حكم السبي في الإسلام

كتابة:
حكم السبي في الإسلام

حكم السبي في الإسلام

ما الحكمة من السبي؟

إنّ السبي في الإسلام كان تماشيًا مع الواقع الذي كانت تعيشه الأمم آنذاك؛ إذ كان السّبي عماد مجتمعات بأسرها من الناحية الاقتصاديّة، فلا يُعقلُ أن يمنع الإسلام السّبي ويبقى مُباحًا عند الأمم والشعوب الأخرى، ثمّ إنّ المعاملة بالمثل هي النّهج الذي سارت عليه الشريعة الإسلاميّة وخلفاء المسلمين من ناحية تعاملهم مع الأمم الأخرى، فكان السبي مشروعًا في الإسلام ولكن بضوابط وبحالات معيّنة.[١]


وقد شجّع الإسلام على إعتاق الأرقّاء، وجعل كثيرًا من الكفّارات ترتبط بمفهوم إعتاق الرّقبة، وقد استدلّ العلماء على جواز استرقاق أسرى الأعداء من الآية الكريمة في سورة محمّد إذ يقول تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}،[٢] وأيضًا من خلال ما ثبت من استرقاق النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض أحياء العرب من المشركين في حياته، ومن استرقاق الصحابة لنساء أعدائهم من بلاد فارس وغيرها.[١]


ما هو السبي؟

السّبي لغة هو مصدر الفعل سبَى، فيُقال: سبَى يسبي سبيًا وسِباء، ويعني السّبي الأسر، ويُقال له السبي والسباء، ويُقال للذّكر سبيٌّ والأنثى سبيّة والجمع سبايا، وأمّا من حيث الاصطلاح فقد أشار العلماء إلى أنّ الأكثر أن يُقال للرّجال أسرى وتختصّ النساء والأطفال بلفظ السّبي.[٣]


حكم جماع السبيَّة في الإسلام

هل يجوز وطء السبيّة غير المسلمة؟

إنّ السبيّة في الإسلام من ملك اليمين كما هو اتّفاق العلماء، فتكون السبيّة من جملة غنائم المسلمين حتى توزّع السبايا على الناس، فمن كانت له سبيّة فإنّها تصبح مملوكة له بملك اليمين، ومتى صارت أمَةً له فإنّه يجوز له وطؤها ولكن بعد أن تستبرئ، وقد استدلّ العلماء بقوله تعالى في سورة النساء: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ}،[٤][٥]


هل السبي للمحاربات فقط؟

إنّ استرقاق النساء كان جائز في حال توفّرت في المرأة صفتان: الأولى الكفر والثانية الحرب، والحرب ليست بمعنى أن تحارب بنفسها، ولكن يمكن أن تكون تابعة لمحارب ممّن يحارب المسلمين،[٦] وبالجملة فإنّ كلّ من يجده المسلمون من النساء والأطفال ممّن يدخلون في الغنائم يُعدّون سبايا، والله أعلم.[٧]


ما هو حكم السبية المتزوجة؟

لقد فصّل الفقهاء في هذه المسألة وخالف بعضهم بعضًا، فهي من المسائل الخلافيّة، وسبي المتزوجة يكون فيه ثلاث أحوال:[٨]

  • أن يُسبى الزوجان معًا:
    • يرى المالكيّة والشّافعيّة والليث بن سعد وسفيان الثوري وأبو ثور البغداديّ أنّ النّكاح ينفسخ، ودليلهم الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ}،[٩]
    • يرى الحنابلة والحنفيّة لا ينفسخ العقد، وقالوا إنّ الآية الكريمة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}[١٠] قد نزلت في سبايا أوطاس، وهؤلاء قد أُخِذنَ من دون أزواجهن.
  • أن تُسبى المرأة وحدها: وهذه ينفسخ نكاحها بلا خِلاف بين الأئمّة لعموم الآية السابقة.
  • أن يُسبى الرجل وحده:
    • ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشافعيّة والمالكيّة وأبي الخطّاب الكلوذاني من الحنابلة إلى أنّه ينفسخ النكاح، والسبب عند الحنفيّة هو تغيّر الدار، وعند الباقين للسبي.
    • ذهب باقي الحنابلة لا ينفسخ النكاح؛ لأنّهم لا يرون أنّ فيه نصًّا، وكذلك يرون أنّ القياس لا يقتضيه، ويستشهدون بحادثة أسارى بدر الذين منّ على بعضهم، وفادى بعضهم الآخر.


كيف تعامل الإسلام مع السبايا؟

قد وضع الإسلام حدًّا في التعامل مع السبية أو المملوك وأمر بالإحسان إليهم بشتَّى أنواع الإحسان، فيكون الإحسان في المأكل والملبس والمشرب، فيأكلن مما يأكل منه مالكيهم ويشربن مما يشربون ويلبسن مما يلبسون، وعليه فلا تكلف السبية من الأعمال ما لا تستطيعه أو تطيقه، بل يكون العمل حسب طاقتها، وأمَّا من ضرب مملوكه أو سبيته ظلمًا فجعل الإسلام تكفير ذلك العمل أن يعتقه، والله أعلم.[١١]


وكما مرّ سابقًا فالإسلام جاء في وقت كانت فيه أمم الأرض وشعوبها تمتهن الاسترقاق والسبي، فكانت معاملة الإسلام مع الأمم الأخرى بالمثل في أكثر الأمور ومنها السبي، ولكنّ الإسلام جاء ليخلّص الناس من العبوديّة وإفراد الله -تعالى- وحده بالعبوديّة، فشجّع على الإحسان إلى السبي وإعتاقهم، بل إنّ الإعتاق هو من أعظم القربات إلى الله تعالى، وذلك لما فيه من إعطاء الأسير حريته التي هي أثمن ما يملك،[١٢] وفي سورة البلد يقول تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ}،[١٣] فإنّه -تعالى- لمّا قال: {مَا أَدْرَاكَ} فإنّه كان يقصد: وما أدراك ما اقتحام العقبة، فهو يرمي من وراء ذلك إلى تعظيم أمر التزام الدين.[١٤]


فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ}[١٥] وأتبَعَها بقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ}،[١٦] فلو لم يكن تحرير الرقبة من السبي أمرًا عظيمًا لما ذُكِرَ في هذا المقام، وقد قال الإمام القرطبيّ -فيما ينقله عن بعض العلماء- إنّ الرقبة الكافرة ذات الثمن المرتفع أفضل في العتق من الرقبة المؤمنة ذات الثمن المنخفض، ودليل القائلين بذلك ما رواه أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- سُئِل عن الرّقاب أيّها أفضل فقال: "أَغْلاها ثَمنًا، وأنْفَسُها عندَ أهلِها"،[١٧] والله أعلم.[١٨]


هل يجوز السبي في زماننا؟

لقد جاء الإسلام حاملًا معه للنّاس أعظم منّة وهي الحريّة، ولمّا كان السبي نظامًا معمولًا به عند الأمم الأخرى من دون ضوابط فقد وجد المسلمون أنفسهم مضطرّون لاتّباع هذا النّظام مع الأمم الأخرى من باب المعاملة بالمثل،[١] ولكنّ الشّريعة الإسلاميّة عملت على تجفيف منابع الرقّ ووضعت له الضوابط التي تقضي عليه شيئًا فشيئًا، بل إنّ الاسترقاق هو مخالف لمقاصد الشريعة الإسلاميّة التي تدعو إلى محاربة الرق والاعتداء على الأحرار، وكذلك أباحت الشريعة للرّقيق أن يعتق نفسه بنفسه من خلال نظام المكاتبة.[١٩]


وأمّا في الوقت الرّاهن فقد أجمعت الأمم والدّول على إلغاء هذه الظاهرة، أي ظاهرة الرق والسبي، واتّفقت كذلك على محاربة كلّ من يعمل على جلب الرقيق وغير ذلك من الأشكال التي تؤدّي إلى وجود الرقيق على هذه الأرض، فبذلك يكون عملُ مَن عمِلَ على إيجاد الرقيق والسبايا في هذا اليوم خاطئًا، والله أعلم.[١٩]

المراجع

  1. ^ أ ب ت وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 5916. بتصرّف.
  2. سورة محمد، آية:4
  3. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 154. بتصرّف.
  4. سورة النساء، آية:24
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 164. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 299. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 155. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 162. بتصرّف.
  9. سورة النساء، آية:24
  10. سورة النساء، آية:24
  11. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 86. بتصرّف.
  12. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 5916. بتصرّف.
  13. سورة البلد، آية:11-13
  14. شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 67. بتصرّف.
  15. سورة البلد، آية:12
  16. سورة البلد، آية:13
  17. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:21500، حديث إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  18. شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 68. بتصرّف.
  19. ^ أ ب "حكم ما تفعله داعش من السبي"، دار الإفتاء، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-03. بتصرّف.
5726 مشاهدة
للأعلى للسفل
×