حكم اللعن؟

كتابة:
حكم اللعن؟

حكم لعن الشخص المعيّن

اللّعن هو الدعاء بالطّرد من رحمة الله -تعالى-، ويحرم على المرء أن يلعن مسلماً أو شخصاً معيَّناً، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مُحذِّراً من ذلك: (لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ)،[١] وقال: (ليْسَ المؤمِنُ بِالطَّعَّانِ، ولا اللَّعَّانِ، ولا الفاحِشِ، ولا البَذيءِ)،[٢][٣] ومَن رأى شخصاً يفعل أموراً سيِّئة فلا يحلّ له أن يلعنه بعينه، لأنّه قد يتوب من ذنبه، وقد يكون فيه مانعٌ يمنع حلول اللّعنة عليه.[٤]

واللّعن يتنافى مع الأخلاق الكريمة التي يجب على المسلم التحلّي بها، وخير قدوةٍ له في ذلك النبيّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (لَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَاحِشًا، ولَا لَعَّانًا، ولَا سَبَّابًا).[٥]

حكم اللعن بدون تعيين

فرّق العلماء بين اللّعن بالتعميم واللعن بالتعيين، فالأول يتمّ فيه اللعن بالوصف دون قصد أشخاصٍ معيّنين، وإن صدر من الإنسان فهو جائز، فقد ثبت في السنة النبوية عدّة أحاديث نبوية من اللّعن بالوصف دون تعيين، كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَعَنَ اللَّهُ الواشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ، والمُتَنَمِّصاتِ، والمُتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّراتِ خَلْقَ اللَّهِ).[٦][٤]

ومن أقوال أهل العلم التي تُثبت ذلك:

  • قول ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-

"لَا يجوز أَن يلعن شخص بِخُصُوصِهِ إِلَّا إِن علم مَوته على الْكفْر كَأبي جهل وَأبي لَهب. وَأما من لم يعلم فِيهِ ذَلِك فَلَا يجوز لَعنه، حَتَّى إِن الْكَافِر الْحَيّ الْمعِين لَا يجوز لَعنه؛ لِأَن اللَّعْن هُوَ الطَّرْد عَن رَحْمَة الله المستلزم لليأس مِنْهَا، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَلِيق بِمن علم مَوته على الْكفْر. وَأما من لم يعلم فِيهِ ذَلِك فَلَا...".[٧]

  • قول النووي -رحمه الله-

"اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعْنِ، فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ، وَفِي الشَّرْعِ الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْعَدَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- مَنْ لَا يُعْرَفَ حاله وخاتمة أمره... وَأَمَّا اللَّعْنُ بِالْوَصْفِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ؛ كَلَعْنِ الْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ، وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ، وَآكِلِ الرِّبَا...".[٨]

حكم لعن النفس

يحرم على المسلم أن يلعن نفسه حتى وإن كان يريد حثّها على شيءٍ أو منعها منه، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن لعن المسلم لنفسه فقال: (لا تَدْعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ).[٩][١٠]

حكم لعن الشخص العاصي

لا يجوز لعن شخصٍ معيَّنٍ حتى وإن كان عاصياً، قال ابن العربي -رحمه الله-: "أَمَّا الْعَاصِي الْمُعَيَّنُ، فَلَا يَجُوزُ لَعْنُهُ اتِّفَاقًا"، ويدل على ذلك أنّ رجلاً مسلماً جيء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأمر بجلده بسبب شربه للخمر، فقال رجلٌ من القوم: "اللَّهُمَّ العنْه، ما أكْثَرَ ما يُؤْتَى بهِ"؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ إنَّه يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ).[١١][١٢]

وجاء في روايةٍ أخرى أنّ النبي الكريم قال: (لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ علَى أخِيكُمْ)،[١٣] فجعل له حرمة الأخوّة، وفي رواية: (ولَكن قولوا: اللَّهمَّ اغفِر لَه، اللَّهمَّ ارحَمهُ)،[١٤] وهذا يوجب الرحمة به والشفقة عليه.

كما أنّ المذنب والعاصي بحاجةٍ أن يأخذ المسلم بأيديهم وينصحهم ويُشفق عليهم، لا أن يدعو عليه فيكون عون الشيطان عليه، وقد قال ابن حجر -رحمه الله-: "وَوَجْهُ عَوْنِهِمْ الشَّيْطَانَ بِذَلِكَ: أَنَّ الشَّيْطَان يُرِيدُ بِتَزْيِينِهِ لَهُ الْمَعْصِيَةَ أَنْ يَحْصُل لَهُ الْخِزْيُ، فَإِذَا دَعَوْا عَلَيْهِ بِالْخِزْيِ فَكَأَنَّهُمْ قَدْ حَصَّلُوا مَقْصُودَ الشَّيْطَانِ".[١٥]

حكم لعن الحيوان

أمر الإسلام بالرّفق بالحيوان والإحسان إليه، وحذّر من تعذيبه أو تكليفه ما لا يُطيق، وحرّم لعنه، ويدلّ على ذلك ما ثبت عن عمران بن الحصين -رضي الله عنه- قال: (بيْنَما رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ علَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذلكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَ: خُذُوا ما عَلَيْهَا وَدَعُوهَا؛ فإنَّهَا مَلْعُونَةٌ).[١٦][١٧]

ووجه الدلالة هنا أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر المرأة أن تدَعْ النّاقة زجراً وتأديباً لها لأنّها لعنتها، وكان قد بيّن فيما سبق عدم جواز لعن الدواب وشتمها، لأنّ هذا يتنافى مع خُلُق المسلم، ولا ذنب للدابة حتى تُلعن وإن كان ذلك لا يُخرجها من رحمة الله، ولكنّ في لعنها إساءة للصّنعة والصّانع.[١٧]

حكم لعن الرّيح أو أي شيء نحوها

لا يجوز لعن الرّيح أو أي جمادٍ أو شيءٍ آخر لا يستحقّ اللعن، ومَن فعل ذلك رجعت اللّعنة عليه، ويدلّ على ذلك ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه-: (أنَّ رجلًا لعنَ الرِّيحَ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ لا تلعنِ الرِّيحَ فإنَّها مأمورةٌ، وإنَّهُ مَن لعنَ شيئًا ليسَ لَه بأهلٍ رجعَتِ اللَّعنةُ علَيهِ).[١٨][٤]

والريح مأمورةٌ بأمر الله -تعالى-، سواءً جاءت بالرحمة أو النّقمة، فهي مُسخَّرةٌ بأمرٍ من الله -سبحانه-، فلا يجوز لعنها، ويدخل في هذا الباب أيضاً المرض، فلا يجوز لعنه؛ لأنّ ما يصيب الإنسان من أمراضٍ فهي من الله -سبحانه-، وقد يكون لعنها من قبيل السخط على أقدار الله، وعلى المسلم إنْ تلفّظ بشيءٍ من ذلك أن يسارع إلى الاستغفار والتوبة إلى الله، فيدعو لنفسه بالرحمة والشفاء بدلاً من لعن ما حوْله.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ثابت بن الضحاك، الصفحة أو الرقم:6105، صحيح.
  2. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عبد الله، الصفحة أو الرقم:29، صحيح على شرط الشيخين.
  3. صالح الفوزان، مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان، صفحة 714، جزء 2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "النهي النبوي عنِ اللعن (لا تلاعنوا)"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 7/9/2023. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6046، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:5948، صحيح.
  7. ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، صفحة 637، جزء 2.
  8. النووي، شرح النووي على مسلم، صفحة 67، جزء 2.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:3009، صحيح.
  10. "لا يجوز الدعاء على النفس باللعن ولو كان معلقا"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 7/9/2023. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:6780، صحيح.
  12. أبو بكر ابن العربي، أحكام القرآن لابن العربي، صفحة 75، جزء 1. بتصرّف.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6781، صحيح.
  14. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:4478، صححه الألباني.
  15. محمد صالح المنجد، كونوا على الخير أعوانا، صفحة 41.
  16. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:2595، صحيح.
  17. ^ أ ب "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 7/9/2023. بتصرّف.
  18. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1978، صححه الألباني.
5859 مشاهدة
للأعلى للسفل
×