حكم المبيت بمنى عند المذاهب الأربعة

كتابة:
حكم المبيت بمنى عند المذاهب الأربعة

حكم المبيت بمنى ليالي التشريق عند المذاهب الأربعة

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم المبيت في منى، وتفصيل ذلك كما يأتي:

عند جمهور الفقهاء

ذهب جمهور الفقهاء من الشافعيّة، والمالكيّة والحنابلة إلى أن المبيت في منى واجب من واجبات الحج، فمن ترك المبيت بلا عذر لزمه دم، واستدلوا بما يأتي:[١]

  • ما رواه جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: (رَأَيْتُ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يَرْمِي علَى رَاحِلَتِهِ يَومَ النَّحْرِ، ويقولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه)،[٢] فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ)؛ يقتضي الوجوب.
  • فعله -صلى الله عليه-، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أفاض رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مِن آخِرِ يَومِه حين صلَّى الظُّهرَ، ثم رجَعَ إلى مِنًى، فمكَثَ بها لياليَ أيَّام التَّشْريق).[٣]
  • أن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له،[٤] فدلَّ ذلك على أن الأصل الوجوب، والإذن رخصة.

عند الحنفية

ذهب الحنفية إلى أن المبيت في منى ليالي أيام التشريق سنة وليس بواجب، والأدلة على قولهم ما يأتي:[١]

  • أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخَّص للعباس أن يبيت بمكة من أجل سقايته، ولو كان المبيت بمنى واجبًا لما رخَّص له ذلك، وما كان للعباس أيضًا أن يترك الواجب لأجل السقاية.
  1. مبيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في منى ليالي أيام التشريق محمولٌ على الاستحباب لا الوجوب.

حكم المفاضلة بين التأخر والتعجل في المبيت بمنى

يجوز للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني من أيام الرَّمي؛ وذلك لقوله -تعالى-: (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ)،[٥]

ولكن للفقهاء قولان في المفاضلة بين التأخر والتعجل، فهل التأخر أفضل؟ أم أن التعجل أفضل؟ كما يلي:[٦]

  • ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة إلى أن التأخر إلى ثالث أيام التشريق أفضل من التعجّل، وهذه الأفضلية مستفادة من السُّنة، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أفاضَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- من آخرِ يومِهِ حينَ صلَّى الظُّهرَ، ثمَّ رجعَ إلى منًى، فمَكَثَ بِها لياليَ أيَّامِ التَّشريقِ يرمي الجمرةَ، إذا زالَتِ الشَّمسُ)،[٣] وكذلك التأخّر يتضمَّن الزيادة في الخير والطاعة؛ من المبيت في منى، ورمي الجمار.
  • أمَّا المالكية فقالوا إن التعجل والتأخرمستويان، ولا تفاضل بينهما.

الحكمة من المبيت في منى

شرع الله -تعالى- العبادة لحكم عظيمة أرادها، والأصل في المسلم أن يتبع أوامر الله سواءً أعلم الحكمة منها أم لم يعلم، ولعل الحكمة من المبيت في منى ليالي أيام التشريق هي تمكُّن الحاج من رمي الجمرات في اليوم التالي بكل يسرٍ وسهولة؛ نظرًا لقرب مكان منى على الجمرات، وكذلك حتى يتفرغ الحاج لذكر الله -تعالى- في منى.[٧]

وقت المبيت بمنى

يبدأ وقت المبيت في منى عند غروب شمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم العيد، وينتهي بنهاية كل ليلة من ليالي أيام التشريق، ويحصل المبيت بأن يمكث الحاج في منى كل ليلة أكثر ساعات الليل،[٨] وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وغيرهم؛ وذلك لأن مسمى المبيت لا يحصل إلا بمعظم الليل.[٩]

حكم ترك المبيت بمنى

من ترك مبيت ليلة واحدة في منى؛ فلا دم عليه، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة؛ وذلك لأنه لم يترك النُّسك كلَّه، فالليلة لا تعتبر نُسكًا بمفردها، ولكن يجب عليه في كل ليلة لم يبت فيها معظم الليل مُد من طعام، ففي الليلة الواحدة مد من الطعام، والليلتين مدان، ويلزمه عند المالكية دم.[١٠] والمد يُقدّر بـِ 600 غرام من القمح أو الأرز، ويُمكن إخراج قيمتها.[١١]

أمَّا إذا ترك مبيت ثلاث ليال؛ فعليه دم عند جمهور الفقهاء، من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهذا الحكم لمن ترك المبيت لغير عذر، أمَّا من تركه لعذرٍ فلا شيء عليه، وقال الحنفية لا شيء عليه مطلقًا، سواء أتركه لعذر أم لغير عذر؛ لأن الشرع لم يرد فيه بشيء.[١]

حالات سقوط المبيت بمنى

يسقط عن الحاج المبيت في منى، إن كان من المرضى أو كبار السن الذين تلحقهم المشقة بذلك؛ وذلك قياسًا على أصحاب سقاية الحجيج ورعاة الإبل الذين رخَّص لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك المبيت في منى؛ لانشغالهم بالرعي خارج حدود منى، وقيامهم على أمور السقاية بمكة، وقد ورد أن العباس استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أن يبيت بمكة ليالي منى، من أجل سقايته فأذن له.[١٢]

وكل من له عذر يشابه الأعذار التي رخَّص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك المبيت لأجلها؛ جاز له ترك المبيت، كمن كان له مال يخاف ضياعه لو اشتغل بالمبيت، أو يخاف على نفسه، أو له مريض يحتاج إلى تعهده، أو لم يجد مكان يبيت فيه، أو نحو ذلك من الأعذار الشرعية؛ وذلك من باب التيسير، ورفع الحرج، وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء.[١٣]

ما يسن للحاج عند مبيته بمنى

يستحب الإكثار من ذكر الله -تعالى- في أيام منى؛ وذلك لقول الله -تعالى-: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ)،[١٤] قال ابن عباس: أي أيام التشريق،[١٥] وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وذكرٍ لله)،[١٦] فينبغي على الحاج أن يكثر من ذكر الله -تعالى- في هذه الأيام المباركة، فقد قال الله -تعالى-: (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا).[١٧][١٨]

المراجع

  1. ^ أ ب ت وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 2265-2266. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1297، صحيح.
  3. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1973، صحيح إلا قوله حين صلى الظهر فهو منكر.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1634، صحيح.
  5. سورة البقرة، آية:203
  6. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 224. بتصرّف.
  7. ابن باز، "الحكمة من المبيت بمنى"، موسوعة الفتاوى، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2021. بتصرّف.
  8. محمد التويجري، كتاب مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 679. بتصرّف.
  9. "المَبيتُ بمِنًى لياليَ أيَّام التَّشْريق"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2021.
  10. "ما يلزم من ترك المبيت بمنى: معذورا وغير معذور"، إسلام ويب، 24-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 1-8-2021. بتصرّف.
  11. "المبيت في منى ليالي التشريق واجب يلزم بتركه دم"، دار الإفتاء الأردني، 18-11-2014، اطّلع عليه بتاريخ 1-8-2021. بتصرّف.
  12. "سُقوطُ المَبيتِ عن أصحابِ سِقايةِ الحَجيجِ ورُعاةِ الإبِلِ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2021. بتصرّف.
  13. سعيد حوَّى، كتاب الأساس في السنة وفقهها العبادات في الإسلام، صفحة 3107. بتصرّف.
  14. سورة البقرة، آية:203
  15. ابن كثير (1420)، تفسير ابن كثير (الطبعة 2)، صفحة 560، جزء 1. بتصرّف.
  16. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن بيشة الخير الهذلي، الصفحة أو الرقم:1141، صحيح.
  17. سورة البقرة، آية:200
  18. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 308. بتصرّف.
5853 مشاهدة
للأعلى للسفل
×