خاطرة عن الصداقة

كتابة:
خاطرة عن الصداقة


صديقي من صدقني في صداقته

قوة القرار وجرأة في قول الحق من أهم مسبباتهما الصديق الصدوق المخلص، الذي يقف جنبًا إلى جنب مع صديقه، يصدقُه القول، يصارحه بما يجول في خُلده، يهدي إليه عيوبه، يعلم ما يفرحه فيففعله، ويترك ما يحزنه فيتجنبه، إنه الصديق الذي يجب أن يتمسك الإنسان بعُرى صداقته، ويعضّ عليها بالنواجذ، فقلما يجد الإنسان صديقًا له هذه الصفات الجليلة، والسمات العظيمة في الحياة التي تضجّ بالماديّات والمصالح الشخصية.


إنّ الصادق في صداقته هو الذي يبتعد عن المحاباة والمجاملة، فلا يمكن للوردة أن تنبت وتثمر ويفوح أريجها عبقًا إذا سُقيت بماء آسنٍ، وكذلك الصداقة لا تستمر إذا بُنيت على المجاملة والكذب والمحاباة، فمما يُقال: صديقك من صدَقك لا من صدّقَك، فهو الذي يصدق في القول ولو كان مخالفًا لأهواء الصديق، وهو الذي ينصر صديقه سواء كان ظالمًا أم مظلومًا، إلّا أن نصره للصديق وهو مظلوم يكون بتقويته ومساعدته في دفع الظلم عنه.


أمّا إذا كان ظالمًا فنصرة الصديق له تكون بردعه عن هذا الظلم، ونصحه بتركه، فهذه هي الصداقة التي تحيي القلوب، وتنعش الروح، وتشرئب بها العقول، فتشتد أواصر الحب والود والاحترام بين الأصدقاء، وتعلو صيحات الفرح والسعادة بفضل التناغم والانسجام في الفكر والعقل والكلام والأخلاق، عندها تزهو المجتمعات بأفرادها، وتصير العلاقات أرقى، والحياة أنقى، والقلوب أصفى وأتقى.


نِعم الصداقة ما تكون مساوية للأخوة! فكم من صديق شابه الأخ في المرتبة والحب والاحترام والمساعدة، وكما يُقال: رُبّ أخٍ لم تلده أمك، فالأخ الحقيقي هو الذي يكون سندًا ودعمًا وقوةً في الحق، ويكون رادعًا ناصحًا ناطقًا بالحق في المواقف التي تتطلب ذلك، فلتحافظوا على ذلك الصديق الذي يُصارحكم ولا يخاف لومة لائم في قول الصدق، ولتنحنوا إجلالًا لتلك الصداقات التي لم تغيرها الحياة ومشاقها ومادياتها.

صديقي من يمنحني ثقة بنفسي

كثيرون هم الأصدقاء في حياتنا، وقلة منهم من يكونون على قدر المسؤولية التي تحملها كلمة الصداقة، فالصديق الصادق هو الذي ينظر إلى صديقه بعين الأمل والحب والتفاؤل، يشعره أنه يعلّق آماله به، يشدّ عضده، ويقوّي همّته، ويدعم أفكاره، ويوجهه لكل ما هو صحيح، فيرفع من معنوياته، ويزيد من إصراره، ويشحذ حماسه، وعندها سيفخر الصديقان وهما يمسكان بتلابيب بعضهما ويرقَيان أعلى مراتب النجاح.


بئس الصديق الذي يثبط الهمة، ويرضى بالوادي دون القمة! وحذار أن تختار صديقًا يثبّط همتك ويبعدك عن المغامرة، فلا قيمة لاجتياز الصحارى لولا تحمل مصاعب أشواكها، ولا فرحة للنجاح دون اجتياز الصعاب والمغامرة بكثير من الأمور الغالية في الحياة، وانتقِ الصديق الذي يشدك من يدك ولسان حاله يقول: هلمّ بنا نمضي معًا، ننهل علمًا، ونحيي أرضًا، نرقى من السهول إلى أعلى القمم، وما ذلك إلا باتفقانا واتحادنا وصداقتنا.


الصداقة هي تلك التي تجعلك تنتقل من مكان لآخر، من غيضٍ إلى فيضٍ، فترقى للأعلى، وتنظر إلى ما كنتَ عليه قبلها، وتفرح بما أنت عليه، فتكون أنت السعيد بما جعلك عليه صديقك، وهو الممتن بما قدّمته له في هذه الصداقة، هي عطاء بلا مقابل، لا مرابح مادية في عطاء الصداقة، فعندما تمنح صديقًا ثقتك به فإنّك أنعشت روحًا ربما يبست وجفّت من كثرة إحباطات الحياة، وأنت من سقاها ماءً نديًا فأعادها جنّة غنّاء.


إنّ منح الثقة للصديق يترتب عليه الكثير من الإيجابيات، فبالثقة سينجح الإنسان، وبالثقة سيجتاز ما كان يظنه مستحيلًا، سيحاول بكل جهده وطاقاته لأنه يعلم أن هناك من يراه وهو ينجح، من ينتظره ليرى إنجازه، وهو من الداخل يأبى أن يخذل صديقه، لذلك سينجح ويتميز، وسيكون أيضًا محفّزًا للآخرين من حوله، سيجعلهم يحاولون ويعرفون أنه لا شيء مستحيل، وكل هذا ليس إلا بسبب ثقة غرستَ بذرتها في قلب صديقٍ غالٍ على قلبك.

صديقتي هو الذي يحفظ ودي

إنّ قوة البدايات تؤدي إلى روعة النهايات، هذا ما يقال في الحياة، إلا أنّ الصداقة يجب أن تتحلى بقوة البدايات، كي تحافظ على متانتها وتأبى الوصول إلى النهايات، فكم من صداقة تلاشت مع مهب أول ريح، وكم من صديق لوّى برأسه معرضًا عن سماع صديقه لمجرد نميمة أُفشيت بينهما، وراح يحدّث عنه في كل مكان، وكل مناسبة بما يعلم وما لا يعلم، فلا قيمة لصداقة لم تأخذ من اسمها نصيب.


كل الاحترام لذاك الصديق الذي حفظ الود وأدّى الأمانة التي تليق بالصداقة، فكان صادقًا، وكان حافظًا لكل صغيرة وكبيرة في علاقته مع صديقه، فلم يخنه أمانةً، ولم يفشِ سرّه، ولم يحرّض عليه من حوله، وتُرفع القبعة احترامًا لذلك الصديق الذي يكون في غياب صديقه كما هو في حضوره، فلا يغتابه ولا يذمّه ولا ينتقده، إنما يدافع عنه، ويلتمس له العذر، ويوضح أعذاره لمن غضب منه.


فما هُدمت صداقة بُنيت على المصارحة، بل إنّها هي التي تدوم وتمتد إلى آخر العمر، وهي التي تجعل من الصديقين أكثر ترابطًا ببعضهما، فما يُذكر أحدهما إلا ويُلحق اسم الآخر به، وما ذلك إلا لنية طيبة بُنيت عليها الصداقة، وعمل صالح قوّى أواصر الصداقة وأخذ بها نحو علياء العلاقات الاجتماعية، وكلما كانت الصداقة مبنيّة على الأسس كلما كانت أشد ثباتًا ومتانة.


فالود محفوظ بين الأصدقاء الحقيقيين، والحب مغروس ضاربٌ جذوره في الأعماق بين الأوفياء من الأصدقاء، فحالهم كحال الصديق الذي وصفه محمود سامي البارودي:[١]

لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تَعْلُو مَنَاسِبُهُ

بَلِ الصَّدِيقُ الَّذِي تَزْكُو شَمَائِلُهُ

إِنْ رَابَكَ الدَّهْرُ لَمْ تَفْشَلْ عَزَائِمُهُ

أَوْ نَابَكَ الْهَمُّ لَمْ تَفْتُرْ وَسَائِلُهُ

يَرْعَاكَ فِي حَالَتَيْ بُعْدٍ وَمَقْرَبَةٍ

وَلا تُغِبُّكَ مِنْ خَيْرٍ فَوَاضِلُهُ




لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن الصداقة وأهميتها.

المراجع

  1. "ليس الصديق الذي تعلو مناسبه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 03/03/2021م.
2802 مشاهدة
للأعلى للسفل
×