محتويات
الآيات التي تحدثت عن الإيمان وجزائه
بدأت الآيات في السورة المباركة بالتحدث عن المؤمن الصادق والكاذب، وجزاء كلٍّ منهما:[١]
- (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ):[٢]ابتدأت السورة بالحروف المقطعة لبيان الإعجاز القرآني، والإيمان لا يعني أنّ الإنسان لن يُمتحن بوقوعه في المصائب والشدائد، فغيرهم ممّن سبقهم قد خضعوا للامتحان، وبهذا الامتحان يُعرف الصادق منهم من الكاذب.
- (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ):[٣]الذين يعملون المعاصي سينالون العقاب لا محالة، ولن ينجو بأفعالهم.
- (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ):[٤]الذين يخافون الله تعالى ويتمنّون الجزاء الحسن؛ فليعملوا أنّ يوم الحساب قادم.
- (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ):[٥]كل من يصبر ويجاهد نفسه للابتعاد عن المعاصي، ويقبل على الطاعات؛ فإنّ ذلك يعود عليه بالنفع له، وعمله هذا لن ينفع الله تعالى بشيءٍ ولن يضره.
- (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ):[٦]هؤلاء المؤمنون الذين يعبدون الله ويتركون المعاصي فإن الله تعالى سيغفر لهم سيئاتهم، ولهم أحسن الجزاء.
- (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ):[٧]أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين وطاعتهما، إلّا إذا أمراه بمعصية الله أو فِعل ما لا يرضى الله تعالى به، فهنا لا تجب الطاعة، فلا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، وإلى الله المنتهى ومنه الجزاء.
ذكر أقوال الكفار والمنافقين والرد عليهم
تحدّثت الآيات الآتية عن أقوال كلٍّ من الكفار والمنافقين وادّعاءاتهم:[٨]
- (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ* وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ* وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ):[٩]هؤلاء المنافقون هم من أعلنوا إيمانهم ظاهرًا وأخفوا كفرهم، فهؤلاء إن أصاب المسلمون أذى من الكفار، ارتدّ هؤلاء المنافقون؛ حتّى لا يمسّهم شيءٌ، وإن انتصر المسلمون وأصابهم الخير سارعوا إلى المسلمين؛ ليخبروهم أنّهم منهم، فلهم ما للمسلمين من غنائم، لكنّ الله عالمٌ بالخفايا، فيعرف المؤمن الصادق من الكاذب.
- (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ):[١٠]حاول الكفار إبعاد المسلمين عن دينهم وفتنتهم، فقالوا لهم: عودوا إلى دينكم السابق، ونحن سنتحمل كلّ الحساب الذي سيقع عليكم، وكلّ ذلك كذب؛ لأنّه لا يتحمل أحدٌ وزر الآخر، فكلٌّ يحاسب على عمله وحده، ووعد الله تعالى هؤلاء الكفار بأنّهم سيحملون يوم القيامة أوزارهم وأوزار كلّ شخصٍ أضلّوه دون أن ينقص من أوزار ذلك الشخص شيء.
قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم
ذكرت الآيات الكريمات بعض قصص الأنبياء السابقين مع أقوامهم؛ وذلك تسليةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومن هذه الآيات:[١١]
- (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ* فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ):[١٢]أرسل الله تعالى نوحًا -عليه السلام- إلى قومه، إلّا أنّهم كفروا به، وبعد صبرٍ دام تسعمئة وخمسين عامًا، بنى نوح -عليه السلام- سفينةً وأخذ معه من آمن، ثمّ أغرق الله من كفر بالطوفان.
- (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)،[١٣] إلى قوله تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ):[١٤]أرسل الله تعالى إبراهيم -عليه السلام- إلى قومه؛ ليدعوهم إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام؛ فهي لا تنفع ولا تضرّ، ويوم القيامة ستتبرأ هذه الأوثان ممّن كانوا يعبدونها، ثمّ أخبرهم أنّهم إن كذبوه فقد جاء قبلهم من الأمم من كذّب رسلهم، والرسول ليس عليه إلّا إيصال رسالة ربّه وإبلاغها للناس، ثمّ بدأ إبراهيم -عليه السلام- يأتي بأدلة وجود الله تعالى؛ كبدء الخلق، وأنّه قادرٌ على إعادة إحياء الموتى، والله تعالى يجازي كلًّا على عمله، ولا مهرب من هذا الجزاء، ومن كفر بالله تعالى وكذّب بآياته وبيوم الحساب؛ لن ينال الجنّة أبدًا، ومن شدّة كفرهم قرر قوم إبراهيم أن يحرقوه في النار، فأنجاه الله تعالى، وبعد أن رأى لوط -عليه السلام- كيف أنّ الله تعالى أنجى إبراهيم -عليه السلام- من النار؛ آمن به وبرسالته، ثمّ قرر إبراهيم أن يهاجر، فذهب معه لوط وسارة وهي زوجة إبراهيم، ورزق الله إبراهيم -عليه السلام- بإسحاق ومن إسحاق يعقوب، وكان في ذريته من الأنبياء وأصحاب الكتب؛ كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان، والله تعالى آتاه الأجر في الدنيا، وجعله من الصالحين في الآخرة.
- (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ)،[١٥] إلى قوله تعالى: (وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ):[١٦]كان قوم لوط يأتون الرجال دون النساء، ويقتلون ويسرقون ويفعلون كلّ منكرٍ في مجالسهم، فحذّرهم لوط -عليه السلام- ممّا يفعلون، فأخبروه بأنّهم يريدون رؤية هذا العذاب الذي يخبرهم به ويهدّدهم فيه، هنا دعا إبراهيم ربّه بالنصر على هؤلاء القوم المفسدين في الأرض؛ فجاءت الملائكة بالبشرى لإبراهيم -عليه السلام- أنّ الله سيرزقه الولد، وأنّ الله تعالى سيهلك هؤلاء القوم بعد أن ينجي لوطًا ومن آمن معه إلّا امرأة لوطٍ، ثمّ جاءت الملائكة إلى لوط -عليه السلام- يبشرونه بالنجاة، وأنّ الله تعالى سينزل على قومه عذابًا من السماء، وقد ترك الله تعالى آثارًا من هذه القرية؛ ليكونوا عبرةً لمن بعدهم.
- (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ*فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ):[١٧]أرسل الله تعالى النبيّ شعيب -عليه السلام- إلى قوم مدين، فأمرهم بعبادة الله تعالى وعدم الإفساد في الأرض؛ لأنّهم سيحاسبون على كلّ ذلك يوم القيامة، فكانوا كغيرهم من الأقوام كذبوا برسولهم وبما جاء به، فعاقبهم الله تعالى بزلزالٍ شديدٍ رجفت له قلوبهم، فماتوا في بيوتهم وهم يجثون على ركبهم.
- (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ):[١٨] ثم جاءت الآيات تذكر أسماء بعض الأقوام الذين كفروا بإجمالٍ دون تفصيلٍ، كقوم عادٍ الذين أخذتهم الرجفة، وقوم ثمود الذين أُهلكوا بالصاعقة، وقد بقيت مساكنهم المدمَّرة لتكون عبرةً لغيرهم؛ فهؤلاء الأقوام كان لهم عقلٌ يميزوا به بين الحقّ والباطل إلّا أنّهم اتبعوا الشيطان؛ فكفروا.
- (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ):[١٩]أهلك الله تعالى كلًّا من قارون وفرعون وهامان بعد أن أخبرهم موسى برسالته، إلّا أنّهم أصروا على كفرهم واستكبروا.
- (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ):[٢٠]قوم لوط أرسل الله عليهم ريحًا عاصفًا مليئةً بالحجارة الصغيرة، وقوم ثمود ومدين أخذتهم الصيحة، أمّا قارون فخسف الله بهم الأرض، وأغرق الله قوم نوح، وهذا العقاب من جزاء أعمالهم، فلا يُعاقب الله تعالى أحدًا بغير ذنبٍ.
ضرب الأمثال
ضربت السورة الكريمة بعض الأمثال لبيان ضعف المشركين، وهي:[٢١]
- (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ...)[٢٢] إلى قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ):[٢٣]شبّهت السورة حال المشركين الذين يعبدون الأصنام ويلتجؤون إليها كحال العنكبوت الذي يتخذ من بيته ملجأً له، وبيته أضعف بيتٍ موجودٍ، فكذلك أصنامهم هي أضعف من أن تحمي نفسها، فالله تعالى يعلم أنّ هذه الأصنام وجودها كعدمها؛ أي ليس منها أيّ فائدةٍ، وهذه الأمثال التي يضربها الله تعالى لن يفهمها إلّا العاقل.
- (خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ* اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ):[٢٤]أمر الله تعالى المؤمنين بالنظر والتدبّر والتفكّر في خلق الله للسماوات والأرض، ثمّ أمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين بتلاوة القرآن، وإقامة الصلاة، وذكر الله الدائم، فالله يعلم كلّ شيءٍ.
مجادلة أهل الكتاب
تحدّثت الآيات عن طريقة مجادلة أهل الكتاب:[٢٥]
- (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ):[٢٦]المجادلة هي أن يقيم صاحب الرأي دليلاً على رأيه المخالف لغيره، فهنا أمرٌ بأنّ من أراد أن يجادل أهل الكتاب؛ فليجادلهم بما هو أحسن ممّا عند أهل الكتاب، ودون تنفيرهم بالكلام أو سبّهم، وجاء هذا الأمر فيما يخصّ أهل الكتاب؛ لأنّهم يؤمنون بالله فيستطيعون فهم واستيعاب الحجج، ثمّ نهاهم عن مجادلة من أظهروا العداء الشديد للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن طرق المجادلة أن يخبر المسلمون أهل الكتاب أنهم يؤمنون بكتابهم وهو التوراة، وأن إلهَ المسلمين وأهل الكتاب واحد، وهو الله تعالى ولا يشركون معه إلهاً آخر.
- (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ):[٢٧]هذا إثباتٌ بأنّ القرآن نزّل من عند الله تعالى على النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأهل الكتاب يصدّقون ذلك؛ لأنّهم يعرفون أساليب الكتب المنزلة من عند الله تعالى، وكيف هي صفاتٌ لرسل الله تعالى.
- (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ*بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ):[٢٨]النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يقرأ أو يكتب، وهذا دليلٌ على أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان أميّاً، فلو كان يقرأ أو يكتب لشكّ المكذبون برسالته، إنما القرآن محفوظ في صدر النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن المشركين جحدوا وكفروا بآيات الله الواضحة.
- (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ..)[٢٩] إلى قوله تعالى: (...وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ):[٣٠]هؤلاء المشركون يطلبون من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيهم بآياتٍ مشاهدةٍ، وتكون خارقةً للعادة؛ حتى يصدّقوا أنّه رسول الله، وهذه المعجزات لا تكون إلّا من عند الله، أمّا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فما هو إلّا نبيٌّ أرسله الله تعالى لتبليغ الأمانة وإيصال الرسالة، ألا يكفيهم أنّ الله تعالى أنزل آيات القرآن التي تُتلى فكلّ آيةٍ فيها إعجازٌ لفظيٌّ ومعنويٌّ، ثمّ إنّ الله تعالى هو حكمٌ بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والمشركين.
- (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ..)[٣١] إلى قوله تعالى: (...وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[٣٢]: كان الكفار يطلبون تعجيل العذاب الذي كان يحذّرهم منه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما هذا إلّا استخفافًا بالتحذير من العذاب، لكن العذاب لله تعالى وحده، المقدِّر لوقته وكيفيته، والله أراد تأخير عذابهم لحِكمٍ كثيرةٍ، إلّا أنّ هذا العذاب آتيهم لا محالة وهو عذاب جهنم الذي سيحيطهم من كل جانب.
الترغيب في الهجرة
تأتي الآيات بذكر الأمر بالهجرة لمن خاف على دينه:[٣٣]
- (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ* كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[٣٤]: المؤمنون إذا لم يستطيعوا أداء عباداتهم في بلادهم فليهاجروا إلى مكان آخر، فأرض الله واسعةٌ، وكلّ إنسانٍ سيموت ويرجعون إلى الله تعالى للحساب.
- (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ):[٣٥]الذين هاجروا وصبروا على الأذى والمحن والمصاعب وكانوا من المتوكّلين على الله تعالى، سينزلون في جنّات النعيم التي تجري فيها الأنهار.
- (وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ):[٣٦]الله تعالى هو الرزّاق الذي يرزق كل دابة ويرزق الإنسان.
تناقضات المشركين
ساق الله -سبحانه وتعالى- في أواخر السورة ألوانًا من تناقضات المشركين:[٣٧]
- (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ):[٣٨]إن سألت المشركين من الذي خلق السماوات والأرض سيقولون بأنّ الله تعالى وحده هو الخالق، فلماذا لا يوحّدونه؟!
- (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ):[٣٩]الله تعالى هو الرزّاق فيوسّع بالرزق على من يشاء، والله تعالى وحده هو العالم بمصالح العباد.
- (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ):[٤٠]إن سألت المشركين من الذي يُنزل الماء من السماء فيصبح كلّ شيءٍ حيٍّ في الأرض، فسيقولون: الله تعالى، ثمّ جاء الأمر بحمد الله تعالى على هذه النّعم.
- (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ):[٤١]هذه الحياة الدنيا سريعة الذّهاب لن تدوم لأحدٍ، والدار الآخرة هي الحياة الباقية الدائمة.
- (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ* لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ):[٤٢]إذا كانوا في البحر لجؤوا إلى الله تعالى؛ لينجيهم إلى البر، فلما نجّاهم أشركوا به وكفروا، فليكفر هؤلاء بالنّعم التي أنعمها الله عليهم من النجاة، وليبقوا على كفرهم فسوف يأتي اليوم الذي يعلمون فيه سوء تدبيرهم بعد تدميرهم.
- (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ* وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ):[٤٣]ألم يرَ أهل مكة أنّ الله جعل بلدهم مصونةً آمنةً يأتي إليها الناس، فكيف يعبدون الأصنام ويكفرون بنعم الله تعالى؟! فليس هناك أحدٌ أظلَم من الذين جعلوا لله شركاء وكفروا بنبوّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، أولئك مثواهم ومصيرهم إلى جهنم.
- (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ):[٤٤]الذين جاهدوا وساوس النفس والشيطان والكفار في سبيل الله؛ سيهديهم الله ويوفقهم إلى طريق الخير والحق، فالله تعالى مع عباده المحسنين ينصرهم ويثيبهم ويغفر لهم.
المراجع
- ↑ أبو البركات النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 664-666. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية:1-2-3
- ↑ سورة العنكبوت، آية:4
- ↑ سورة العنكبوت، آية:5
- ↑ سورة العنكبوت، آية:6
- ↑ سورة العنكبوت، آية:7
- ↑ سورة العنكبوت، آية:8
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 202-205. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية:9-11
- ↑ سورة العنكبوت، آية:12-13
- ↑ أبو البركات النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 668-677. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية:14-15
- ↑ سورة العنكبوت، آية:16
- ↑ سورة العنكبوت، آية:27
- ↑ سورة العنكبوت، آية:28
- ↑ سورة العنكبوت، آية:35
- ↑ سورة العنكبوت، آية:36-37
- ↑ سورة العنكبوت، آية:38
- ↑ سورة العنكبوت، آية:39
- ↑ سورة العنكبوت، آية:40
- ↑ ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 252-261. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية:41
- ↑ سورة العنكبوت، آية:43
- ↑ سورة العنكبوت، آية:44-45
- ↑ ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 5-19. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية:46
- ↑ سورة العنكبوت، آية:47
- ↑ سورة العنكبوت، آية:48-49
- ↑ سورة العنكبوت، آية:50
- ↑ سورة العنكبوت، آية:52
- ↑ سورة العنكبوت، آية:53
- ↑ سورة العنكبوت، آية:55
- ↑ أبو البركات النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 683-684. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية:56-57
- ↑ سورة العنكبوت، آية:58-59
- ↑ سورة العنكبوت، آية:60
- ↑ أبو البركات النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 684-688. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية:61
- ↑ سورة العنكبوت، آية:62
- ↑ سورة العنكبوت، آية:63
- ↑ سورة العنكبوت، آية:64
- ↑ سورة العنكبوت، آية:65-66
- ↑ سورة العنكبوت، آية:67-68
- ↑ سورة العنكبوت، آية:69