حكم أحمد شوقي

كتابة:
حكم أحمد شوقي


حكم أحمد شوقي

  • يا ناثرا حكما في الناس بالغة
وفَّيت ركن الهوى شرحا وتبيانا

لكن أثرت على العشاق عاصفة

جرت عليهم من التذكار أشجانا

إن البلابل ما تشدو يهيم بها

قلب المحب فيجرى الدمع هتّانا


  • إذا ما جمعتم أمركم وهممتمو
بتقديم شئٍ للوكيل ثمين

خذوا حبل مشنوقٍ بغير جريرة

وسروال مجلودٍ وقيد سجين

ولا تعرضوا شعري عليه فحسبه

من الشعر حكم خطه بيمين

ولا تقرأوه في شبرد بل اقرأوا

على ملأ من دنشواي حزين


  • وَكَم مِن شُجاعٍ في العِداةِ مُكَرَّمٍ
وَكَم مِن جَبانٍ في اللِداتِ مُذَمَّمِ

وَهَل نافِعٌ جَريُ القَوافي لِغايَةٍ

وَقَد فَتَكَت دُهمُ المَنايا بِأَدهَمِ

رَمَت فَأَصابَت خَيرَ رامٍ بِها العِدى

وَما السَهمُ إِلّا لِلقَضاءِ المُحَتَّمِ


  • وَإِذا المُعَلِّمُ ساءَ لَحظَ بَصيرَةٍ
جاءَت عَلى يَدِهِ البَصائِرُ حولا

وَإِذا أَتى الإِرشادُ مِن سَبَبِ الهَوى

وَمِنَ الغُرورِ فَسَمِّهِ التَضليلا

وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم

فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا

إِنّي لَأَعذُرُكُم وَأَحسَبُ عِبئَكُم

مِن بَينِ أَعباءِ الرِجالِ ثَقيلا

وَجَدَ المُساعِدَ غَيرُكُم وَحُرِمتُمُ

في مِصرَ عَونَ الأُمَّهاتِ جَليلا


  • وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً
رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا

لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن

هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا

فَأَصابَ بِالدُنيا الحَكيمَةِ مِنهُما

وَبِحُسنِ تَربِيَةِ الزَمانِ بَديلا

إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ

أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا


  • لا تَجعَلي حُبَّ القَديمِ وَذِكرَهُ
حَسَراتِ مِضياعٍ وَدَفعَ مُبَدَّدِ

إِنَّ القَديمَ ذَخيرَةٌ مِن صالِحٍ

تَبني المُقَصِّرَ أَو تَحُثُّ المُقتَدي

لا تَفتِنَنكِ حَضارَةٌ مَجلوبَةٌ

لَم يُبنَ حائِطُها بِمالِكِ وَاليَدِ

لَو مالَ عَنكِ شِراعُها وَبُخارُها

لَم يَبقَ غَيرُ الصَيدِ وَالمُتَصَيِّدِ


  • وَيا لِحَياةٍ لَم تَدَع غَيرَ سائِلٍ
أَكانَت حَياةً أَم خَلِيَّةَ دابِ

وَأَينَ يَدٌ كانَت وَكانَ بَنانُها

يَراعَةَ وَشيٍ أَو يَراعَةَ غابِ

وَلَهفي عَلى الأَخلاقِ في رُكنِ هَيكَلٍ

بِبَطنِ الثَرى رَثِّ المَعالِمِ خابي

نَعيشُ وَنَمضي في عَذابٍ كَلَذَّةٍ

مِنَ العَيشِ أَو في لَذَّةٍ كَعَذابِ

ذَهَبنا مِنَ الأَحلامِ في كُلِّ مَذهَبٍ

فَلَمّا اِنتَهَينا فُسِّرَت بِذَهابِ

وَكُلُّ أَخي عَيشٍ وَإِن طالَ عَيشُهُ

تُرابٌ لَعَمرُ المَوتِ وَاِبنُ تُرابِ


حكم أحمد شوقي عن الحياة

  • سَماؤُكِ يا دُنيا خِداعُ سَرابِ
وَأَرضُكِ عُمرانٌ وَشيكُ خَرابِ

وَما أَنتِ إِلّا جيفَةٌ طالَ حَولَها

قِيامُ ضِباعٍ أَو قُعودُ ذِئابِ

وَكَم أَلجَأَ الجوعُ الأُسودَ فَأَقبَلَت

عَلَيكِ بِظُفرٍ لَم يَعِفَّ وَنابِ

قَعَدتِ مِنَ الأَظعانِ في مَقطَعَ السُرى

وَمَرّوا رِكاباً في غُبارِ رِكابِ

وَجُدتِ عَلَيهِم في الوَداعِ بِساخِرٍ

مِنَ اللَحظِ عَن مَيتِ الأَحِبَّةِ نابي

أَقاموا فَلَم يُؤنِسكِ حاضِرُ صُحبَةٍ

وَمالوا فَلَم تَستَوحِشي لِغِيابِ

تَسوقينَ لِلمَوتِ البَنينَ كَقائِدٍ

يَرى الجَيشَ خَلقاً هَيِّناً كَذُبابِ

رَأى الحَربَ سُلطاناً لَهُ وَسَلامَةً

وَإِن آذَنَت أَجنادَهُ بِتَبابِ

وَلَولا غُرورٌ في لُبانِكَ لَم يَجِد

بَنوكِ مَذاقَ الضُرِّ شَهدَ رُضابِ

وَلا كُنتِ لِلأَعمى مَشاهِدَ فِتنَةٍ

وَلِلمُقعَدِ العاني مَجالَ وَثابِ

وَلا ضَلَّ رَأيُ الناشِيءِ الغِرِّ في الصِبا

وَلا كَرَّ بَعدَ الفُرصَةِ المُتَصابي

وَلا حَسِبَ الحَفّارُ لِلمَوتِ بَعدَما

بَنى بِيَدَيهِ القَبرَ أَلفَ حِسابِ

يَقولونَ يَرثي كُلَّ خِلٍّ وَصاحِبٍ

أَجَل إِنَّما أَقضى حُقوقَ صِحابي

جَزَيتُهُمُ دَمعي فَلَمّا جَرى المَدى

جَعَلتُ عُيونَ الشِعرِ حُسنَ ثَوابي

كَفى بِذُرى الأَعوادِ مِنبَرَ واعِظٍ

وَبِالمُستَقِلّيها لِسانَ صَوابِ

دَعَوتُكَ يا يَعقوبُ مِن مَنزِلِ البِلى

وَلَولا المَنايا ما تَرَكتَ جَوابي

أُذَكِّرُكَ الدُنيا وَكَيفَ وَلَم يَزَل

لَها أَثَرا شَهدٍ بِفيكَ وَصابِ

حَمَلنا إِلَيكَ الغارَ بِالأَمسِ ناضِراً

وَسُقنا كِتابَ الحَمدِ تِلوَ كِتابِ

وَما اِنفَكَّتِ الدُنيا وَإِن قَلَّ لُبثُها

لِسانَ ثَوابٍ أَو لِسانَ عِقابِ

أَلا في سَبيلِ العِلمِ خَمسونَ حِجَّةً

مَضَت بَينَ تَعليمٍ وَبَينَ طِلابِ

قَطَعتَ طَوالَي لَيلِها وَنَهارِها

بِآمالِ نَفسٍ في الكَمالِ رِغابِ

رَأى اللَهُ أَن تُلقى إِلَيكَ صَحيفَةٌ

فَنَزَّهتَها عَن هَوشَةٍ وَكِذابِ

وَلَم تَتَّخِذها آلَةَ الحِقدِ وَالهَوى

وَلا مُنتَدى لَغوٍ وَسوقَ سِبابِ

مَشَينا بِنورَي عِلمِها وَبَيانِها

فَلَم نَسرِ إِلّا في شُعاعِ شِهابِ

وَعِشنا بِها جيلَينِ قُمتَ عَلَيهِما

مُعَلِّمَ نَشءٍ أَو إِمامَ شَبابِ

رَسائِلُ مِن عَفوِ الكَلامِ كَأَنَّها

حَواشي عُيونٍ في الطُروسِ عِذابِ

هِيَ المَحضُ لا يَشقى بِهِ اِبنُ تَميمَةٍ

غِذاءً وَلا يَشقى بِهِ اِبنُ خِضابِ

سُهولٌ مِنَ الفُصحى وَقَفتَ بِها الهَوى

عَلى ما لَدَيها مِن رُبىً وَهِضابِ

وَما ضِعتَ بَينَ الشَرقِ وَالغَربِ مِشيَةً

كَما قيلَ في الأَمثالِ حَجلُ غُرابِ

فَلَم أَرَ أَنقى مِنكَ سُمعَةَ ناقِلٍ

إِذا وَسَمَ النَقلُ الرِجالَ بِعابِ

وَكَم أَخَذَ القَولَ السَرِيَّ مُعَرِّبٌ

فَما رَدَّهُ لِاِسمٍ وَلا لِنِصابِ


حكم أحمد شوقي عن المعلم

  • قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا
كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي

يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا

سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ

عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى

أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ

وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا

وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً

صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا

أَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً

وَاِبنَ البَتولِ فَعَلِّمِ الإِنجيلا

وَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً

فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا

عَلَّمتَ يوناناً وَمِصرَ فَزالَتا

عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولا

وَاليَومَ أَصبَحَتا بِحالِ طُفولَةٍ

في العِلمِ تَلتَمِسانِهِ تَطفيلا

مِن مَشرِقِ الأَرضِ الشَموسُ تَظاهَرَت

ما بالُ مَغرِبِها عَلَيهِ أُديلا

يا أَرضُ مُذ فَقَدَ المُعَلِّمُ نَفسَهُ

بَينَ الشُموسِ وَبَينَ شَرقِكِ حيلا

ذَهَبَ الَّذينَ حَمَوا حَقيقَةَ عِلمِهِم

وَاِستَعذَبوا فيها العَذابَ وَبيلا

في عالَمٍ صَحِبَ الحَياةَ مُقَيَّداً

بِالفَردِ مَخزوماً بِهِ مَغلولا

صَرَعَتهُ دُنيا المُستَبِدِّ كَما هَوَت

مِن ضَربَةِ الشَمسِ الرُؤوسُ ذُهولا

سُقراطُ أَعطى الكَأسَ وَهيَ مَنِيَّةٌ

شَفَتَي مُحِبٍّ يَشتَهي التَقبيلا

عَرَضوا الحَياةَ عَلَيهِ وَهيَ غَباوَةٌ

فَأَبى وَآثَرَ أَن يَموتَ نَبيلا

إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ

وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا

إِنَّ الَّذي خَلَقَ الحَقيقَةَ عَلقَماً

لَم يُخلِ مِن أَهلِ الحَقيقَةِ جيلا

وَلَرُبَّما قَتَلَ الغَرامُ رِجالَها

قُتِلَ الغَرامُ كَمِ اِستَباحَ قَتيلا

أَوَكُلُّ مَن حامى عَنِ الحَقِّ اِقتَنى

عِندَ السَوادِ ضَغائِناً وَذُحولا

لَو كُنتُ أَعتَقِدُ الصَليبَ وَخَطبُهُ

لَأَقَمتُ مِن صَلبِ المَسيحِ دَليلا

أَمُعَلِّمي الوادي وَساسَةَ نَشئِهِ

وَالطابِعينَ شَبابَهُ المَأمولا

وَالحامِلينَ إِذا دُعوا لِيُعَلِّموا

عِبءَ الأَمانَةِ فادِحاً مَسؤولا


حكم أحمد شوقي في التفكر في الخلق

  • اُنظُر إِلى الأَقمارِ كَيفَ تَزولُ
وَإِلى وُجوهِ السَعدِ كَيفَ تَحولُ

وَإِلى الجِبالِ الشُمِّ كَيفَ يُميلُها

عادي الرَدى بِإِشارَةٍ فَتَميلُ

وَإِلى الرِياحِ تَخِرُّ دونَ قَرارِها

صَرعى عَلَيهِنَّ التُرابُ مَهيلُ

وَإِلى النُسورِ تَقاسَرَت أَعمارُها

وَالعَهدُ في عُمرِ النُسورِ يَطولُ

في كُلِّ مَنزِلَةٍ وَكُلِّ سَمِيَّةٍ

قَمَرٌ مِنَ الغُرِّ السُماةِ قَتيلُ

يَهوي القَضاءُ بِها فَما مِن عاصِمٍ

هَيهاتَ لَيسَ مِنَ القَضاءِ مُقيلُ

فَتحُ السَماءِ وَنورُها سَكَنا الثَرى

فَالأَرضُ وَلهى وَالسَماءُ ثَكولُ

سِر في الهَواءِ وَلُذ بِناصِيَةِ السُها

المَوتُ لا يَخفى عَلَيهِ سَبيلُ

وَاِركَب جَناحَ النَسرِ لا يَعصِمكَ مِن

نَسرٍ يُرَفرِفُ فيهِ عِزرائيلُ

وَلِكُلِّ نَفسٍ ساعَةٌ مَن لَم يَمُت

فيها عَزيزاً ماتَ وَهوَ ذَليلُ

أَإِلى الحَياةِ سَكَنتَ وَهيَ مَصارِعٌ

وَإِلى الأَماني يَسكَنُ المَسلولُ

لا تَحفَلَنَّ بِبُؤسِها وَنَعيمِها

نُعمى الحَياةِ وَبُؤسُها تَضليلُ

ما بَينَ نَضرَتِها وَبَينَ ذُبولِها

عُمرُ الوُرودِ وَإِنَّهُ لَقَليلُ

هَذا بَشيرُ الأَمسِ أَصبَحَ ناعِياً

كَالحُلمِ جاءَ بِضِدِّهِ التَأويلُ

يَجري مِنَ العَبَراتِ حَولَ حَديثِهِ

ما كانَ مِن فَرَحٍ عَلَيهِ يَسيلُ

وَلَرُبَّ أَعراسٍ خَبَأنَ مَأتَماً

كَالرُقطِ في ظِلِّ الرِياضِ تَقيلُ

يا أَيُّها الشُهَداءُ لَن يُنسى لَكُم

فَتحٌ أَغَرُّ عَلى السَماءِ جَميلُ

وَالمَجدُ في الدُنيا لِأَوَّلِ مُبتَنٍ

وَلِمَن شُيِّدَ بَعدَهُ فَيُطيلُ

لَولا نُفوسٌ زُلنَ في سُبُلِ العُلا

لَم يَهدِ فيها السالِكينَ دَليلُ

وَالناسُ باذِلُ روحِهِ أَو مالِهِ

أَو عِلمِهِ وَالآخَرونَ فُضولُ

وَالنَصرُ غُرَّتُهُ الطَلائِعُ في الوَغى

وَالتابِعونَ مِنَ الخَميسِ حُجولُ

كَم أَلفُ ميلٍ نَحوَ مِصرَ قَطَعتُم

فيمَ الوُقوفُ وَدونَ مِصرٍ ميلُ

طوروسُ تَحتَكِمُ ضَئيلٌ طَرفُهُ

لَمّا طَلَعتُم في السَحابِ كَليلُ

تَرخونَ لِلريحِ العِنانَ وَإِنَّها

لَكُم عَلى طُغيانِها لَذَلولُ

اِثنَينِ اِثرَ اِثنَينِ لَم يَخطُر لَكُم

أَنَّ المَنِيَّةَ ثالِثٌ وَزَميلُ

وَمِنَ العَجائِبِ في زَمانِكَ أَن يَفي

لَكَ في الحَياةِ وَفي المَماتِ خَليلُ

لَو كانَ يُفدى هالِكٌ لَفَداكُمُ

في الجَوِّ نَسرٌ بِالحَياةِ بَخيلُ

أَيُّ الغُزاةِ أُلي الشَهادَةِ قَبلَكُم

عَرضُ السَماءِ ضَريحُهُم وَالطولُ

يَغدو عَلَيكُم بِالتَحِيَّةِ أَهلُها

وَيُرَفرِفُ التَسبيحُ وَالتَهليلُ

إِدريسُ فَوقَ يَمينِهِ رَيحانَةٌ

وَيَسوعُ فَوقَ يَمينهِ إِكليلُ

في عالَمٍ سُكّانُهُ أَنفاسُهُم

طيبٌ وَهَمسُ حَديثِهِم إِنجيلُ

إِنّي أَخافُ عَلى السَماءِ مِنَ الأَذى

في يَومِ يُفسِدُ في السَماءِ الجيلُ
4588 مشاهدة
للأعلى للسفل
×