محتويات
السرد الروائي
يعبَّر مفهوم السرد الروائي عن طريقة عرض القصص أو ما يسمَّى بالقصِّ أحيانًا، والتي تعتمده العديد من الأشكال الفنية الأدبية مثل الرواية والقصة والمسرحية، وهو منهجية خاصَّة تُستخدم من أجل نقل القصَّة إلى القرَّاء والمتلقِّين عمومًا، أو بشكل آخر هو استخدام التعليقات المنطوقة أو التعليقات المكتوبة لنقل أحداث قصة إلى الجمهور والمتلقين، حيثُ يقوم السرد بإيصال حقيقة أو حدث ما إلى نقطة معينة، وانتزاع الحدث اللفظي الصرف من الزمن المُعاش المتعدد والمتراكب، كما يقتلع التجربة الوجودية من جذرها، ويسعى لتشكيل روابط منطقية مع الأحداث والقضايا الأخرى، ليشكل الحركة العامة للعالم ويبقي على تراتيبة الإمبراطورية الخاصة بالوقائع،[١] ومن خلال السرد يتمكَّن الكاتب من إخراج تجربته من الأطر المكانية والزمانية المحدودة وسكبها في ذاكرة لا نهائية الاتساع وهي الذاكرة البشرية كلها، ومن خلال هذا السرد يدخل القارئ في عوالم أخرى مختلفة ثقافيًّا لا يعرفها غالبًا،[٢] وفي هذا المقال سيدور الحديث حول خصائص وتقنيات السرد الروائي.
خصائص السرد الروائي
قبل المرور على تقنيات السرد الروائي سيدور الحديث حول خصائص السرد بشكل وجيز، إذ يعتمد السرد بشتّى أنواعه وأشكاله على العديد من الخصائص التي تميِّزه عن بقية النماذج الكتابية الأخرى، ومن أهم خصائص السرد الروائي ما يأتي:[٣]
- يتميَّز السرد باعتماده على دلالات مكانية وزمانية؛ لأنَّ ربط السرد بالزمن يجعله أكثر تشويقًا ويرتِّب جميع الأحداث التي تتضمنها القصة.
- تقع الأحداث في السرد الروائي بشكل متردج متسلسل ومرتبة ترتيبًا منطقيًّا، وذلك من خلال مراحل ثلاث أساسية هي: الأحداث المبدئية، الأحداث الطارئة، الأحداث الختامية.
- يحتوي السرد على كثير من الروابط المحددة والتي تعمل على ربط الأحداث المتغيرة والمتحولة بعضها ببعض وفقَ الطريقة التي يراها الكاتب مناسبة.
- يجب أن تدرجَ الأفعال بشكل يتناسب مع الزمن والتوقيت المناسبين، كأن يعبَّر بالفعل الماضي عن الأحداث التي المنتهية سابقًا.
- وحدة الحدث والموضوع ضمن النص السردي، واشتماله على مغزى واضح أو مخفي ويكون له هدف محدد.
تقنيات السرد الروائي
يتألّف الكلام بصورة عامّة من ركيزتين أساستين: الركيزة الأولى هي القصة التي يتضمنَّها هذا الكلام والتي يحاول إيصالها إلى الآخرين، والركيزة الثانية هي الطريقة التي يتوجَّب على المتكلم أن يؤديَها من أجل إيصال القصة وهذه الطريقة هي التي تسمَّى السرد، ويعتمد السرد على مجموعة من التقنيات التي يرسم الكاتب من خلالها القصة ويشكلها لإيصال الصورة إلى أذهان الجمهور، حيثُ تمثِّل الأعمدة التي تتولى رفع سقف الرواية حتى تصل إلى الجمهور مكتملة التكوين، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج أهم تقنيات السرد الروائي:[٤]
زمن السرد
حيثُ يعدُّ اختيار زمن محدَّد للسرد ووضع الأحداث ضمن سياق أو إطار زمني معيَّن للقصة من أهم تقنيات السرد الروائي، وذلك في مختلف الأزمان التي قد تقع فيها أحداث الرواية الأدبية أو القصة من ماضٍ أو حاضر أو مستقبل.
الصوت الداخلي للسرد
تمثِّل هذه التقنية نوعية أو شكل الطرح الذي سيتمُّ تقديم الأحداث من خلاله أو بمعنى آخر هو عرض تقديمي يقوم بالإبلاغ عن القصة وأحداثها وهو الذي يسمَّى الراوي، ويختلف هذا الصوت حسب كل قصة وحسب اختيار الكاتب نفسه، فيكون هناك عدة أنواع من الرواة منهم: الراوي بضمير المتكلم الذي يبدو كأنه الكاتب نفسه، الراوي المجهول والذي يعرف كل شيء ويكون بضمير الغائب، الراوي الذي يكون شاهدًا وغير ذلك.
وجهة نظر الكاتب
وهي إحدى التقنيات التي تمثِّل العدسة الشخصية أو غير الشخصية أو الرؤيا للكاتب أو السارد نفسه، وهي العلاقة القائمة بين الكاتب والعالم المبنيِّ داخل السرد، وتحدد غاية الكاتب من وجود الراوي شروط اختيار هذه التقنية، وتتنوع بين أن تكون موقف الكاتب من حدث ما أو موضوع ما، مشاعره الوجدانية وعواطفه، وطريقة لتنويع قراءة النص وإيصاله للقارئ. وبالإضافة إلى تلك التقنيات الثلاث التي تمَّ تسليط الضوء عليها فإنَّ تقنيات السرد لا تقتصر على ذلك فقط فمنها أيضًا: الحبكة، الاسترجاع الفني، الحذف، الوصف، التلخيص، وغيرها، وفيما يأتي التقنيات الأخرى للسرد الروائي:[٥]
الحبكة
وهي إحدى أهم التقنيات العامة إذ تشمل أحداث القصة المتسلسلة والمتتابعة، بالإضافة إلى الربط بين مختلف تلك الأحداث لإحداث آثار فنية أو عاطفية في نفوس المتلقين، وهي التصور العام الذي يقوم الكاتب من خلاله بتقديم أحداث القصة والرواية، وتختلف الحبكة بين كاتب وآخر وبين قصة وآخرى، حسب تناوله للأحداث وزمنها، فقد تبدأ القصة بآخر حدث كما في تقنية الاسترجاع مثلًا.[٦]
الوصف
من أهم تقنيات السرد الروائي، إذ يقوم الكاتب باستخدامها عندما يريد إيصال صورة شخص ما أو مكان أو حدث أو شيء كمدينة أو مبنى أو قطعة قماش، فيخاطب الكاتب في تقنية الوصف حواس القارئ المختلفة من ذوق وشم وسمع ولمس، فإذا أحس القارئ أنَّه استشعر الشّيء الموصوف بشكل كامل يكون الكاتب قد نجح في توصيفه ذاك.[٧]
الاسترجاع الفني
الاسترجاع الفني أو الخطف خلفًا كما يُطلق عليه أيضًا، وهو عبارة عن انقطاع لتسلسل زمني أو مكاني في الرواية أو في القصة والمسرحية من أجل استحضار مشهد سابق أو عدَّة مشاهد، حيثُ تسلِّط الضوء على موقف معين وتقوم بالتعليق عليه، وكانت مقتصرة على فن السينما فيما كان يعرف بالفلاش باك، لكنَّ الكتاب نجحوا في توظيفها في المسرح والرواية والقصة والشعر أيضًا، وخصوصًا في الأعمال البوليسية التي تبدأ من آخر أحداث القصة ثمَّ يبدأ استرجاع الأحداث وتحليلها، ومثال على ذلك رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ.[٨]
الحذف
تقوم هذه التقنية على اختصار زمن طويل من أحداث الرواية، فيقوم بتجاوز شهور وسنوات وفي ضمنها اختصار لأحداث كثيرة في القصة للوصول إلى الحدث المُراد الحديث عنه وتصويره في ذهن القارئ، وتدخل هذه التقنية ضمن أنواع السرد المتقطع.[٩]
التلخيص
ويعتمد الكاتب هذه التقنية عندما يقوم ياختصار أحداث كثيرة وطويلة في كلمات معدودة، كتلخيص سيرة ذاتية لإحدى شخصيات الرواية، ويكون التلخيص مكثَّف الأحداث، ويؤدي إلى تسريع أحداث السرد وحركتها للابتعاد عن السأم والملل الذي قد يصيب القارئ.[١٠]
سيل الوعي
سيل الوعي أو تداعي الذاكرة وهي تقنية تقوم بإظهار موقف الشخص ووجهة نظره من خلال تدفق الأحداث وصياغتها في القصة ومن خلال الأفكار المتسلسلة فيها، فقد تكون محادثة غير مترابطة داخلية أو تكون تصرفات وأفعال الشخصية ضمن النص، وهو ما يسمى بالمونولوج الداخلي الذي يعدُّ طريقة تصوِّر المشاعر والأفكار التي تتدفق في عقل الكاتب، من الأمثلة على ذلك رواية الحارس في حقل الشوفان للكاتب الأمريكي جيروم ديفيد سالينجر.[١١]
تقنيات السرد الحديثة
في دخول عالم الحداثة ومع التطور الذي شملَ مختلف أشكال الأدب والفنون، دخلت إلى السرد الروائي الكثير من التقنيات الحديثة التي تتوافق مع المجتمعات الحديثة والتطورات السريعة التي تعيشها البشرية، كالخروج على كل ما هو مألوف وتقليدي كما حدث في الشعر، وقد فرَّق الناقد الفرنسي رولان بارت بين السرد التقليدي والحديث من خلال التفريق بين رواية القراءة ورواية الكتابة، إذ اعتبر أنَّ رواية القراءة التي كانت سهلة لا تحتاج لجهد كبير من القارئ وهي تصاعدية في أحداثها، أما رواية الكتابة فهي رواية السرد الحديث وهي التي يقوم فيها الكاتب ببذل جهد عظيم لبناء هندستها وتعقيدها، وبالتالي فهي تتطلب جهدًا كبيرًا من القارئ كذلك لأنه يصبح شريكًا في تحديد ملامح الرواية وجمع ما تناثر منها،[١٢] وفيما يأتي سيتمُّ إدراج بعض من أهم تقنيات السرد الحديثة:
- العمل على توظيف مختلف أنواع الفنون الحديثة في السرد كالفنون التشكيلية والسيَر الذاتية.
- الخروج على ملامح السرد التقليدي فيما يخصُ هدوءه واتباع أسلوب التساؤلات فيما يتعلق بالنسق والمتن في الخطاب واللغة.
- الابتعاد عن طريقة السرد النمطية التي تتركز حول أحادية الصوت وتحويل الأمكنة والأزمنة إلى مجالات يتداخل بعضها مع بعض، والعمل على تعدد في الأصوات المتكلمة في الرواية والقصة ما أدى إلى تعدد لغوي في النص.
- الاعتماد على أشكال جديدة في السرد مختلفة عن السابق، مثل انتحال شخصيات تاريخية أو حيوانات.
- استلهام كثير من الأحداث من الحكايات والقصص الشعبية والأساطير والحكايات الخرافية والواقع أيضًا، وإعادة صياغة ذلك الموروث بطريقة فريدة حديثة ولغة فصيحة في أطر سردية مختلفة.
- العمل على إيجاد أماكن وملامح واضحة لأبعاد الفلسفة والمعرفة داخل النص.
- الخروج على التسلسل المنطقي للأحداث وعلى هندسة وتخطيط الرواية التقليدية باتجاه التشعب والعشوائية، ما يؤدي إلى تدمير الحبكة بمنطقها، وهذا ما يؤدي أيضًا إلى إثارة عواصف التساؤلات في ذهن القارئ وإيقاعه في دوامة من الغموض الذي يحيطُ بالسرد.
- العمل على تشكيل المكان والزمان من خلال النص وغايات الشخصيات، وهذا أيضًا يُربك القارئ ويقلقه لأنَّه يتوهُ في منعطفات العمل ولا يستطيع تحديد ملامحه العامة.
المراجع
- ↑ "السرد الروائي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-17. بتصرّف.
- ↑ أمبرتو إيكو، تأملات في السرد الروائي، صفحة 12. بتصرّف.
- ↑ "النص السردي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "السرد الروائي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "نص سردي (أدب)"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "حبكة"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "أدب"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "استرجاع فني"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "نص سردي (أدب)"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "النص السردي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "سيل الوعي (أدب)"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "السرد الحداثي: متاهة أم فوضى خلاقة؟"، www.ida2at.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.