تفسير قول الله تعالى (فسيكفيكهم الله)

كتابة:
تفسير قول الله تعالى (فسيكفيكهم الله)

تفسير قول الله تعالى (فسيكفيكهم الله)

التفسير الإجمالي للآية ومناسبتها

وردت الآية الكريمة في مقطع من سورة البقرة يتناول دعوة أهل الكتاب من سكان المدينة المنورة لدخول الإسلام والإيمان بالنبي الذي يعرفون صفاته المذكورة في كتبهم، ثم خاطبت الآيات الكريمة النبي بأن إيمانهم غير متوقع؛ رغم أن القرآن الكريم قدم لهم كل الأدلة على صدقه، لما اتصفوا به من عنصرية لجنسهم، وكراهية أن يكون نبيهم من أبناء إسماعيل.[١]

وكل ذلك بسبب ما يتمتّعون به من غرور وغلظة وجلافة أبعدتهم عن الإيمان غاية البعد،[٢] وقد جاءت الآية لتخبر الجميع بأن الطمع بإيمان أهل الكتاب المخاطبين بهذه الآية جاء حرصاً عليهم هم، فالمسلمون في المدينة المنورة في غنى عنهم.[٣]

وقد جاء الخطاب الرباني حاسماً: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)،[٤] فإن آمن أهل الكتاب بمثل ذلك الإيمان الجامع المذكور في الآية السابقة بلا تفريق بين الرسل فقد اهتدوا، وهل سيهتدي من يفرق بين الأنبياء؟[٣]

التفسير التحليلي للآية

فيما يأتي تفسير تحليلي للآية؛ لمعرفة سبب الوعد الرباني بقوله: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) ودلالات هذا الوعد:

  • (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)

الشرط الرئيس لقبول إيمان أهل الكتاب ونجاتهم مِن عذاب الله -تعالى- هو عدم اكتفائهم بالإيمان بأنبيائهم المذكورين في كتبهم، فإنَّ الله -تعالى- بيَّن السبيل الواضح في التديُّن المرضي عنه، وهو: أن يعترف الإنسان بنبوة كل نبي ظهرت الدلالة على نبوته.[٥]

  • (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ)

أي إذا رفضوا الإيمان بنبوة محمد فهم في شقاق، وكلمة شقاق تحتمل ثلاثة معانٍ كلها تصدق في هؤلاء اليهود: العداوة معكم، والخلاف بينكم، والضلال عن سبيل الحق.

  • (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ)

ضمان من الله -تعالى- لانتصار الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أهل الكتاب الموجودين في المدينة وما حولها.[٦]

  • (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

والله سميعٌ لقول كل قائل ضد أنبيائه الكرام، والله عليمٌ بالحكمة في تأخير عقابهم، عليم بما ينفذه في عباده من أقدار ويجريه عليهم من ابتلاءات.[٧]

الإعجاز بالغيب في قوله: (فسيكفيكهم الله)

وعدَ الله -سبحانه وتعالى- نبيَّه الكريم بأنّه سيكفيه بأس بني إسرائيل الموجودين في المدينة المنورة، ومعنى السين في كلمة (فَسَيَكْفِيكَهُمُ) للمستقبل القريب جداً، أي إنَّ الوعيد الذي سينالهم كائن لا محالة، وإن تأخر إلى حين، فسوف تشاهد ذلك بعينك الكريمة.[٦]

وهذا الذي حصل فعلاً، وقد تنوّعت طرق إنجاز هذا الوعد الإلهي لجميع أهل الكتاب في المدينة وما حولها بما سيأتي ذكره:[٦]

  • مصير يهود بني قينقاع: الجلاء عن منطقتهم والهجرة.
  • مصير يهود بني النضير: الجلاء عن منطقتهم والهجرة.
  • مصير يهود بني قريظة: قتل رجالهم، وسبي نسائهم وأطفالهم.
  • مصير يهود خيبر: مصالحة المسلمين على دفع الخراج لهم وهم صاغرون، بشرط أن يُخرجهم المسلمون متى ما شاؤوا، وقد حدث ذلك زمن خلافة عمر بن الخطاب.

المراجع

  1. السمرقندي، بحر العلوم، صفحة 97. بتصرّف.
  2. برهان الدين البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، صفحة 191. بتصرّف.
  3. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، صفحة 242. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:137
  5. الرازي، مفاتيح الغيب، صفحة 73. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت الزمخشري، الكشاف، صفحة 196. بتصرّف.
  7. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 143. بتصرّف.
6636 مشاهدة
للأعلى للسفل
×