تفسير سورة المسد

كتابة:
تفسير سورة المسد

تفسير سورة المسد

سورة المسد أو سورة "تبت" كما سماها جمعٌ كبيرٌ من المفسرين، هي سورةٌ مكيةٌ، وهي السادسة في ترتيب نزول سور القرآن الكريم، نزلت بعد الفاتحة وقبل سورة التكوير، وآياتها خمس، وسماها عدد من المفسرين سورة "أبي لهب" لورود اسمه فيها.[١]

لم يجعل الله سورة كاملةً لذم أحد الأشخاص إلا هذه السورة، فقد خصصها الله لذم أبي لهب وامرأته؛ ولذلك لعداوتهما الشديدة للإسلام، وللرسول -صلى الله عليه وسلم-، فلم تشفع لهما قرابتهما من رسول الله، ولم يؤثر في رسول الله عداوتهما له مع أن إيذاء القريب شديد على النفس.[٢]

ولا وجه لما يعتقده بعض العوام من أن قراءة هذه السورة مكروه، وأنه يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها تتكلم عن عمه، فهذا اعتقاد باطل، فالله أدرى بما يؤذي نبيه، ورسول الله أكثر من يعبد الله حق عبادته، وهو أولى من يحب ويبغض في الله، ولو كان البراء من عمه أبي لهب،[٣] وقد تحدثت السورة عن مواضيع عديدة وفيما يلي بيانها.


دفاع الله عن نبيه

قال الله -تعالى- (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)،[٤] يظهر في الآية دعاء من الله -تعالى- بالهلاك والخسران، على عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو عبد العزى بن عبد المطلب، كان يُكنى في الجاهلية بأبي لهب؛ لحُسنه وإشراق وجهه، وذكره الله بكنيته لا باسمه، لأن اسمه فيه عبادة العزى، وقيل لأن اللهب مناسب للعذاب الذي ينتظره.[٥]

والتباب هو الخسران، ونظيره قول الله -تعالى- عن فرعون: (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ)،[٦] وأسند الله الهلاك إلى يدي أبي لهب؛ لأن العمل لا يكون إلا بهما، ولأن ذكر الجزء قد يراد منه الكل، فالمعنى تبت نفس أبي لهب، بسبب عمله الذي عمله.[٧]

وذكرت "تب" الأولى دعاءً عليه في الدنيا بالخسران، و"تب" الثانية هي جملة خبرية، أي أنه قد حصل له الخسران، وفي هذا معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ كان بإمكان أبي لهب أن يثبت بطلان هذه الآية بإسلامه، ولكن كلام الله أحكم وحكمه أنفذ.[٨]


المال والولد لا ينفع من دون الله

قال الله -تعالى-: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)،[٩] تدل هذه الآية على بيان أن المال والولد لا يغنيان من عذاب الله شيئاً؛ فلا يرد القدر شيء، وقد روي عن ابن مسعود أن أبو لهب كان يقول: "إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فسأفتدي نفسي بمالي وولدي"، وفي الآية رد عليه وعلى غيره؛ ممن يغتر بكثرة المال والولد.[١٠]

وكلمة "سيصلى" ابتدأت بالسين لتحقيق وقوع العذاب عليه، وهو النار، وصُلي بالنار أي شوي بها، ووصفت النار بأنها صاحبة اللهب، إشارة إلى كنية أبي لهب؛ زيادة في التناسب بين اسم أبي لهب، وبين النار ذات اللهب.[١١]


عاقبة أذية المؤمنين

قال الله -تعالى-: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* في جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ)،[١٢] كانت أم جميل وهي زوجة أبي لهب، تؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بوضع الشوك في طريقه لتعيقه عن أداء مهامه، وكانت مع مكانتها وشرفها تحمل الحطب على ظهرها وهو الشوك لتؤذي به الرسول -عليه السلام-.[١٣]

وكان جزاؤها على ذلك الفعل في الآخرة؛ أن الله وعدها بحبل من نار يلف حول عنقها، فأبدل الله مجوهراتها، وذهبها الذي كانت تلبسه في رقبتها في الدنيا، بذلك العذاب في الآخرة.[١٣]


سبب نزول سورة المسد

نزلت سورة المسد في بداية البعثة في العام الرابع منها، وسبب نزولها أنه لما نزل قول الله -تعالى-: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)،[١٤] صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبل الصفا، ونادى في مجاميع قريش "واصباحاه"، وهي كلمة تقال للتحذير والإنذار من عدو؛ يريد الإغارة على القوم، فاجتمعت قريش تريد معرفة الخبر، وقالوا: (ما لَكَ؟ قالَ: أرَأَيْتُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أوْ يُمَسِّيكُمْ، أما كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟ فأنْزَلَ اللَّهُ: "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ").[٤][١٥]


المراجع

  1. ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 599. بتصرّف.
  2. محمد إسماعيل المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 203. بتصرّف.
  3. محمد اسماعيل المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 203. بتصرّف.
  4. ^ أ ب سورة المسد، آية:1
  5. ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 601. بتصرّف.
  6. سورة غافر، آية:37
  7. محمد اسماعيل المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 203. بتصرّف.
  8. مساعد الطيار، تفسير جزء عم، صفحة 261. بتصرّف.
  9. سورة المسد، آية:3
  10. ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 604. بتصرّف.
  11. ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 605. بتصرّف.
  12. سورة المسد، آية:4-5
  13. ^ أ ب مساعد الطيار، تفسير جزء عم، صفحة 262. بتصرّف.
  14. سورة الشعراء، آية:214
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4801، صحيح.
4715 مشاهدة
للأعلى للسفل
×