تفسير حديث (النساء شقائق الرجال)

كتابة:
تفسير حديث (النساء شقائق الرجال)

حديث (إنَّما النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ)

لهذا الحديث دلائل عظيمة وشروحات لا تكاد تنفض، فقد رفع وبيّن النبي عليه الصلاة السلام بهذا القول مكانة المرأة في الإسلام، أعزها بعدما ذُلت، وأكرمها بعدما انتُقصت، وبيّن عليه السلام بكمال فقه، وعلمه، وما يوحى إليه أن لها وعليها ما للرجال فهم بالأصل شقائق وأمثال.

وما كان بعد هذا الحديث إلّا أن علم الرجل أنّ هذه المرأة عزيزة مصونة مهيبة الجانب، ما انتُقص منها فيما سبق أعاده لها الإسلام، وعلمت المرأة بقوله عليه السلام أنّ لها حصن متين وبيت حصين يحفظ لها ما هي عليه من الصفات والاختلافات ويعطيها من المهام ما يتناسب مع هذه التكوينة الرقيقة، ويجلعها أخت للرجال فيما لا فرق فيه بين الذكر والأنثى.

شرح الحديث الشريف

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سُئلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنِ الرَّجلِ يجدُ البللَ ولا يذكرُ احتلامًا قالَ يغتسلُ وعن الرَّجلِ يرَى أنَّهُ قدِ احتلمَ ولا يجدُ البللَ قالَ لا غُسلَ عليهِ فقالَت أمُّ سُلَيمٍ المرأةُ ترَى ذلِكَ أعلَيها غُسلٌ قالَ نعم إنَّما النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ).[١]

وبيّن الرسول عليه السلام في هذا الحديث أنّ المرأة مثلها مثل الرجل فيما يعرض لها من أحكام معينة تخص الفطرة البشرية التي جبل الله تعالى الناس عليها.

وجاء رجل إلى رسول الله عليه السلام فسأله إذا استيقظ الرجل من نومه ووجد بللاً في ملابسه، ولكنه لا يذكر أنه قد احتلم، أي أنه رأى المني دون احتلام، فأخبرنا رسول الله بأن عليه الغسل وسُئِل عندها أيضاً عن الرجل الذي يحتلم، ولكن لا يجد البلل فأجاب الرسول عليه السلام أن لا غسل عليه، فعندها سألت أم سليم عن المرأة، فكان جواب الرسول عليه السلام: (إنما النساء شقائق الرجال).

المسائل الفقهية الواردة في الحديث الشريف

ومن هذه المسائل ما يأتي:[٢]

  • الغسل منوط بنزول المني وليس بالاحتلام.
  • نزول المني دون الاحتلام يوجب الغسل.
  • نزول المني بالاحتلام يوجب الغسل.
  • الاحتلام دون نزول المني لا يوجب الغسل.
  • للمرأة الأحكام ذاتها الواردة للرجل في الحديث الشريف.

صور تطبيقية من الشريعة الإسلامية في شرح الحديث الشريف

  • وردت كثير من الآيات القرآنية التي تُعنى بالنفس البشرية وتكريمها وتحريم قتلها دون النظر إلى كونها ذكر أم أنثى منها قول الله تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)،[٣]وقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).[٤]
  • عن أم عمارة الأنصارية أنَّها أتتِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالت ما أرى كلَّ شيءٍ إلَّا للرِّجالِ وما أرى النِّساءَ يُذكَرنَ بشيءٍ،[٥] فنزلت هذهِ الآيةَ: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).[٦]
  • جعل الرسول عليه السلام للنساء يوما يعلمهن فيه أمور دينهن، وجَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَتْ: (يا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بحَديثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِن نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ، تُعَلِّمُنَا ممَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، قالَ: اجْتَمِعْنَ يَومَ كَذَا وَكَذَا فَاجْتَمَعْنَ، فأتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُنَّ ممَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ).[٧]
  • كان للنساء دور بارز في الجهاد في سبيل الله ولم ينهاهم رسول الله عليه السلام عن ذلك فها هي صفية بنت عبد الطلب خرجت للجهاد مع المسلمين يوم أحد، وكانت تنقل الماء، وتروي العطاش، وتصلح القسي.[٨]
  • كانت النساء تعمل كل منهن بما تجيد فها هي رفيدة الأسلمية رضي الله عنها تداوي الجرحى، "ثبت عن الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ أَكْحَل سَعْدٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَثقُلَ، حَوَّلُوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ، يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ، وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى"[٩]

ولا تزال الشريعة الإسلامية تضج بالصور التي تؤكد على مكانة المرأة في الإسلام حتى لا تبقي ريبة لأحد، فما على المسلم إلا سؤال ذوي العلم والرجوع إلى المتخصصين فيما يعرض لهم من نوازل قد تشكك عليهم فهم مكانة المرأة في الدين الحنيف، فسبحان من أكرم المرأة بعد هوانها وأخرجها من ضيق العادات إلى رحمات رب العباد.

المراجع

  1. رواه أبو داوود، في صحيح أبي داوود ، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:236، حسن إلاقول أم سليم المرأة ترى.
  2. مجموعة من المألفين ، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1956. بتصرّف.
  3. سورة المائدة، آية:32
  4. سورة الإسراء ، آية:70
  5. رواه ابن حجر العسقلاني، في الإصابة، عن ام عمارة بنت كعب الأنصارية، الصفحة أو الرقم:4/479، روي من عدة طرق .
  6. سورة الأحزاب، آية:35
  7. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو سعيد الخدري ، الصفحة أو الرقم:2633، صحيح .
  8. عبدالرحمن رأفت الباشا، صور من حياة الصحابيات، صفحة 26. بتصرّف.
  9. موسى بن راشد العازمي ، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 179. بتصرّف.
4713 مشاهدة
للأعلى للسفل
×