مفهوم الحيض
يُعرفُ الحيضُ في اللُغةِ بأنَّه السيلان، ويُقال حاضَ السيلُ، أي أنَّهُ فاض، وأما في الاصطلاحِ فهو دمٌ يخرجُ من رحمِ المرأَةِ، في حالِ بلوغِها، ويكونُ في أيامٍ معينةٍ من كُلِ شهر، ويوصفُ بأنَّهُ دمٌ ثخينٌ، ذو رائحةٍ كريهةٍ، لا يتجمدُ ولا يتجلطُ، ولا يوجدُ حدٌ معينٌ لأقلِ سنِ الحيض، كما أنَّهُ لا حدَّ لأكثرِهِ، وكذلك لا يوجدُ حدٌّ لأقلِ مُدةٍ للحيضِ، ولا لأكثرِها، وهو دمٌ طبيعيٌ، وأمرٌ طبيعيٌ كتبَهُ اللهُ على النساء، حيثُ قالَ رسول الله: "هذا شيءٌ كتَبَه اللهُ على بنات آدَم"،[١] وللحيضِ أحكامٌ جاءت بكتابِ اللهِ، وسُنةِ نبيهِ، ومنها ما هو حلالٌ وما هو حرام، وسيأتي بيان حكم وطء الزوجة أثناء الحيض.[٢]
حكم وطء الزوجة أثناء الحيض
لا خلافَ بينَ العُلماء على أنَّ حكم وطء الزوجة أثناء الحيض، مُحرمٌ شرعًا،[٣] ودليلُ ذلك قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}،[٤] قالَ المُفسرونَ في هذهِ الآيةِ أنَّ الوطء المقصود هو الصريح، وموضِعهُ الفرج، مُستدلين بما جاءَ في السُنة، أنَّ رسول الله قال: "اصْنَعُوا كُلَّ شيءٍ إلَّا النِّكَاحَ"،[٥] واستدلوا على ذلك أيضًا بما رويَ أنَّه "كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِن نِسَائِهِ أمَرَهَا، فَاتَّزَرَتْ وهي حَائِضٌ"،[٦] فتَدلُ هذه الأحاديث في مجملِها، على حُرمة وطء الزوجة في الفرج في أثناء الحيض، واختلفَ الفقهاءُ في استمتاعِ الزوجِ بزوجتهِ في هذه الفترةِ على قولين:[٧]
- قول الحنفية والمالكية والشافعية: للزوج أن يستمتعَ بزوجتِهِ، وهي حائض، فوقَ السُرةِ وتحتَ الرُكبة، ودليلهم في ذلك الحديث سالف الذكر، وهو إباحةُ رسول الله الاستمتاع بالزوجة في فترةِ الحيضِ من فوق الإزار، ومعلومٌ أنَ الإزار هو ما يسترُ وسطَ الجسمِ، وهو ما بين السرةِ والركبةِ، وسببُ منعِ الاستمتاع في هذا المكان أنَه وسيلةٌ للوطء، وللوسيلةِ حُكم المقصد، وأما ما يجبُ في حالِ أنْ وطءَ الزوجُ زوجتهُ وهي حائض، فقد ذهبَ هذا الفريق بالإضافةِ إلى روايةٍ عن الإمام أحمد، إلى أنه لا شيئ على من يفعل ذلك، وعليهِ أن يتوبَ لله تعالى، مستدلين على ذلك بأن الأصل هو براءةُ الذمة، فلا يوجبُ عليها كفارة إلا بدليل، ولأنَ هذا الفعل محرمٌ للأذى، فلم تكن لهُ كفارة.
- قول الحنابلة: أنه يجوزُ للزوجِ الاستمتاعُ بزوجتِهِ في فترةِ الحيض كيفما شاء ما عدا الجماع، واستدلوا بالحديث السابقِ الذي أباحَ فيهِ رسول الله كل شيئ ما عدا النكاح، وروي عن الإمام أحمد رواية ثانية، في حالِ أن جامعَ الزوج زوجته في حيضِها، وهي أن الزوج تلزمه كفارة دينار أو نصف دينار، ودليلهم في ذلك قول رسول الله فيمن يأتي امرأتَهُ في حيضِها، أن يتصدق بالدينارِ أو نصفه، وهو ما يُقارب أربعة جرامات وربع الجرام من الذهب.
ما يحرم بالحيض
بعد بيان حكم وطء الزوجة أثناء الحيض، وبيانِ حُرمتِهِ، وما يتعلق بهِ ،سيأتي بيانُ بعض الأحكامِ للحائض، فلها أحكامٌ كثيرةٌ، وفي هذهِ الفترةِ، هناك أفعالٌ وعباداتٌ يحرُمُ عليها فعلها وهناكَ ما بقيَ على حلّهِ ولم يحرمه الله تعالى عليها، ومنها ما يأتي:[٨]
- الصلاة: سواءً كانت نافلةً أم فرضًا، ولو أدتها فصلاتها غيرُ صحيحة، ولا تقضي الحائض ما فاتها من الصلواتِ بعد طهرِها، ودليلهُ ما روته عائشة أم المؤمنين فقالت: "كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ".[٩]
- الصوم: وهو محرمٌ عليها فرضًا ونفلًا، ولو صامت فصيامها غيرُ صحيح، وعليها قضاء الفريضة بعد طُهرها.
- الطواف بالبيت: وهو فعلٌ لا يصحُ منها حتى لو أدتهُ تطوعًا ونفلًا.
- المكوث في المسجد.
- الجماع: وقد سبقَ بيانه.
- الطلاق: وحكمُ طلاقِ الحائض في حيضها حرام، وهذا لأنه لو طلقها لا تبدأ باحتسابِ العدةِ، وذلك لأنَ أيام الحيض لا تُحتسب منها.
- طواف الوداع: في حال أدت المرأة مناسك الحج والعمرة وبقيَ طواف الوداع، فإنهُ يسقط عنها، ولا تؤديه، وهو آخر ما يفعلهُ الحآج والمعتمر، أما طوافُ العمرةِ والحج فإنه لا يسقطُ عنها، وعليها أن تؤديهِ في حالِ طُهرها، ودليلُ ذلك ما رواه ابن عباس عن رسول الله فقال: "أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ، إلَّا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ".[١٠]
ما يحلّ بالحيض
بعدَ بيان ما لا يحلُّ للحائضِ فعله، وهي من فعالٍ وعباداتٍ، هناكَ أمورٌ بقيت على حلّها، ولم يحرمها الله تعالى عليها؛ ومن ذلك ذكرُ الله تعالى، من تسبيحٍ، وتحميدٍ وتكبيرٍ، واستغفارٍ، وتوبةٍ لله تعالى،[١١] وذكر الله عند البدءِ بالطعام، وقراءةُ حديث رسول الله، والعلوم الشرعيةِ، والدعاء، والاستماع للقرآن الكريم، وأما قرائتها للقرآن، فجمهور العلماء متفقون على أنه لا يجوز للحائض قراءةُ القرآن، وإنما يجوز لها قراءتُهُ بنفسِها، أي تأملًا بقلبها، أو نظرًا بعينها، من دونِ لمسِ المصحف، ومن دونِ النطق به، كما ويحلُّ للحائضِ بقيةُ أفعالِ الحجِ والعمرةِ غير الطواف، كالوقوفِ بعرفة، والسعي بينَ الصفا والمروة، ورمي الجمار، والمبيت بمزدلفة، ودليلُ هذا ما قاله رسول الله لعائشةَ أم المؤمنين، عندما حاضت وهي تقصدُ الحج، فقال لها رسول الله: "افْعَلِي ما يَفْعَلُ الحَاجُّ غيرَ أَنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي"،[١٢] ويحلُّ لها كل ما يُفعلُ بينَ الزوجين، ما لم يكنُ جماعًا صريحًا، ويحلُّ طلاقُ الحائضِ إذا كانَ قبل الدخول والخلوةِ، وإذا كانَ حيضها في وقتِ حملها، أو كانت هي من طلبت الطلاق، مقابلَ فداءً منها، كما ويحلُ أن يُعقد على المرأةِ وهي حائض، ما لم يكن هناك دخول.[٨]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1211، حديث صحيح.
- ↑ "تعريفُ الحيض وصِفةُ دمِه"، www.dorar.net، 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ "حكم الجماع وقت الحيض وكفارته"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-20. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:222
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:302، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:303، حديث صحيح.
- ↑ "أقوال الأئمة الأربعة في ما يلزم من جامع امرأته الحائض"، www.islamweb.net، 2020-05-11. بتصرّف.
- ^ أ ب "أحكام الحيض"، islamqa.info، 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:335، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1328، حديث صحيح.
- ↑ "ما يحل للحائض وما يحرم"، binbaz.org.sa، 2020-05-12. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1211، حديث صحيح.