حكم قول عليه السلام لغير الأنبياء

كتابة:
حكم قول عليه السلام لغير الأنبياء

الشريعة الإسلامية

إنّ معنى الشريعة في اللغة هو الطريقة، وهو المورد الذي لا ينقطع الماء عنه، وقال ابن منظور إنّ العرب لا تسمّي مورد الماء شريعة إلّا إذا كان ماؤه لا ينقطع،[١] وأمّا اصطلاحًا فهي الدين الإسلاميّ عمومًا، أو يمكن القول إنّها الطريقة التي خطّها الله -سبحانه- لعباده ليسيروا على نهجها، يقول -تعالى- في سورة الجاثية: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}،[٢] وواضح أنّ معنى الآية هنا هو الطريق والصراط المستقيم الذي ينبغي للمسلمين السير عليه وهو دين الإسلام، والشريعة الإسلاميّة -كما يرى الإمام ابن حزم- قوانينها قديمة منذ أرسل الله -تعالى- الأنبياء؛ إذ قد أُرسِلوا بدعوة واحدة وهي دعوة التوحيد، والذين حملوا الرسالة هم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وينبغي للمسلم أن يُعقّب ذكرهم بقوله: عليهم السلام، ولكن قد يُقال ذلك في حقّ غيرهم من عباد الله المسلمين، وهذا المقال سيبين حكم قول عليه السلام لغير الأنبياء في الشريعة الإسلامية.[٣]

حكم قول عليه السلام لغير الأنبياء

إنّ حكم قول عليه السلام من المسلم لغير الأنبياء فيه خلاف بين العلماء حول الجواز أو الكراهية أو التحريم عند بعضهم، وتلخيص خلافهم حول هذا الأمر نقله ابن القيّم في أحد كتبه ونسب القول بالكراهية إلى عدد من الصحابة والتابعين كابن عباس وطاووس وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري ومالك بن أنس وأبي حنيفة وعمر بن عبد العزيز وأصحاب الإمام الشافعي رضي الله عنهم جميعًا، ونقل عنهم عشرة أدلّة في المنع، ونقل القول بالجواز عن عدد من أئمة السلف كالحسن البصري ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان وخصيف وكثير من أهل التفسير، وهذا القول كذلك هو قول الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن جرير الطبري رضي الله عنهم جميعًا، وساق لهم أربعة عشر دليلًا في إجازة هذا القول، ويقول الإمام ابن القيّم في نهاية حديثه عن هذه المسألة: "وفصل الخطاب في هذه المسألة أنّ الصلاة على غير النبي إمّا أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم، فإن كان الأول فالصّلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وجائزة مفردة، وأمّا الثّاني: فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عمومًا الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم جاز ذلك أيضًا، فيقال: اللهم صلِّ على ملائكتك المقرّبين وأهل طاعتك أجمعين"، ولكن ينبغي ألّا يكون ذلك شعارًا لرجل بعينه أو لقوم بعينهم؛ إذ ذاك شعار أهل الابتداع الذين يخالفون نهج الإسلام وسنة نبيه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك قال ابن كثير في حكم قول عليه السلام -أو عليه الصلاة والسلام- لغير الأنبياء إنّ في ذلك قولين: الأوّل هو أن يكون ذلك تبعًا؛ كأن يقول قائل صلى الله على أنبيائه وعنّا معهم، فهو جائز بالإجماع، وأمّا أن يكون القول على سبيل الانفراد -أي أن يُقال عن رجل منفردًا صلّى الله عليه- فهذا فيه أقوال:[٤]

  • قول أول يجيز ذلك: ودليلهم على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة: {أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}،[٥] وقوله -تعالى- كذلك في سورة الأحزاب: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚوَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا* تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}،[٦] وغيرها من الأحاديث التي تؤكّد أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يدعو لبعض الصحابة ممّن يزكّون ويتصدّقون بأن يصلّي الله عليهم، ودليل ذلك ما رواه عبدالله بن أبي أوفى، حيث قال: "كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، إذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بصَدَقَتِهِمْ، قالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عليهم فأتَاهُ أَبِي، أَبُو أَوْفَى بصَدَقَتِهِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ علَى آلِ أَبِي أَوْفَى"،[٧] وكذلك بدعائه لزوجة جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- بأن يصلّي الله عليهما.[٤]
  • قول ثانٍ يمنع ذلك: وحجّتهم أنّ ذلك خاصّ بالأنبياء وقد صار شعار لهم.
  • وقول ثالث يمنع ذلك: لأنّه صار شعارًا لأهل الأهواء.

وقال الإمام النووي إنّ المنع عن ذلك هو كراهة تنزيهيّة على أرجح الأقوال، وهذا رأي الشافعية، أمّا الحنابلة فالأمر جائز عندهم في الصلاة وفي السلام، والخلاصة أنّ حكم قول عليه السلام لغير الأنبياء جائز شريطة ألّا يكون شعارًا لأحد بعينه، والله أعلم.[٤]

مكانة الأنبياء والرسل

بعد الحديث عن حكم قول عليه السلام لغير الأنبياء فإنّ هذا المقال يقف ختامًا مع مكانة الأنبياء والرسل في الإسلام وعند المسلمين، فالأنبياء والرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- في الإسلام وعند المسلمين هم في درجة عالية من الحب والاحترام، ولعلّ أفضل ما يمكن قوله اختصارًا حديثٌ أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه يوضّح فيه هدي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في تعليم المسلمين عدم التفريق بين أنبياء الله صلّى الله عليهم وسلّم، فيقول الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: بيْنَما يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ أُعْطِيَ بهَا شيئًا كَرِهَهُ، فَقالَ: لا والذي اصْطَفَى مُوسَى علَى البَشَرِ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَامَ فَلَطَمَ وجْهَهُ، وقالَ: تَقُولُ: والذي اصْطَفَى مُوسَى علَى البَشَرِ، والنبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بيْنَ أَظْهُرِنَا؟ فَذَهَبَ إلَيْهِ فَقالَ: أَبَا القَاسِمِ، إنَّ لي ذِمَّةً وعَهْدًا، فَما بَالُ فُلَانٍ لَطَمَ وجْهِي، فَقالَ: "لِمَ لَطَمْتَ وجْهَهُ"؟ فَذَكَرَهُ، فَغَضِبَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى رُئِيَ في وجْهِهِ، ثُمَّ قالَ: "لا تُفَضِّلُوا بيْنَ أَنْبِيَاءِ  اللهِ، فإنَّه يُنْفَخُ في الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَن في السَّمَوَاتِ ومَن في الأرْضِ، إلَّا مَن شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه أُخْرَى، فأكُونُ أَوَّلَ مَن بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بالعَرْشِ، فلا أَدْرِي أَحُوسِبَ بصَعْقَتِهِ يَومَ الطُّورِ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي، ولَا أَقُولُ: إنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِن يُونُسَ بنِ مَتَّى"،[٨] وهذا الحديث جامع مانع في الإجابة عن مكانة الأنبياء والرسل -صلّى الله عليهم وسلّم- في الإسلام وعند المسلمين، والله أعلم.[٩]

المراجع

  1. "تعريف ومعنى الشريعة في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-04-2020. بتصرّف.
  2. سورة الجاثية، آية: 18.
  3. "ما هي الشريعة؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 22-04-2020. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "حكم الصلاة والسلام على غير الأنبياء"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 22-04-2020. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية: 157.
  6. سورة الأحزاب، آية: 43-44.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن أبي أوفى، الصفحة أو الرقم: 1078 ، حديث صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3414، حديث صحيح.
  9. "مكانة الرسل والأنبياء عند رسول الله"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-04-2020. بتصرّف.
9428 مشاهدة
للأعلى للسفل
×