تفسير قوله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا)

كتابة:
تفسير قوله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا)

تفسير قوله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا)

أعظم الحدود حَدُّ القتل، فقد عظّم الله وِزر القاتل للغير ظُلماً؛ فمن قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً، ورغّب الله في أجرِ من كفّ أذاه عن الناس فكأنه أحيا الناس جميعا؛ وقد قال الله -تعالى-: (مِنْ أَجْلِ ذَلكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).[١]

المزجورون في الآية الكريمة

زجرَ اللهُ -عزّ وجل- في الآيات الكريمة بني إسرائيل بالرغم أنه حُظرت قبلهم أممٌ في قتلِ النفس؛ لأنهم أول أمة نزل الوعيدُ عليهم في قتل النفس مكتوباً فقد كان قبل ذلك قولاً مطلقاً؛ فغلَّظ الأمرَ على بني إسرائيلَ بالكتابِ لشدة بائسهم، وظُلمهم، وعُتوهم في قتلِ الأبرياء من الأنبياء والمرسلين، وسفكهم الدماء بغير الحق.[٢]

ولقد حرّم الله القتل في الإسلام بغير الحق إلا بإحدى ثلاث: رجلٌ كفر بعد إسلامه، أو رجلٌ زنى بعد إحصانه، أو رجلٌ قتل متعمداً فعليهِ القود.[٢]

قتل النفس كقتل الناس جميعاً

في الآية توبيخٌ للمستطرفينَ الباغين على حقوقِ الناس، ودعوة لهم أن يتراجعوا عن ظلمهم وعُتوهم لأنهم يوشكون الوقوع في عين التطرف؛ فإن القتل بغير الحق جُرمٌ فضيعٌ كفظاعة قتل الناس كلهم، وإن الذي يقتل النفس المؤمنة بغير الحق جعل الله جزاؤه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيما.[٣]

قال الله -تعالى-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).[٤]

وقد ردع الله الناس عن هذا الأمر الشنيع بحكمِ القصاصِ فزجرهم حتى يهتدوا، ويرشدوا، ويستقيموا على شريعة الهُدى فإن ما هم فيه سببه الحسد، والحقد فدعاهم لأن يُطهروا قلوبهم، ورغبهم بمنزلة من كفّ أذيته واستراح الناس منه فكأنه أحيا الناس جميعا.[٣]

إحياء النفس كإحياء الناس جميعاً

هذا فضل الله يسري في كل خير يصلح أحوال الناس؛ فأعظمُ الفضائل ما تكون ببذل الخير، والعفو والإحسان بين الناس؛ فقد قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).[١]وهذه الآية الكريمة تحمل بين طياتها معانٍ جليلة عظيمة؛ كما يأتي:[٥]

الكف عن قتل النفس المحرم قتلها

من لم يقتل نفساً استراح الناس منه وأمِنوه، فكأنه هنا أحيا الناس جميعاً، إشارة إلى أن الذي يَسلم الناس منه يرحمه الله ويعظم شأنه.

العفو عن النفس في حكم القصاص

وقد أشار علماء التفسير إلى أنّ المعنى في إحياء النفس العفو عن القاتل بالخطأ، إشارة إلى أن العفو نور المؤاخاة بين الناس، فكأنه من عفى عن القاتل أحيا الناس جميعاً.

استنقاذ نفسٍ من هلكة

الذي يُنقض أرواح الناس من الهلاك؛ كمن أنجاها من حرقٍ، أو غرقٍ، أو هلكةٍ، أو هدمٍ، أو أنقذ روحاً من جمرة الهوى فأرشدهم إلى طريق الهداية، وكذلك من كان همه تفريج كُربات الناس فكأنه أحيا الناس جميعا، وهنا إشارة إلى صفات المؤمن الهين اللين الذي يحبه الله ويحبه الناس.

المراجع

  1. ^ أ ب سورة المائدة، آية:32
  2. ^ أ ب شمس الدين القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 146. بتصرّف.
  3. ^ أ ب إبن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 177. بتصرّف.
  4. سورة النساء، آية:93
  5. شمس الدين القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 147. بتصرّف.
5230 مشاهدة
للأعلى للسفل
×