تفسير قول الله تعالى (ولا تواعدوهن سرًا)

كتابة:
تفسير قول الله تعالى (ولا تواعدوهن سرًا)

تفسير قول الله تعالى (ولا تواعدوهن سرًا)

الحمد لله العظيم الذي جعل في كل أمر اتزاناً تتوهّج منه حكمة الله في صلاح دنيا البشر بصلاح دينهم؛ فوضع ضوابطاً لأدقّ الأمور؛ ومن هذه الأمور زواج المرأة المعتدة فقال الله -تعالى-: (وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا)،[١]فأمرهم بالصبر على أحكام الشرع لما في ذلك من حكم كثيرة وآثار عظيمة تقتضيها كل طاعة تعود عليهم بالخير والصلاح.

خطبة المعتدة من وفاة زوجها

أوجب الله -عز وجل- العدّة للنساء لحكمٍ كثيرة؛ أعظمها لمعرفة براءة الرحم وعدم اختلاط الأنساب، لأنها لو نكحت رجلاً آخر بعد زوجها المتوفي بلا عدة لحملت بعد ذلك؛ ولا يُعرف بذلك نسب الطفل الحقيقي، فحفظ الإسلام النسب كما حفظ عهد الوفاء بين الزوج والزوجة؛ فواجب على المرأة أن تحزن لفراقه تكريماً له.[٢]

وهذا دليل على أنّ شريعتنا الغرّاء تُراعي البعد الأخلاقي في كل أحكامها، وتلحق بهذه الأحكام المرأة المعتدة من وفاة الغير مدخول بها، فالإسلام يأخذ بالأحوط، خشية من أن يكون قد دخل بها زوجها خفية، فوجوب العدة من باب الاحتياط حفظاً للنسب.[٢]

التصريح في خطبة المعتدة من وفاة زوجها

ولقد حرّم الله التصريح في طلب الزواج من المعتدة المتوفي عنها زوجها؛ لأنّ التصريح لا يحتمل إلا النكاح، فلهذا حُرِّم خوفاً من استعجال الزوجة ودخولها في المحظور بالكذب في انقضاء عدتها؛ رغبةً في النكاح، وقضاءً لحق زوجها الأول، بعدم مواعدتها لغيره مدّة عدتها، وفي هذا سدٌّ لباب الزنا أو الإنفاق على الزواج أثناء العدة.[٣]

التعريض في خطبة المعتدة من وفاة زوجها

وقد أباح الله التعريض في هذه الآية للمؤمنين بخطبة المعتدات من وفاة، لأنه ليس بمنزلة الصريح؛ ولأنه يحتمل النكاح وغيره، أو أن يُكنّوا ذلك في أنفسهم بالإضمار، ويعزموا على تزوجهن بعد انقضاء عدتهن، وأخبر أنه -سبحانه وتعالى- يعلم أنهم سيذكرونهن إما سرًّا في أنفسهم، أو علنًا بألسنتهم.[٣]

ورخّص في التعريض دون التصريح، وألفاظ التعريض كثيرة؛ كأن يقول للمعتدة لا تسبقيني بنفسك، أو يشير إلى ذلك بغير واسطة كأن يقول إنكِ جميلة، إنكِ صالحة، وإني أريد التزويج، وغيرها من الألفاظ الغير صريحة.[٣]

خطبة المعتدة من الطلاق

وقد أشارت هذه الآية الكريمة إلى أحكام خطبة المطلقة، وهي كالآتي:[٤]

  • خطبة المطلقة طلاقاً رجعياً

إنّ المطلقة طلاقاً رجعياً، لا يصح مُطلقاً التصريح أو التعريض لها بالخطبة؛ لأنها في عصمة زوجها ما دامت في العدة.

  • خطبة المطلقة طلاقاً بائناً

أحكام المطلقة طلاقاً بائناً كأحكام المتوفى عنها زوجها، لا يجوز التصريح لها في الخطبة، في حين يجوز التعريض تعريضاً لا صراحة فيه ما دامت في العدة.

المقصود بالسر في الآية الكريمة

تعدّدت أقوال العلماء المفسرين في تفسير المقصود بالسر على قولين؛ فئة قالت أنّ السر هنا التصريح في النكاح، وفئة قالت النهي عن الزنا، وهو ما رجّحه العلماء لأنّ العرب تقول عن الجماع وغشيان الرجل المرأة سراً؛ لأنّ ذلك يكون في خفاء عن أعين الناس غير ظاهر.[٥]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:235
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 238. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 188. بتصرّف.
  4. محمد محمود حجازي، التفسير الواضح، صفحة 153. بتصرّف.
  5. أبو جعفر الطبري، تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 109-110. بتصرّف.
4461 مشاهدة
للأعلى للسفل
×