حكم تأخير الاغتسال من الدورة الشهرية

كتابة:
حكم تأخير الاغتسال من الدورة الشهرية

حكم تأخير الاغتسال من الدورة الشهرية

الأصل أنّ المرأة المسلمة عندما تتأكد من طهرها أن تُبادر للاغتسال، أما إن أخّرت الاغتسال فلا يخلو الأمر عن الحالات الآتية:

  • تأخير الغُسل للتأكد من انتهاء حيضتها

عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النِّساءَ كنَّ يبعثنَ إليها بالدُرْجةِ فيها الكرُسُفُ فيه الصُّفرةُ من دمِ الحيضِ، فتقولُ: لا تَعجلنَ حتَّى ترَيْنَ القَصَّةَ البيضاءَ، تريدُ بذلك الطُّهرَ من الحيضِ)،[١]فقولها (لا تَعجلنَ): تريد لا تعجلن بالاغتسال؛[٢]لأنّ اليقين لا يزول بالشك، فلها أن تتريث حتى تتأكد من طهرها، والدُرْجة: ما تضعه المرأة من أجل الحيض، والكرُسُفُ: القطن.[٣]

ويرى بعض أهل العلم أنها تنتظر يوماً كاملاً أو نصف يوم؛ ليتحقق الطهر، جاء في الشرح الكبير: "لا يثبت لها حكم الطاهرات إلّا أن ترى الطهر يوماً كاملاً؛ لأن الدم يجرى تارة وينقطع أخرى، فلا يمكن اعتبار مجرد الانقطاع، فلا بدّ من ضابط للانقطاع المعدود طهراً، واليوم يصلح أن يكون ضابطاً، فتعلق الحكم به".[٤]

وهذا ما رجحه ابن قدامة -رحمه الله- في المغني،[٥] والشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في الشرح الممتع،[٦]مع التنبيه أن من لها عادة معروفة منضبطة فتعمل بعادتها.

  • تأخير الغُسل بعذر

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "لا يجوز وطء الحائض والنفساء حتى يغتسلا، فإن عدمت الماء أو خافت الضرر باستعمالها الماء لمرض أو برد شديد تتيمم وتوطأ بعد ذلك، هذا مذهب جماهير الأئمة".[٧]

وإذا أصاب المرأة عذر يمنعها من الاغتسال الشرعي فلم تجد الماء مثلاً، أو كان استخدام الماء قد يؤثر في شفاء مرضها وأشباه ذلك من الأعذار الشرعية، فحينها تنتقل إلى بديل الطهارة المائية وهو التيمم،[٨]لكن ينبغي أن تراعي إذا ما كان بإمكانها الجمع بين الغسل في الأعضاء السليمة والتيمم في الأعضاء المصابة.[٩]

  • تأخير الغُسل بغير عذر

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (إذا رأتِ الطُّهرَ ولو ساعةً فلتَغتَسِلْ وتصلِّي)،[١٠]فالمرأة متى رأت الطهر فهي طاهر تغتسل، وتلزمها الصلاة والصيام، سواء رأته في العادة، أو بعد انقضائها، ولم يفرقوا بين قليل الطهر وكثيره،[٥]فلا ينبغي لها تأخير الاغتسال حتى لا يخرج وقت الصلاة وتقع في الإثم.

الاغتسال من الحيض في القرآن الكريم والسنة النبوية

الغسل من الحيض والنفاس وما شابهُهما من الأمور التي أكّدت عليه الشريعة الإسلامية، والأدلة كثيرة في كتاب الله وسنة النبي -عليه الصلاة والسلام، من أبرزها:

  • من القرآن الكريم

قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)،[١١] والمعنى: أن المحيض أصله السيلان، ويُقال حاض الوادي إذا سال، ثم أُطلق على الدم الذي ينزل من رحم المرأة في أوقات مخصوصة على وجه مخصوص.

وقد نهى الله -سبحانه وتعالى- المؤمنين عن مباشرة النساء -أي الجماع- في زمن الحيض، فقال: (حَتَّى يَطْهُرْنَ): وفيها قراءتان؛ بالتشديد وبها أخذ جمهور الفقهاء؛ أي لا تجامعوهن حتى يغتسلن، والثانية قراءة التخفيف وبها أخذ الأحناف، والمعنى حتى ينقطع الدم،[١٢]فينبغي للمرأة الاغتسال من الحيض حتى تؤدي العبادات الشرعية المطلوبة منها.

  • من السنة النبوية

عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ أبِي حُبَيْشٍ، سَأَلَتِ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فلا أطْهُرُ، أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ، فَقالَ: لا إنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، ولَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأيَّامِ الَّتي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وصَلِّي).[١٣]

أمور تعرف المرأة بها انتهاء دورتها الشهرية

باب الحيض يعتبر من أصعب أبواب الفقه عند الفقهاء، لأنّ الحيض مما تختلف النساء فيه بينهن، فمنهم من تحيض يوما وليلة، ومنهم أكثر من ذلك، والغالب فيه ستة أو سبعة أيام، من أجل هذا ينبغي على المرأة المسلمة أن تعرف أمور دينها فيما يخصها -ربما دون غيرها من النساء-، والفقهاء ذكروا علامات الطهر على النحو الآتي:[١٤]

  • الجفوف

أي أن تخرج الخرقة جافة ليس بها أثر الدم، ومعنى قولهم جفاف الخرقة أي لا تتغير إذا أدخلت محل الحيض.

  • القصَّةُ البيضاء

قيل في معناه ماء أبيض كالجير، وبعض النساء لا يرين هذا السائل، وقالوا في معنى القصَّة قطعة القطن التي تخرج بيضاء بعد انقطاع دم الحيض.

والأصل أن تعتمد المرأة ما اعتادت عليه من علامة طهرها، فهي من الأمور التي تعرفها النساء بطبيعتهن، وقد بيّن أهل العلم: "أنّ بعض السلف كان إذا سُئل عن الحيض، قال: ارجع إلى امرأتك لأنّ النساء أعرف منّا بذلك".[١٥]

ما يحرم على الحائض

تعدّدت آراء أهل الفقه في الأمور التي يحرم على الحائض الإتيان بها، وأغلبها مجمع عليه عند الفقهاء، وفي بعضها خلاف مبسوط في كتب الفقه، وأهمها ما يأتي:[١٦]

  • يحرم على الحائض الصلاة

أجمع الفقهاء على أن الصلاة تسقط بالحيض، ولا يجب عليها قضاء الصلاة.

  • يحرم عليها الصوم

من الأمور التي أجمع عليها الفقهاء بأن الحائض يحرم عليها الصوم ولا يصح منها، ويجب عليها قضاء ما فاتها من صيام الفريضة.

  • يحرم عليها الطواف

اتفق الفقهاء أنّ الحيض لا يمنع شيئا من مناسك الحج والعمرة إلا الطواف.[١٧]

  • يحرم عليها قراءة القرآن

وهو أمر مختلف فيه بين الفقهاء، وهذا مذهب الشافعي، وعن مالك وأحمد وأبي حنيفة روايتين إحداهما التحريم، والثانية الجواز، وأجمعوا على جواز التسبيح والتهليل وسائر الأذكار غير القرآن للحائض والنفساء.

  • يحرم عليها حمل المصحف ومسه

وهي من الأمور التي تعددت فيها آراء الفقهاء.

  • يحرم عليها المكث في المسجد
لكن يجوز لها عبوره بغير مكث ما لم تخف أن تصيب النجاسة أرض المسجد. 
  • يحرم وطء الحائض في الفرج

حيث يحرم الجماع في الفرج اتفاقاً.

  • يحرم الطلاق

ورغم أنه يحرم إيقاع الطلاق في الحيض، فإنّ جمهور الفقهاء اعتبروه واقعاً؛ لأن الأصل أن يقع الطلاق في طهر لم يجامعها فيه.

  • تبلغ به الصبية

اتفق الفقهاء أن الحيض من علامات بلوغ الصبية، وبه تصبح بالغة مكلفة.[١٨]

  • يمنع صحة الغسل التعبدي

منع الفقهاء صحة غسل العبادة للحائض، واتفقوا على سنية أغسال الحج، أما الاغتسال للنظافة (الاستحمام) فلا حرج فيه.[١٧]

  • الخلاف في سجود التلاوة وسجود الشكر

جمهور الفقهاء يرون بأنّ سجود التلاوة والشكر من جنس الصلاة، فيحرمان على الحائض،[١٨]والله أعلم.

  • يحرم الاعتكاف ولا يصح من الحائض والنفساء.
  • يوجب الغسل منه.

المراجع

  1. رواه الإمام النووي، في خلاصة الأحكام، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1/233، صحيح وذكره البخاري تعليقا.
  2. ابن عبد البر القرطبي (2000)، الاستذكار (الطبعة 1)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 325، جزء 1.
  3. محمد الزرقاني (2003)، شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (الطبعة 1)، القاهرة:مكتبة الثقافة الدينية، صفحة 232، جزء 1. بتصرّف.
  4. شمس الدين أبو الفرج ابن قدامة (1995)، الشرح الكبير (الطبعة 1)، القاهرة:هجر للطباعة والنشر، صفحة 474، جزء 2.
  5. ^ أ ب الموفق ابن قدامة المقدسي (1997)، المغني (الطبعة 3)، الرياض:دار عالم الكتب، صفحة 437، جزء 1.
  6. ابن العثيمين، الشرح الممتع على زاد المستقنع (الطبعة 1)، الرياض:دار ابن الجوزي، صفحة 500، جزء 1.
  7. ابن تيمية (1995)، مجموع الفتاوى، المدينة النبوية:مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 635، جزء 21.
  8. محمد العثيمين، رسالة في الدماء الطبيعية للنساء (الطبعة 1)، صفحة 38. بتصرّف.
  9. محمد بن أحمد الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، صفحة 166، جزء 1. بتصرّف.
  10. رواه الشيخ الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:286، صحيح.
  11. سورة البقرة، آية:222
  12. محمد طنطاوي (1997)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، القاهرة:دار نهضة مصر، صفحة 494-497، جزء 1. بتصرّف.
  13. رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:325، صحيح.
  14. دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة (الطبعة 3)، صفحة 388، جزء 8. بتصرّف.
  15. ابن عثيمين، تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة، صفحة 230.
  16. عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة 2)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 123-124، جزء 1. بتصرّف.
  17. ^ أ ب مجموعة مؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 319-320، جزء 18. بتصرّف.
  18. ^ أ ب مجموعة مؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 312-315، جزء 18. بتصرّف.
10446 مشاهدة
للأعلى للسفل
×