حكم القتل العمد

كتابة:
حكم القتل العمد

مفهوم القتل

القتل هو واحدة من الجرائم التي نبذها الإسلام وأنكرها، والفاعل منها قاتِل والمفعول منها مقتُول وفلانٌ قتل فلان أي أماته وأزهق روحه وفتك به، ويُقال قُتِل الرَّجل إذا مات وأُنهيت حياته، ووسائل القتل كثيرةٌ لا عدَّ لها ولا حصر، وتتنوع أنواع القتل فقد يكون القتل خطأً وقد يكون شبه عمدٍ وقد يكون عمدًا فيُسمَّى بالقتل العمد؛ وهو ما تعمَّد القاتل فعله بالمقتول، وللقتل العمد الكثير من الأحكام الإسلاميَّة التي لا بدَّ من الحديث عنها، وبعد أن تمَّ تعريف مفهوم القتل سيقف هذا المقال على حكم القتل العمد في الشريعة الإسلاميَّة وما الأمور التي تترتب على القاتل في تلك الحال.[١]

حكم القتل العمد

بعد أن تمَّ إيضاح معنى القتل بالإجمال والوقوف على معنى القتل العمد بشكل سريع لا بدَّ من التَّفصيل فيه قبل أن يتمَّ الحديث عن حكم القتل العمد، والقتل العمد هو قصد القاتل أو الجاني الإيقاع بالمقتول المعصوم الآدمي أو المجني عليه بفعلٍ يغلب على الظن أنَّه سيُقتل به، وهذا الفعل من الأفعال المحرَّمة في الشريعة الإسلامية بلا اختلافٍ بين العلماء، وهو من الكبائر التي نزلت فيها الحدود، حيث قال -تعالى- في سورة النساء: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}،[٢] وتتعدد صور القتل العمد فلا يُقتصر على واحدة، فمنها القتل عن طريق الشنق بالحبل، أو الجرد بالسكين، أو الإيذاء بالمسدس، أو الإغراق أو الحرق، أو غيرها من الأفعال التي تُؤدي بالمجني عليه إلى الموت، فمع الاختلاف في صور القتل إلا أنَّ الحكم في الشريعة يبقى واحدًا، وهو القصاص أيّ القتل ولكنْ لأهل المقتول أو لوليِّ الدَّم أن يأخذ ديَّةً من القاتل، أو أن يُسامحه في الدم ويعفو عنه، وهنا لا يُمكن ترجيح أحد الأحكام على الآخر فما يقتضيه الحال يكون هو الأفضل الحكم فيه، فلو كان الحكم بالقصاص والقتل مقابل المقتول فيُفعل هذا، ولو كانت الدية هي الأفضل فتُؤخذ الدية، ولو كان العفو هو الأفضل في تلك الحال فيكون العفو هو أفضل الأحكام إن تحققت المصلحة فيه، وقد قال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقة من مال، و ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، و ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله"،[٣] والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[٤]

ما يترتب على القتل العمد

بعد أن تمَّ التّعريف بمفهوم القتل بشكله العام، ووقوف المقال على تعريف وحكم القتل العمد لا بدَّ من أن يُبيِّن ما يترتب على القتل العمد من الأحكام الأخرى، فلوليِّ الدَّم أن يُطالب بالقصاص أو أن يأخذ ديَّةً أو أن يعفو ولكن ذلك لا يكون إلا بشروط، فلو اختار وليّ الدَّم القصاص فيجب توافر شرط عصمة المقتول؛ وهو أن يكون مسلمًا أو ذميًّا أو معاهدًا أو مستأمن، فلو قتل المسلم مقاتلًا حربيًّا أو زانيًا في حدِّ الزنا أو مرتدًّا عن الإسلام فلا يُقتل المسلم في ذلك، وأمَّا لو كان القاتل من الصغار غير البالغين فلا يُقتل بل تُؤخذ منه ديَّة؛ لأنَّه في حكم المجنون والمخطِئ، ولو قتل المسلم كافرًا فلا يُقتل المسلم فيه؛ وذلك لأنَّه فُقد شرط المساواة في الدين بين القاتل والمقتول ولكن يُقتل الكافر بالمسلم، حيث قال -تعالى- في سورة البقرة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}،[٥] ولا يثبت حكم القصاص حتى يعترف القاتل بقتله أو تثبت عليه عن طريق شهادة عدلين من الثقات، والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[٦]

حكم القتل شبه العمد

وبعد أن تمَّ تبيين حكم القتل العمد لا بدَّ من الإتيان على ما يُسمى بالقتل شبه العمد، وماذا رأى العلماء فيه وأين كان محلّ خلافهم، فيميل المذهب المالكيِّ والظاهرية إلى عدم اعتبار القتل شبه العمد أبدًا، وأنَّ القتل لا يكون إلا نوعان قتل العمد وقتل الخطأ باستثناء حالاتٍ قليلة مثل قتل الوالد لولده، وأمَّا عند المذهب الحنفي فيكون شبه العمد عند الضرب بما ليس بسلاح ولا ما يأخذ حكم السلاح، وأمَّا المذهب الشافعي والحنبلي فقد ذهبا إلى الضرب وقصد إصابة المقتول بما لا يقتل مثل السوط الذي يُجلد به عادة أو ما شابهه،[٧] وقد قال البيهوتي في كشف القناع: "وشبه العمد أن يقصد الجناية: إما لقصد العدوان عليه، أو قصد التأديب له، فيسرف فيه بما لا يقتل غالباً، ولم يجرحه بها فيقتل، قصد قتله، أو لم يقصده، سمي بذلك لأنه قصد الفعل، وأخطأ في القتل"، وحكم القتل شبه العمد يُوجب أمرين اثنين فالأول منهما هو استحقاقه للإثم عند الله؛ لأنَّه ارتكب جرمًا في إزهاق روحٍ بغير حق وثانيهما هو تقديم الدية المغلظة على العاقلة، وبهذا ينتهي الحديث عن القتل شبه العمد والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[٨]

حكم القتل الخطأ

وبعد الوقوف على حكم القتل العمد وأحكامه وما يجب فيه، ومن ثم التطرُّق إلى القتل شبه العمد وبيان رأي العلماء فيه لا بدَّ أن يقف المقال على حكم القتل الخطأ عن غير قصد، فمما يتوجب على القاتل فيه هو الدية المخففة على العاقلة أو الكفارة التي تشمل عتق الرقبة المسلمة أو صيام شهرين متتابعين، حيث قال -تعالى- في سورة النساء: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَل َمُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}،[٩] ولمراعاة الزَّمان فإنَّه لا يوجد الآن عتق رقبة فسيكون الخيار الثاني هو الصوم، ولكن قد يتعذَّر على المسلم الصوم لحالة مرضيَّةٍ أو ما شابه ذلك فيكون بذلك الحكم هو على قولين لأهل العلم، فمال الجمهور إلى أنَّه لا إطعام على القاتل؛ وذلك لأنَّ الله لم يذكر حكم الإطعام في نصِّ كتابه وهو الأعلم بالظروف والأحوال، وأمَّا الشافعية فقد استخدموا القياس في المسألة فعلى القاتل الإطعام قياسًا على كفارة مسائل أخرى كالصوم والظهار، ولا بدَّ من النظر في سبب التعذُّر في الصِّيام فلو كان العذر مؤقتًا ينتظر حتى يقدر على الصِّيام، أمَّا لو كان أبديًّا فعليه الإطعام قياسًا على مسألة تعذر الصيام، والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[١٠]

المراجع

  1. "قتل"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-04-2020. بتصرّف.
  2. سورة النساء، آية: 93.
  3. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5809، صحيح.
  4. "مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-04-2020. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية: 178.
  6. "مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-04-2020. بتصرّف.
  7. "القتل شبه العمد (دراسة مقارنة)"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-04-2020. بتصرّف.
  8. "أنواع القتل وما يترتب على كل نوع من أحكام"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-04-2020. بتصرّف.
  9. سورة النساء، آية: 92.
  10. "أقوال العلماء في كفارة قتل الخطأ"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-04-2020. بتصرّف.
4717 مشاهدة
للأعلى للسفل
×