنفعة للمصلّي، فالله تعالى متعالٍ عن المنافع جميعها ولا يحتاج إلى شيءٍ منها، وكل شيء مفتقر إليه سبحانه.^[٥]

تفسير آية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها عند السعدي

كيف يجب أن يحافظ المسلم على صلاته؟

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- إنّ الله تعالى يقول لرسوله حُث أهلك على الصلاة، وأشدد عليهم في أمرها وأداء نفلها وفرضها، وذلك لأنّ الأمر بالشيء يشمل الأمر بجميع ما لايتمّ إلّا به، فيكون الأمر بالصلاة متضمّن للتعليم بواجبات الصلاة وأركانها وشروطها ومفسداتها، ثمّ يأمره بالصبر على إقامة الصلاة والتزام حدودها وأركانها وآدابها والخشوع فيها، فالمحافظة على ذلك فيه مشقة على النفس، ولذلك يجب على المسلم أن يُدرّب نفسه ويُجاهدها حتّى تستقيم معه، فالصلاة عماد الدين والمحافظة عليها تكون دافع للمحافظة على ما سواها من أمور الدين، والتفريط بشأنها يؤدّي إلى التفريط بما سواها.^[٦]

تفسير آية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها عند القرطبي

من هم الذين يجب أن يأمرهم رسول الله بالصلاة؟

قال الإمام القرطبي -رحمه الله- إنّ الله تعالى يأمر النبي بأمر أهله بالصلاة، ويأمره أيضًا أن يمتثلها ويصطبر عليها، ويُلازمها، ولتفسير الأهل معنيين: معنى خاص وهم أهل بيته، ومعنى عام وهم عموم أمّته.^[٧]

تفسير آية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها عند البيضاوي

ما علاقة الصلاة بالرزق؟

جاء في تفسير أنوار التنزيل للبيضاوي -رحمه الله- أنّ الله -عزّ وجلّ- يأمر رسوله الكريم أن يأمر أهل بيته أو التابعين له والداخلين بدين الإسلام بالصلاة، وذلك كي يتعاونوا على الاستعانة بها واللجوء إليها ويرسخ في أذهانهم أنّهم مع فقرهم وحاجتهم إلّا أنّ المحافظة على أمر الصلاة أهم من انشغال البال بأمر المعيشة والرزق، فالله تعالى هو الرازق، والعاقبة المحمودة في الآخرة ستكون لأهل التقوى والصلاح.^[٨]

تفسير آية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها عند الشعراوي

لماذا قال تعالى واصطبر عليها، ولم يقل واصبر عليها؟

يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- إنّ الله تعالى يُعطي في هذه الآية منهجًا لإصلاح المجتمع وضمان انسجامه، وهذا المنهج يبدأ الإصلاح من ربّ الأسرة والقائم بأمرها، فعليه أن يُصلح نفسه أولًا ثمّ ينظر إلى أسرته فيحاول إصلاحها أيضًا، لأنّه هو العضو الرئيس في الأسرة ومن المفترض أن يكون أكثر الأفراد تأثيرًا فيها، فإذا قام كل رب أسرة بذلك أصلح نفسه ثمّ أسرته، فإنّ المجتمع سيصبح صالحًا بالكليّة، وسيستقيم حال الأمة، وفي أمره تعالى رسوله بالاصطبار على الصلاة ملمح عظيم وهو بيان وجود مشقّة في الصلاة تحتاج إلى صبر؛ فهي تأخذ وقتًا وجهدًا من حياة العبد ولكنّها سبب لحصول الخير والنفع، فالفعل اصطبر، يعني: تكلّف الصبر وتعمّده.^[٩]

تفسير آية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها عند النابلسي

هل الأمر بالصلاة يحتاج إلى صبر ومجاهدة؟

يُعلّق الشيخ محمد راتب النابلسي -حفظه الله- على قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}،^[١] بأنّ الله تعالى قد خلق الإنسان ضمن مجتمع وعائلة وجعله يسعد ويأنس إذا كان أهله على خطاه وسائرين علي منهجه، ولا يُحب أن يكون بينه وبينهم مشاحنات وخصومات وتناقضات، ومن هذا التناقضات ما يتعلّق بأمر الدين والصلاة، فالمسلم يتمنّى أن يُحافظ أهله على الصلوات بأكمل صورة، وقد أمر سبحانه عباده بأمر ذويهم بالصلاة وأرشدهم للصبر على هذا الأمر حتّى تُصبح صلاتهم مكتملة الشروط والأركان وموافقة لما أمر به الله تعالى.^[١٠]

تفسير آية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها من تفسير الجلالين

ما هي العاقبة المحمودة التي يحصل عليها من يُحافظ على صلاته؟

جاء في تفسير الجلالَين أنّ معنى قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ}،^[١] أي اصبر عليها فالله تعالى لم يُكلّف عباده بالرزق فهو الذي يرزقهم، وفي الآخرة سيرزق الجنة لمن يستحقّها ويعمل لها.^[١١]

المراجع

1. ^ ^{أ ب ت ث ج ح} سورة طه، آية:132
2. ↑ ابن كثير، تفسير ابن كثير ط العلمية، صفحة 287. بتصرّف.
3. ↑ الطبري، أبو جعفر، تفسير الطبري، صفحة 405. بتصرّف.
4. ↑ البغوي ، أبو محمد، تفسير البغوي، صفحة 304. بتصرّف.
5. ^ ^{أ ب} الرازي، فخر الدين، تفسير الرازي، صفحة 115. بتصرّف.
6. ↑ عبد الرحمن السعدي ، تفسير السعدي، صفحة 517. بتصرّف.
7. ↑ القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي، صفحة 263. بتصرّف.
8. ↑ ناصر الدين البيضاوي، تفسير البيضاوي، صفحة 43. بتصرّف.
9. ↑ الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 9458-9459. بتصرّف.
10. ↑ محمد راتب النابلسي، التفسير المطول، صفحة 404. بتصرّف.
11. ↑ المحلي، جلال الدين، تفسير الجلالين، صفحة 419. بتصرّف.