حضور الرمز في الشعر العربي

كتابة:
حضور الرمز في الشعر العربي

الرمز

يعدّ حضور الرمز في الشعر العربيّ بوصفه أداةَ تعبير، من أبرز الظواهر الفنية في الشعر الحديث، من حيث طبيعة الرمز وطريقة استخدام الشعراء له، ومنهج الشاعر في تكوين صورته الشعرية باستخدام الرمز. وقد كانت طبيعة الرمز الشعري تختلف عن الرموز في المجالات الأخرى، فرؤية الشاعر للرمز كانت واضحة، ووسيلته للتعبير في بحثه عن الحقيقة وعن الله وعن ومكنونا النفس وكنهها، وما ينبثق عن هذه الموضوعات من موضوعات ثانوية، وبالتالي فإن موضوع الرمز لدى الشاعر، ينبع من موضوع معين ويرتبط به.[١]

حضور الرمز في الشعر العربي

استخدم الشاعر العربي الرمز، وكان حضور الرمز في الشعر العربي ذا تأثير قوي لحسن استغلال الشاعر له، بعد أن أضاف له أبعادًا جديدة من اكتشافة الخاص المرتبط بتجربته الشعورية. وحضور الرمز في الشعر العربي، كان مرتبطا بالحاضر وتجربة الشاعر الحالية في سياق خاص، مهما كان الرمز ضاربا في التاريخ، مما أضاف للرمز طابعًا شعريًّا وجعله أداة للكشف عن أبعاد الشاعر النفسية، الأساطير في الشعر والشخصيّة الأسطورية رمزًا حاضرا بقوة في الشعر العربي.[٢]

فقد كانت الشخصية الأسطوريّة من أبرز أشكال حضور الرمز في الشعر العربي، ومن أبرز الرموز الشخصية الأسطورية شخصيّة سيزيف، رمز العبثيّة والعذاب الأبدي،[٣] وقد وظّف أدونيس هذه الشخصية الأسطوريّة في شعره في قصيدة إلى سيزيف:[٤]

أقسَمْتُ أن أكتبَ فوق الماءْ
أقسمتُ أن أحمل مع سيزيفْ
صخرتَه الصمّاءْ.
أقسمتُ أن أظلّ مع سيزيفْ
أخضعُ لِلحُمّى وللشرارْ
أبحثُ في المحاجر الضريره
عن ريشةٍ أخيره
تكتبُ للعشب وللخريفْ
قصيدةَ الغبارْ.
أقسمتُ أن أعيش مع سيزيف

فالشاعر هنا يستخدم الرمز ليعبّر عن شيء فردي، ولا يمكن القول بأنه رمز لتقوقع الشاعر على نفسه أو ذاتيته، ولكن لا بدّ من أنه عنى به شيئًا خاصًا، وخاطب من خلاله ضميرًا جمعيًا، إذ يبدو رمزا ثوريّا رافضا للظلم من خلال الدعوة المضادة للفعل، رفضا للواقع المرير الذي يعيشه.[٥]

ومن حضور الرمز في الشعر العربي، حضور شخصية السندباد من التراث العربي، بوصفها رمزًا جمع بين الحقيقي سندباد ومغامراته غير الحقيقية واكتشاف المجهول، ومن توظيفها في الشعر، قصيدة مدينة السندباد لبدر شاكر السياب:[٦]

جوعان في القبر بلا غذاء
عريان في الثلج بلا رداء
صرخت في الشتاء
أقضّ يا مطر
مضاجع العظام و الثلوج و الهباء

فحضور الرمز في قصيدة السياب للثورة على المدينة المعاصرة ودعوة للعودة إلى القرية، فالشاعر يرى في نفسه السندباد، ولكن اتخذه رمزًا لنفسه خوفًا من ملاحقة السلطة، وهو من خلال هذا الرمز فاقد للقدرة على الرؤية، وهو يخرج من دوائر الوجود إلى دوائر المجهول والعدم التي لا يستطيع العودة منها، حالها حال الرمز ذاته في قصيدته رحل النهار.[٧]

أسطورة أوديب في الشعر

من حضور الرمز في الشعر العربي، حضور أسطورة أوديب في الشعر العربي، وقد جاء توظيفها لدى الشعراء نأيًا بالقصيدة الغنائية المحض، ووحاولة لفتح آفاق القصيدة والرؤى الشعرية على ألوان عميقة ومتنوعة من القوى المتصارعة، والتنويع في الصور والأشكال التراكيب والبناء[٨]، ومن توظيف الأسطورة في الشعر، قصيدة المومس العمياء للسياب:[٩]

والعابرون:
الأضلع المتقوّسات على المخاوف والظنون،
والأعين التعبى تفتِّش عن خيالٍ في سواها
وتعد آنية تَلَأْلأُ في حوانيت الخمور:
موتى تخاف من النشور
قالوا سنهرب، ثم لاذوا بالقبور من القبور!
أحفاد ""أوديب"" الضرير ووارثوه المبصورن.
"جوكست" أرملة كأمس، وباب ""طيبة"" ما يزال
يلقي ""أبو الهول"" الرهيب عليه، من رعب ظلال
والموت يلهث في سؤال
باقٍ كما كان السؤال، ومات معناه القديم

ففي هذه القصيدة يركّز السياب على رسم صور رمزية لبشاعة المدينة، ففي المدينة يسيطر المال عليها، وتحلّ اللعنات عليها، وتتحول المدينة إلى طيبة أوديب ذات المصير المحتوم، أوبئة، وظلم، جاءت نتيجة اتباع أوديب لشهواته، وهو ذات المصير الذي تُساق إليه المومس العمياء، لتكون صورة أخرى، وأكثر قتامة عندما تتبع المال، ظنًّا منها بأنه سيعيد لها حياتها وشبابها.

المراجع

  1. عز الدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، بيروت- لبنان: دار الثقافة، صفحة 195-197. بتصرّف.
  2. عز الدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر، صفحة 198-199. بتصرّف.
  3. "أسطورة سيزيف"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
  4. "إلى سيزيف"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019.
  5. "الشعر والثورة عند أدونيس"، www.ida2at.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
  6. "رحل النهار"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019.
  7. أبو الحسن أمين مقدسي، حسين الياسى (2017)، "قراءة في قصيدة "مدينة سندباد" لبدر شاكر السياب في ضوء نظرية رومان جاكبسون"، العدد 32، صفحة 133. بتصرّف.
  8. "الشعر العربي المعاصر والأسطورة"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
  9. "المومس العمياء"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019.
6107 مشاهدة
للأعلى للسفل
×