حكم مصافحة غير المحارم

كتابة:
حكم مصافحة غير المحارم

السلام في الإسلام

خلق الله الأرض وجعل فيها خليقةً يعمرونها من كلِّ حدبٍ وصوب، وأرسل أنبياءه، فدعوا إلى الحسن من العادات والعبادات، ومن بين الأمور التي جاء بها سيد الخلق آدم هو السلام، فإفشاؤه من حقوق المرء على أخيه، وفيه خيرٌ عميمٌ وثوابٌ عظيم، وقد حضَّت الشريعة الإسلامية على ذلك الأمر في أكثر من نص، مثل قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[١] ومن صور السلام المصافحة، وهكذا لا بدَّ من الحديث في هذا المقال عن المصافحة في الإسلام، وحكم مصافحة غير المحارم.[٢]

المصافحة في الإسلام

يعدُّ كل أمرٍ أوجبه الشارع الحكيم هو في أصله لصالح الإنسان وذلك حتى تعمر الحياة بالتسامح والأخلاق وغير ذلك، ليكون المسلم رمز الخير وضدّ الشّرّ، ومن بين تلك الأمور كان السلام والمصافحة عند اللّقاء؛ إذ إنّها من العادات الحميدة التي كرّسها الإسلام، وقد جاء على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "مَا مِنْ مسلِمَيْنِ يَلتقيانِ فيتصافحان إلّا غُفِر لهما قبلَ أنْ يفترِقا"،[٣] وقد ورد أيضًا في الإسلام المصافحة بكلتا اليدين عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهذا ما ذهب إليه بعض الفقهاء من الحنفية والمالكية، فهي ليست بدعة إذًا، ولكن الأعمَّ أن تكون بيدٍ واحدة، والأمر هنا لا يقف عند يد واحدة أو اثنتين قدر ما يقف عند نشر المحبة والسلام وتوثيق روابط الأخوة، وبعد أن توضح معنى المصافحة في الإسلام لا بدَّ من الحديث عن المحارم وحكم مصافحة غير المحارم.[٤]

المحارم من جهة النساء

لكلِّ شيءٍ في هذه الحياة ضوابط تحكمه، وإنّ مما يمتاز به الإنسان عن الحيوان أن الإنسان محكومٌ بقوانين أنزلها له الله الحكيم عبر الوحي جبريل -عليه السلام- فالحيوان أسير غرائزه وشهواته ولا يفرق بين أخت أو زوجة، وأما الإنسان فقد كرمه الله العليم بالفطرة السليمة التي تأبى ذلك الخلط، وكرّمه بتشريعاته التي تبين له الطريق الصحيح وقد شرع الإسلام وبَّين أنّ للرّجال محارم من النّساء، ومحارم المرأة من الرجال ثلاثة أنواع: المحارم بالنسب، والمحارم بالمصاهرة، والمحارم بالرَّضاع، فأمّا المحارم بالنسب فهم: الأب والابن والأخ وابن الأخ وابن الأخت والعم والخال والجد، وهؤلاء سبعة محارم محرمة عليهم المرأة حرمة أبدية، وكذلك يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وقد اختلف العلماء في عدد الرضعات فمنهم من قال الرضاعة على العموم، ومنهم من ضبطها بعددٍ معيَّنٍ من الرضعات، وأما النوع الثالث فهو المحرم بالمصاهرة مثل أبُ زوج المرأة وابن زوج المرأة وزوج أم المرأة وزوج بنت المرأة، والوقفة القادمة ستكون عن المحارم من النساء حتى يمكن فيما بعد التفصيل في حكم مصافحة غير المحارم.[٥]

حكم مصافحة غير المحارم

عندما أنزل الله آية المحارم من النساء على الرجال كان على علمٍ بالأحكام التي تترتب عليها من تحليلٍ وتحريمٍ وخيرٍ وشرٍّ ومنكر ومعروف سترتكبه الأمم القادمة بحجة الحضارة والتفتح والانفتاح، ونسوا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه قال: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وذِراعًا بذِراعٍ، حتَّى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنا: يا رَسولَ اللَّهِ، اليَهُودُ والنَّصارَى؟ قالَ: فَمَنْ؟!"،[٦] فباتوا يتفاخرون باتباعهم للعنصر الأجنبي وتقليدهم لعاداتهم التي لا تورث المجتمعات الإسلامية إلا الضياع.

ومن العادات التي شاعت في الوسط الإسلامي هي عادة المصافحة من الرجل للمرأة الأجنبية عنه أو العكس دون أدنى شعورٍ بالذنب وهذا من الأمور المحرمة التي تورث صاحبها الذل والهلاك، حجتهم في ذلك بعضٌ من الكلمات الواهية التي ما زالوا يتناقلونها ويحاولون ستر الشمس بها إرضاءً لأنفسهم واتباعًا لشياطينهم، ولم يفطنوا إلى قول عمر بن الخطاب: لقد كنّا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيرهِ أذلنا الله.[٧] وقد قال عليه الصلاة والسلام: "لأن يُطعنَ في رأسِ أحدِكم بمخيطٍ من حديدٍ خيرٌ له من أن يمسَّ امرأةً لا تحلُّ له"،[٨] وهكذا يكون قد توضح حكم مصافحة غير المحارم، وحرمانية هذا الفعل وخطره على الفرد والمجتمع والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[٩]

حكم مصافحة العجوز

بعد أن تبين حكم مصافحة غير المحارم ومخاطر هذا الأمر وتبعاته على الفرد والأمة الإسلامية بأجمعها، كان لا بدَّ من التطرق إلى موضوعٍ آخر وهو حكم مصافحة العجوز وهي تعد من باب حكم مصافحة غير المحارم وهل تتبع في حكمها إلى النساء الشابات أم خصها الإسلام ببعض من الليونة؟

بدايةً قد اختلف العلماء في هذه المسألة ولم يكن لهم رأي واحدٌ فيه، وفي الاختلاف دائمًا رحمةٌ للمسلم حتى لا يضيق عليه، فذهب بعض العلماء ومنهم الإمام مالك والشافعي بأنه لا يجوز أبدًا لا إن كانت شابةً ولا إن كانت عجوز، وذلك لحديث عائشة: "ما مسَّتْ يدُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يدَ امرأةٍ قطُّ "[١٠] ولم تقل أنه صافح عجوزًا ولم يصافح الشابة من النساء، وأما القول الآخر الذي اختص به الإمام أحمد والحنفية بأنه يجوز مصافحة المرأة العجوز التي لا تشتهى ولا ترجو نكاحًا ولا تشتهي الرجال وهي في غير محل شهوة من الجنس الآخر، وذلك لقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا}[١١] وهكذا يكون قد تبين حكم مصافحة غير المحارم من العجائز والفتيات، والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[١٢]

فيديو عن حكم مصافحة الرجل للمرأة

وعادة ما يكون النظر أعلق في القلوب من القراءة، والسمع أنيط في النفس من المرور على الحروف، لهذا لا بدَّ من مقطع فيديو للدكتور بلال إبداح يبين ما خفي من الأمور بإذن الحكيم العليم.[١٣]

المراجع

  1. سورة النور، آية: 61.
  2. "إفشاء السلام"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-12-2019. بتصرّف.
  3. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن البراء بن عازب ، الصفحة أو الرقم: 5212، سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] .
  4. "هل من السنة المصافحة باليدين جميعا ؟ "، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 07-12-2019. بتصرّف.
  5. "محارم المرأة من الرجال "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-12-2019. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 7320، [حديث صحيح].
  7. "كنا أذل قوم فأعزنا الل رابط المادة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 09-12-2019.
  8. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم: 3/89، رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح.
  9. "مصافحة غير المحارم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-12-2019. بتصرّف.
  10. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2342، حديث صحيح .
  11. سورة النور، آية: 60.
  12. "التفريق بين حكم مصافحة الشابّة ومصافحة العجوز"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-12-2019. بتصرّف.
  13. "حكم مصافحة الرجل للمرأة"، www.youtube.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-12-2019. بتصرّف.
3059 مشاهدة
للأعلى للسفل
×