حكم الحجاج في العراق

كتابة:
حكم الحجاج في العراق

الحجاج الثقفي

هُو الحجّاج بن يوسف الثَقفي واسْمُهُ الحَقيقي كُلَيبْ لَكِنّه أبْدله بإسم الحَجّاج وُلِدَ في عام الجَماعة سَنَة 40هـ في الطّائف، كان يُعلّمُ الصّبية القرآن والحديث، عندما تَجبَّر أصحاب عبدالله بن الزُّبَير على أهل الطّائف عندما كانت ولايَتها بين ابن الزُّبير والأمويين قرَّر الحجّاج الذَّهاب إلى الشَّام حيث الخلافة الأمويّة المُتعثّرة، والتَحَقَ بشُرطة الإمارة في الشّام والّتي كانت تُعاني سوء التَّنظيم واستِخفاف أفرادها بالنّظام فأخَذهم بالشّدة وضَبَطَهم فَلَفت إليه أنظار الخليفة عبد الملك الّذي رأي فيه شِدّة وحَزمًا وكَفاءة، فَقَد كان لحُكم الحجّاج دورٌ كَبيرٌ في ثبات الدّولة الأمويّة، وكان خطيبًا بليغًا وقَد تمَيّز حُكم الحجّاج بالشّدة والحَزم، كما قامَ الحجّاح بِهَدم الكَعبة المُشّرَّفة بالمَنجنيق، وهُناك الكثير من الأحداث الّتي حَدَثت أثناء فترة حُكم الحجّاج، لكن سَيَتِم التركيز في هذا المقال على فترة حُكم الحجّاج في العراق.[١]

تولية عبد الملك العراق للحجاج

للتَّعرف على حُكم الحجّاج في العراق يَجِب التَّعرف على الأحداث التي قادَته لتولّي حُكم العراق، فعِندَما ضَرَبَت الفِتْنَة والفَوضى العِراق واضْطَرَبَ أَهلُها قَامَ عبد الملك بن مَروان بِجَمع أهل بِيْتِه وأُلي النَّجدة من جُندِه وخَاطَبَهُم قَائلًا: "إنَّ العراق قَد كَدُرَ مَاؤُه وكَثُر غَوغَاؤُه وعَظُمَ خَطْبُه وظَهَرَ ضِرَامُه وعَسَر إخْمادُ نِيرانِه فَهَل من مُمَهّدٍ للعراق بِسيفٍ قَاطِع وعَقلٍ جامِع وقَلبٍ ذَكي وأَنِفٍ حَمِي فَيُخْمِدُ نِيرانه ويَردَعُ غِيلانه ويُنصِفُ مَظْلومه فَتَصفو البِلاد وتأمَنُ العِباد، فَسَكَت القَوم ولَم يَنطِق أي مِنهُم بِكَلِمة إلى أن قَامَ الحجّاج وقال يا أمير المؤمنين أنا للعراق، قال عبد الملك: ومَن أنت لله أبوك، فردّ الحجّاج: أنا الحجّاج اللّيثُ الضَّمضام والهِزبَرُ الهَشام من ثقيف كُهوف الضّيوف ومستعمل السّيوف، فقال لَهُ عبد الملك لا أر:اكَ لَها يا حجّاج، فَوَجّه عبد الملك حَديثه للقَوم فقال: ما لي أرى الرُّؤوس مُطرِقَة والألسُنَ مُعْتَقَلة فَلم يُجِبهُ أحَد فقام إليه الحجّاج وقال يا أمير المؤمنين إني للعراق ومُجَندل الفُساق ومُطفىء نار النّفاق فَقَال عبد الملك ومن أنت؟ فأجاب: أنا الحجّاج قاسِمُ الظُلمة ومَعدن الحِكْمة وآفَةُ الكُفرِ والريبة، فقال عبد الملك: لا أراك لها يا حجّاج ثمّ توجّه للقوم وسأل من للعراق؟[٢]

فسَكَت القَوم، وقام الحجّاج وقال: أنا للعراق، فقال له عبد الملك: أظُنّك صَاحِبها والظّافرُ بِغنائمِها ولِكُلّ شيءٍ آيَةٌ وعَلامَة فَما آيَتُك وعَلامَتُك في هذا، فقال الحجّاج: العُقوبَةُ والعَفو، والاقْتِدارُ والبَسط، والإدْناءُ والإبْعاد، والجَّفاء والبِّر والوَفاء، والتّأهُب والحَزم وخَوضْ غَمَرات الحُروب فَمَن جَادَلني قَطعتُهُ، ومن ناَزَعني قَسَمْتُهُ، ومن خَالَفَني نَزَعتُهُ، ومن دَنَا مِني أكْرَمتُهُ، ومن طَلَبَ الأمَانَ أعْطَيتُهُ ومن سارعَ إلى الطّاعَةِ بَجّلتُهُ هّذه آيَتي وعَلامَتي، وما عَلَيكَ يا أمير المؤمنين إلا أن تبلُوَني، فإن كُنتُ للأعْنَاقِ قطّاعًا، وللأرْواحِ نزّاعًا وللأمْوالِ جَمَّاعًا ولكَ نفَّاعًا، وإلّا فليَسْتِبدِل بي أمير المؤمنين غَيري، فإن النَّاس كُثُر لكن من يقُومُ بِهذا الأمرِ قليل، فقال له عبد الملك: أنتَ لَها يا حجّاج فما الّذي تَحتاجُ إليه". وهَكذا بدأ حُكم الحجّاج للعراق، فبَعد أن استَلَم حُكمَها انطَلَقَ مُتّجهًا توَاقًا إلى العراقَيْن الكوفة والبصرة ليَبدأ عَصر حُكم الحجّاج للعراق.[٢]

حكم الحجاج للعراق

حَكَمَ الحجَّاج العراق مُدَّة عِشرين عامًا حتَّى وَفَاتِه فيها، وأثناء فَتْرَه حُكم الحجَّاج للعراق وَقَعَت حَرب الخوارج وثورة ابن الأشعَث والّتي كانَت تهدد الدّولة الأمويَة، بدأ الحجّاج ولايَتَه على العراق مخاطبًا أهل الكُوفة بعد أن أمرَهم بالاجتماع في المَسجِد داخِلًا عليهِم مُلثّمًا بعِمامةٍ حَمراء، واعتلى المنْبَر وبَقيَ صامتًا، إلى أن ضجّ من في المَسجد من سُكوته، فخَلَع العِمامَة، وقال خُطبته الشّهيرة في الكوفة.

خطبة الحجاج في الكوفة

"أنا ابن جَلا وطلّاع الثّنايا متى أضَعُ العِمامَة تعرفوني، يا أهل الكوفة إني والله لأحمِل الشّر بِحِمله وأحْذُوه بنَعلِه وأجْزِيه بمِثلِه، وإني أرى أبصارًا طامِحة وأعناقًا مُتَطاوِلة، وإني أرى رُؤوسًا قَد أينَعَت وحانَ قِطافُها وإنّي لصَاحِبُها، كأني الآن أنظُر إلى الدّماء تَتَرقرقُ بين العَمائم واللّحى، فإنّي والله يا أهل العراق ومعدن الشّقاق والنِّفاق ومفاسد الأخلاق قد فُتّشتُ عن تَجربة، فإن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان -أطال الله بقاءه- نَثَرَ كنانته بين يَديه فعَجَم عيدانها، فوَجَدني أمرّها عُودًا وأصلبها مَكسرًا، فَرماكُم بي لأنّكم أوضعتُم في الفِتَن واضطَجعتُم في مناخ الضّلال وسَننتُم سُنن الغَي، وإنّي والله لألحُونَّكم لَحو العود ولأضرِبَنَّكُم ضَربَ غَرائب الإبل، وإني لا أعِدُ إلا وَفيْت ولا أهُم إلا أمضَيت إن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكُم أعْطِياتكم وأن أوجّهكُم لمُحاربة عدوكم وعَدو أمير المؤمنين، وأعطيت الله عَهدًا من تخلَّف منكم بعد أخذ عَطائه بثلاثة أيّام إلّا ضَربتُ عُنُقَه وانتَهَبتُ مالَه".[٣]

خطبة الحجاج في البصرة

وبعد الكُوفة يتَجة الحجّاج إلى البصرة يتهدَّدهم ويتَوعَّدهم فيخطب بهم: "أيُّها النَاس من أعياه داؤه فعِندي دَواؤُه، ومن استَطالَ أجَلَه فعليَّ أن أُعَجّله، ومن ثَقُل عليه رأسُه وضَعتُ عَنهُ ثِقَلَه، ومن طالَ ماضي عُمره قَصَّرتُ عليهِ باقِيَه، إن للشّيطان طيفًا وإن للسُّلطان سَيفًا فمَن سَقُمَت سريرَتُه صحَّت عُقوبَتُه، ومن وضعه ذنبهُ رفعَهُ صَلبُه، إنّي أُنذِرُ ثم لا أُنظِر، وأُحذّرُ ثم لا أُعذِر وأتوعّد ثمّ لا أعفو، فإن الحَزمَ والعزمَ سلباني سَوطي وأبدلاني به سيفي، والله لآمرُ أحدكم بأن يخرُج من باب هذا المَسجد وخرجَ من الباب الّذي يليه إلّا ضَربتُ عُنُقَه".[٤]

ويَتبيّن من خُطبة الحجّاج في الكوفة والبصرة كيف رمَى الرُّعب في قُلوب أهل العراق وسياسَته الشّديدة وحَزمُه وشِدّة بأسِه، ومن العراق حَكَم الحجّاج الجزيرة العربية واليَمن والحجاز والبحرين وخراسان، وشهِد معارك كثيرة من الثائرين على الدولة الأمويّة.[٢]

أبرز الحروب في حكم الحجاج

شهِدَت فترة حُكم الحجّاج في العِراق الكَثير من الثورات على حُكم بني أميّة، وكانت هذه الثّورات تتطلّب الأشدَّاء من الرجال، فكان الحجّاج لها لولائه لبني أُميّة، وتاليًا سيتم تسليط الضوء على أهم هذه الثورات.[٣].

حروب الخوارج

وجّه الحجّاج بن يوسف الثّقفي زائدة بن قدامة الثّقفي لمُحارَبَة شبيب الشيباني، وهو من الخوارج وأكبر الثائرين على بني أُميّة، وذلِك في عام 76هـ فانتَصَر شبيب على زائدة الثّقفي، وفي السّنة التي تَلت الهزيمة بعَثَ الحجَاج جيشًا، وكان على رأسهم عتاب بن ورقاء الرباحي وأبو الورد البصري، فاقتتلوا مع شبيب الشيباني، فقُتِلوا جميعًا فعَزَم الحجّاج أن يخرُج بنَفسِه لقِتال شبيب، فاقتتل معه أشد قتال وهَزَمه وقُتِلَت زوجَته غزالة، وأثناء هروب شبيب إلى الأهواز تعثّر فرسه وسقَط في الماء، وغَرق بِسبب الدّروع الثَقيلة الّتي عليه، فقَضى الحجّاج على من بقي من جُنده، وفي عام 79هـ - 80هـ وبعدَ حربٍ طويلة قُتِل رأس الخوارج قطري بن الفجاءة.

ثورة عبد الرحمن بن الأشعث

قام الحجّاج بن يوسف الثّقفي في عام 80هـ بتولية عبد الرحمن بن الأشْعَث على سجستان، وكان قد جَهّز له جيشًا عظيمًا، وقد بدأت الحرب بين الحجّاج وابن الأشْعَث بَعد أن خرجَ ابن الأشعَث عن الحجّاج بعد أن استَقرَّ في سجستان، وفي عام 81هـ هَزَم ابن الأشعَث الحجّاج بعد أن قام مع أهل البصرة وقاتلوه يوم عيد الأضحى، وفي عام 82هـ بلغَ جيش عبد الرحمن بن الأشْعَث مبلغًا كبيرًا من الكثرة والقوّة وكانت الحرب قد استَعَرت بينَهُما، ومن أكثر الوقائع هَوْلًا على بني أُميّة وقعَة دير الجّماجم عام 83هـ بين الحجّاج بن يوسف الثّقفي وعبد الرحمن بن الأشْعَث، والّتي انْتصر فيها الحجّاج على أصحاب ابن الأشعَث، فكانَت هذه المعركة الفاصِلة إذْ ظَفر الحجّاج بجميع أصحاب ابن الأشعَث بين قتيل وأسير، أمّا ابن الأشعَث فقد فَر وقرّر أن يلجأ إلى رتبيل، إلّا أن الحجّاج قام بتهديد رتبيل بأن يغزو بلاده في حين لم يُسلمه ابن الأشعَث، أدرك عبد الرحمن بن الأشعَث أنه سوف يُسلَّم إلى عمارة بن تميم اللخمي قائد جُند الحجّاج، فغافَل الحَرس وألقى بنفسِه من فوق القَصر، فمَات فقام جُند رتبيل بقطع رأسِه وإرساله إلى الحجّاج عام 85هـ.

المراجع

  1. "الحجاج بن يوسف الثقفي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت إبراهيم شمس الدين (2002)، قصص العرب (الطبعة الأولى)، بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 283-284، جزء 2. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "الحجاج بن يوسف الثقفي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
  4. ابراهيم شمس الدين (2002)، قصص العرب (الطبعة الأولى)، بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 316، جزء 2. بتصرّف.
3436 مشاهدة
للأعلى للسفل
×