نص الآية وتفسيرها وسياق نزولها
جاء الإسلام بتنظيم أمور المجتمع المسلم ورعاية أفراده على تنوع احتياجاتهم وأحوالهم، فشرع الأحكام الكفيلة بتوزيع ثروة المجتمع بطريقة لا يظلم فيها أحد، ويُكفى فيها كل أحدٍ احتياجاته الأساسية على أقل تقدير، وهذه الآية واحدةٌ من النصوص الشرعية الكثيرة التي تتكلم عن مسألة التكافل المجتمعي وتبين بعض أحكامه.
قال الله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١]
وفي معنى قوله -تعالى-: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)، يقول ابن كثير: "الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء، من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم"، ويقول السّعدي: "وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن تعففهم".[٢]
وبعد أن بين الله في الآية السابقة أنه لا حرج في الصدقة والهدية للكافر، وأنه إنما يحتسب فيها أجراً بنية تألفهم، وأن هدايتهم أمرها إلى الله، وذلك بقول تعالى: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّـهِ..)،[٣] ثم جاء ختام الآية السابقة أن الله عليم بكل نفقة ينفقها ونية صاحبها، فقال سبحانه: (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).[٣]
بعد ذلك جاءت هذه الآية لتبين أولى الناس بالنفقة والصدقة عليهم وأحقهم بالاعتناء بشأنهم، فقال سبحانه: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّه..)،[٤] فمطلع الآية متعلقة بقوله تعالى: (وما تنفقوا..)، يعني وما أنفقت من نفقة لهؤلاء الفقراء المستحقين حقاً فالله بها عليم، أو المعنى وإن كان لا حرج في الصدقة لغير المسلمين فإن هؤلاء الفقراء أولى بالنفقة،[٥] فالآية "بيان من الله عن سبيل النفقة ووجهها".[٦]
أوصاف المستحقين للصدقة
شرعت الآية في تعداد أوصاف أولى الناس بالصدقة عليهم والاعتناء بشأنهم، فذكرت الآية ست صفات:[٧]
- (للفقراء)
والفقر هنا يشمل من لا يجد شيئاً، أو من يجد ما لا يكفيه، والمقصود بها أصالةً فقراء المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة وتركوا أموالهم وراءهم، وهي تعم من كان وصفه وحاله كحالهم في تركه ماله لأجل الله ورسوله.
- (أحصروا في سبيل الله)
يعني حبسوا أنفسهم لأجل قتال العدو والجهاد في سبيل الله.
- (لا يستطيعون ضربا في الأرض)
يعني سفرا لطلب الرزق، فانشغالهم بالجهاد وعداوة الكفار لهم جعل من الصعب عليهم السفر لطلب الرزق.
- (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف)
يعني أنهم أعفة عن السؤال وبذل وجههم لطلب الصدقات من الناس، فعفتهم تمنعهم من السؤال، لذلك فإن الجاهل بحالهم يظنهم أغنياء من تعففهم.
- (تعرفهم بسيماهم)
يعني أن المسلم الفطن يعرف حال المحتاج حقاً من السيما؛ وهي العلامة، ولا يغتر بمجرد الظاهر.
- (لا يسألون الناس إلحافا)
يعني لا يلحون في المسألة، فلو اشتدت بهم حاجة اضطرتهم للسؤال، فإن ذلك يكون على حياء منهم دون إلحاح.
ثم بعد أن بينت الآية الأوصاف ختمت ببيان أن أي صدقة أنفقها صاحبها، فإن الله عليم بها وبنية صاحبها، وتقع الموقع الذي نواه إن شاء الله، فلو وقعت خطأً بيد غير المستحق فإن الله سيعطي أجر الصدقة لصاحبها على نيته.
ما يستفاد من الآية
يستفاد من الآية أمور منها:[٧]
- الأصل في المسلم أن يتحرى في صدقته فلا يضعها إلا في موضعها المناسب، وعليه أن يتحرى الأولى فالأولى.
- المسلم لا يبذل وجهه في مسألة الناس وطلب أموالهم، بل عليه أن يستعف ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
- لا حرج على المسلم في الطلب والسؤال إن اضطرته الحاجة إلى السؤال ولكن ليكن ذلك بدون إلحاح.
- الفقراء المتقون من أهل الطاعة أولى الناس بالصدقة والنفقة عليهم.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:273
- ↑ "تفسير سورة البقرة"، القرآن الكريم، اطّلع عليه بتاريخ 26-1-2022.
- ^ أ ب سورة البقرة، آية:272
- ↑ سورة البقرة، آية:273
- ↑ الإمام القرطبي (1384)، الجامع لأحكام القرآن (الطبعة 2)، مصر:دار الكتب المصرية، صفحة 339، جزء 3.
- ↑ ابو جعفر الطبري (1420)، تفسير الطبري (الطبعة 1)، بيروت:مؤسسة الرسالة، صفحة 590، جزء 5.
- ^ أ ب عبد الرحمن السعدي (1420)، تيسير الكريم الرحمن تفسير كلام المنان (تفسير السعدي) (الطبعة 1)، بيروت:مؤسسة الرسالة، صفحة 116، جزء 1.