محتويات
جرأة الكفار في استعجال العذاب
تعرض سورة المعارج في مطلعها كيف استعجل الكفَّار عذابهم وتجرَّأوا على ذلك، وفيما يأتي شرح الآيات:[١]
- (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ)[٢]
- أي إنَّ أحد الكفَّار جاء يسأل عن عذاب يوم القيامة الذي سيقع بهم لا محالة، ولكنَّه استعجله وطلبه من الله -تعالى-، وقد نزلت هذه الآية في النَّضر بن الحارث.
- (لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ)[٣]
- أي إنَّ العذاب الذي يسأل عنه هؤلاء الكفرة سيقع بهم، ولا شيء سيدفعه عنهم.
- (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ)[٤]
- والمعارج هي الدَّرجات في السَّماء، وسمِّيت بذلك؛ لأنَّ الملائكة تعرج إليها.
- (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)[٥]
- أي تصعد الملائكة إلى الله -تعالى-، والرُّوح هو جبريل -عليه السّلام-، وذلك في يوم القيامة الذي يعادل اليوم الواحد على الكفَّار فيه خمسين ألف سنةً من أيَّام الدُّنيا.
أمر النبي الكريم بالصبر
تنتقل الآيات للحديث عن ضرورة تحلِّي النَّبي بالصَّبر، وهي الآيات الآتية:[٦]
- (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا)[٧]
- تدعو الآية رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- أن يتحلَّى بالصَّبر الجميل، وهو الصَّبر الذي يخلو من السَّخَط والتَّذمُّر لغير الله -تعالى-، فيصبر على تكذيب الكفَّار وإنكارهم عذاب الله.
- (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا* وَنَرَاهُ قَرِيبًا)[٨]
- يعود الضَّمير في كلمة إنَّهم على الكفَّار أو من كفر من أهل بمكَّة وأنكر العذاب، فيقول الله إنَّهم يظنُّو العذاب بعيداً عنهم ويستحيل نزوله بهم، ولكنَّ الله -تعالى- جعله قريباً أي وقوعه كائنٌ لا محالة، وهو هيِّنٌ على الله -جلَّ في علاه-.
صور من أهوال يوم القيامة
تصف الآيات بعد ذلك مشاهد من أهوال يوم القيامة، كما يأتي:[٩]
- (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ* وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ)[١٠]
- أي يتبدَّل حال السَّماء فتصبح كأنَّها معدن مذاب أو منصهر، أمَّا الجبال التي تتَّصف بالمتانة فتصبح وكأنَّها صوفٌ خفيفٌ.
- (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا)[١١]
- والحميم هو الصَّديق أو القريب، فلا يسأل قريب عن قريبه في يوم القيامة.
- (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ* وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ* وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ)[١٢]
- والمراد بقوله يبصّرونهم أي إنَّه لا أحد يبصر أحداً في مثل هذا اليوم، فكلُّ عبدٍ مشغولٌ بنفسه وأعماله، فيودُّ الواحد منهم أن يفتدي أغلى ما كان يملك في الدُّنيا ليخلِّص نفسه من الهلاك، فيودُّ أن يفتدي بذلك أبناؤه أو أصحابه أو أخوته أو عشيرته التي إليها ينتمي، بل إنَّه يفضِّل أن يفتدي بنفسه بكلَّ من في الأرض لينجو برحمة الله -تعالى-.
- (كَلَّا إِنَّهَا لَظَىٰ* نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ* تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ* وَجَمَعَ فَأَوْعَى)[١٣]
- تخبر الآيات عن مصير الذين كذّبوا وأنكروا العذاب بأنّه قد أُعدّ لهم ناراً لظى، أي ملتهبة تحرق كلّ شيء، وتنزع أطراف كلّ من فيها من يديه ورجليه وفروة رأسه، وكلّ من أدبر عنها وأعرض عن الحقّ تدعوه إليها، كما تدعو إليها من قام بجمع المال وكنزه ولم يؤدّ حقّ الله -تعالى- فيه.
استثناء المصلين من الهلع وبيان صفاتهم
تعرض الآيات صفات من ينجو من عذاب الله، كما يأتي بيانه:[١٤]
- (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا)[١٥]
- يصف الله -تعالى- في هذه الآيات طبيعة خلق الإنسان بالهلع أي شدَّة الحرص، وذلك إذا أصابه أمرٌ سيِّءٌ كالفقر أو المرض جزع ولم يصبر، وإن أصابه خير أمسكه عن غيره.
- (إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[١٦]
- يستثني الله -تعالى- من الهلع المصلِّين؛ وذلك لأنَّ المصلِّين أكسبتهم صلاتهم قدراً كبيراً من الإيمان، فهم متمسّكون بصلاتهم مهما تبدّلت أحوالهم لا يتركونها بأيِّ حالٍ من الأحوال.
- (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[١٧]
- كما أنَّهم مواظبون على أداء الزَّكاة ويعطونها لمن يستحقَّونها شرعاً، سواءً من كان يسأل النَّاس أو لمن كتم فقره تعفّفاً.
- (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ)[١٨]
- أي موقنون بوقوع يوم القيامة ومصدِّقون بذلك باعتقادهم وبأعمالهم.
- (وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ* إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ)[١٩]
- وهذه صفةٌ جليلةٌ في هؤلاء المؤمنين، وهي أنَّهم مع كثرة التزامهم وإيمانهم إلَّا أنَّهم يشعرون دائماً بتقصيرهم تجاه ربِّهم، فيخافون منه، فهم يوقنون أنَّ عذاب الله لا يُؤتمن إن قصَّر أحدٌ في حقِّ ربّهِ، فهم واقعون بين الخوف من الله ورجائهم رحمته.
- (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[٢٠]
- كما أنَّهم يتميَّزون بصون أنفسهم عن الوقوع في الحرام ويحفظون فروجهم إلَّا من أزواجهم أو إمائهم، فإنَّهم لا يُلامون على ذلك؛ لأنَّه ممَّا أباحه الله -تعالى- لعباده، ومن تجاوز بفعل غير المباح كان متعدّياً على حرمات الله مذموماً.
- (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ)[٢١]
- أي يؤدُّون الأمانات ولا يخونون العهود، كما أنَّهم يشهدون بالحقِّ ولا يشهدون بالزُّور.
- (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ)[٢٢]
- تعاود الآيات وصف هؤلاء النّاجين من عذاب الله -تعالى- بأنّهم قوم حافظوا على صلواتهم، وذلك بتأديتها على أتمّ وجه من التزامهم بالطّهارة لها وأداء النّوافل وغيرها، ومن محافظتهم على صلاتهم وخوفهم من عدم قبولها حرصوا على ترك كلّ ما يبطل قبولها، فأولئك الذين اتّصفوا بكلّ ما سبق وعدهم الله -تعالى- بجنّات واسعة، تتعدّد فيها الكرامات وتتنوّع فيها أشكال النّعيم.
وصف حال المؤمنين في الدنيا والآخرة
تنتقل الآيات بعد وصفها لزمرة المؤمنين إلى وصف حالهم في الدُّنيا والآخرة، كما يأتي بيانه:[٢٣]
- (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ* عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ)[٢٤]
- ومعنى مهطعين أي مسرعين وناظرين يمنةً ويسرةً، والمراد بقوله عزين أي جماعات متفرِّقة، والمعنى المقصود من الآية لوم جماعة من المؤمنين كانت تجلس حول النَّبيِّ -عليه السلام- لكنَّهم كانوا يلتفتون حولهم يمنةً ويسرةً، وهذا يدلُّ على سخريتهم وعدم اهتمامهم، مع علمهم يقيناً أنَّه الصَّادق الذي لا يكذب.
- (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ* كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ)[٢٥]
- والمراد أنَّ هؤلاء يطعمون في دخول الجنَّة ليغترُّوا فيها، وقد وردت بصيغة الاستفهام، فأجاب عليهم الله -تعالى- بتذكيرهم بأصل خلقهم الذي يعرفونه، فقد خُلقوا من ماء مهين.
- (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ* عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)[٢٦]
- يقسم الله -تعلى- بنفسه الذي خلق الكون من شرقه إلى غربه بأنَّه قادرٌ على تبديل الخلق كلِّهم، وإهلاك الظَّالمين وما ذلك على الله بمعجز.
- (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)[٢٧]
- تخاطب الآيات نبيَّ الله بأن يتركهم في لهوهم وانشغالهم بما لا ينفع، فإنَّه آتٍ بهم يوم يلاقون فيه وعيدهم، وهو يوم القيامة.
- (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)[٢٨]
- يراد بالأجداث القبور، إذ يخرج منه جميع النَّاس للبعث والحساب، ويأتون مسرعين إلى النَّصب؛ أي أصنامهم التي كانوا يتقرَّبون إليها، ظنّاً منهم أنَّها ستنفعهم في مثل هذا اليوم.
- (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ)[٢٩]
- تصف الآيات حالهم عند خروجهم من قبورهم مطأطئين رؤوسهم ومخفضين أبصارهم خجلاً من الله، فقد أدركوا أن هذا اليوم حقٌّ وقد كانوا في الدُّنيا يكذّبون أنبياءهم به.
العبر المستفادة من سورة المعارج للأطفال
من خلا النّظر في تفسير الآيات السّابقة يستخلص من الآيات الكثير من الدّروس والعبر، فيما يأتي بعضها:
- وجوب الإيمان باليوم الآخر، وأهوال يوم القيامة.
- ضرورة تحلِّي المسلم بخلق الصَّبر؛ اقتداء بنبيِّه -عليه الصلاة والسّلام-.
- الحرص على عدم ترك الصَّلاة ولا التَّهاون فيها.
- الحرص على التَّمثُّل بالأعمال الفاضلة التي امتدحت الآيات أصحابها، من أداء الأمانات، وحفظ الفرج، وغيرها.
- حرمة الاستهزاء بالنبيِّ -عليه السلام-.
المراجع
- ↑ علي الواحدي، التفسير الوسيط، صفحة 350-351. بتصرّف.
- ↑ سورة المعارج، آية:1
- ↑ سورة المعارج، آية:2
- ↑ سورة المعارج، آية:3
- ↑ سورة المعارج، آية:4
- ↑ محمد الهرري، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، صفحة 207-208. بتصرّف.
- ↑ سورة المعارج، آية:5
- ↑ سورة المعارج، آية:6-7
- ↑ محمد حجازي، التفسير الواضح، صفحة 745. بتصرّف.
- ↑ سورة المعارج، آية:8-9
- ↑ سورة المعارج، آية:10
- ↑ سورة المعارج، آية:11-14
- ↑ سورة المعارج، آية:15-18
- ↑ صديق خان، فتح البيان في مقاصد القران، صفحة 316-320. بتصرّف.
- ↑ سورة المعارج، آية:19-20
- ↑ سورة المعارج، آية:22-23
- ↑ سورة المعارج، آية:24-25
- ↑ سورة المعارج، آية:26
- ↑ سورة المعارج، آية:27-28
- ↑ سورة المعارج، آية:29-31
- ↑ سورة المعارج، آية:32
- ↑ سورة المعارج، آية:34-35
- ↑ محمد طنطاوي، التفسير الوسيط، صفحة 104-107. بتصرّف.
- ↑ سورة المعارج، آية:36-37
- ↑ سورة المعارج، آية:38-39
- ↑ سورة المعارج، آية:40-41
- ↑ سورة المعارج، آية:42
- ↑ سورة المعارج، آية:43
- ↑ سورة المعارج، آية:44