تفسير آية (فاستحبوا العمى على الهدى)

كتابة:
تفسير آية (فاستحبوا العمى على الهدى)

القصّة القرآنية

لقد جاء أسلوب القرآن الكريم موائماً لكل زمانٍ ومكانٍ، يراعي في خطابه جميع الطبقات البشرية، فكلٌ ينهل من بحره على قدر فهمه، ومدى إدراكه لمعانيه، بل لقد أكثر القرآن الكريم من سرد كثيرٍ من قصص الأمم السالفة، وسلط الضوء على موضع العبرة والموعظة؛ وذلك حتى يوافق الغاية الكبرى من إنزاله، يقول الحق جل وعلا: (لَقَد كانَ في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِأُولِي الأَلبابِ).[١][٢]

فالقصة القرآنية تعبّر عن موقف أقوام مع أنبيائهم، ومن ثم مدى استجابتهم إلى النور الرباني العظيم، ولعل من أعظم القصص الواردة في القرآن قصة نبي الله صالح مع قومه ثمود، وهم قوم سكنوا شمال جزيرة العرب، وكيف أنهم عتوا عن أمر ربهم وعصوا رسولهم فكان الجزاء من جنس العمل، فأخذتهم صاعقة العذاب.[٢]

تفسير آية (فاستحبوا العمى على الهدى)

  • أنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة في سورة فصلت مخبراً بها عن حال قوم سيدنا صالح وهم ثمود، وكيف أنه سبحانه وتعالى أرشدهم ودلّهم إلى الطريق القويم والصراط المستقيم هداية دلالةٍ وإرشادٍ عن طريق رسولهم النبي صالح عليه السلام.[٢]
إلا أنهم رفضوا ذلك الهدى واستكبروا عنه، بل إنهم فضلوا الغي والضلال والكفر؛ وهو العمى في هذه الآية، عن الهداية والرشاد؛ وهو الهدى، فأذاقهم الله سبحانه وتعالى أشد العذاب في الدنيا، وأنكى الخزي في الآخرة.[٢]
  • وقد كان من خَبرهم ما كان من معاداتهم لنبي الله صالح -عليه السلام- حين طلبوا منه أن يخرج لهم من الجبل ناقة مع فصيلها؛ أي ولدها، فلما كانت المعجزة كادوا أن يؤمنوا به؛ إلا أن كبراء القوم ما زالوا بقومهم حتى ردّوهم عن إيمانهم لخوفهم على مناصبهم.[٢]
فتواطؤوا على قتل الناقة وقتلوها، وعصوا أمر رسولهم، فجاءهم العذاب المبيد المهلك، كما في قوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).[٣][٢]

الابتعاد عن نهج الله سبب للذل والهوان

  • ذكر الله سبحانه وتعالى أن قوم ثمود حينما اغتروا بأنفسهم، واختاروا الكفر على الإيمان أخذتهم الصاعقة جرّاء صنيعهم، ولعل تقديم القوم هواهم على دين الله سبحانه وتعالى أورثهم ذلاً وهواناً إلى يوم القيامة، كما قال ابن كثير: "بعث الله عليهم صيحةً ورجفةً، وذلاً وهواناً، وعذاباً ونكالاً".[٤]
وكل ذلك كان بسبب كسبهم السيّء، وهو التكذيب والشرك والجحود، والحاصل أن هذا أمر كونيّ عام، لا يتوقف عن قومٍ دون قومٍ، ولا طائفةٍ دون طائفةٍ، بل إن معيار الرفعة والشرف يكون بطاعة الحق سبحانه وتعالى واجتناب نهيه.[٤]
  • فكلما تمسّك الإنسان بالحق وعمل به ازداد رفعةً، وكلما ابتعد الإنسان عن النهج القويم أصابه الذلّ والخزي بمقدار بُعده عنه، وفي قوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)،[٣] أضاف العذاب والهون إلى الصاعقة تأكيد على المعنى السابق، ألا وهو الاسترسال والمبالغة بمقدار العذاب والذلّ والهوان النازل على كل من فعل مثل هؤلاء، فالعقوبة تكون بمقدار المخالفة، ولا يظلم ربك أحداً.[٥]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية:111
  2. ^ أ ب ت ث ج ح أحمد حطيبة، تفسير أحمد حطيبة، صفحة 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة فصلت، آية:17
  4. ^ أ ب سعيد حوى، الأساس في التفسير، صفحة 5015. بتصرّف.
  5. نداء الإيمان، "تفسير الآيات (12- 22): سورة فصلت"، نداء الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 5/2/2022. بتصرّف.
4968 مشاهدة
للأعلى للسفل
×