خصائص النثر في العصر الإسلامي

النثر في العصر الإسلامي

جاء الإسلام بنوره ليفتح آفاقاً جديدة في تاريخ الإنتاج الأدبي العربي، حيث كان نصيب النثر في هذا العصر أكثر ازدهاراً من الجاهلية، بسبب توافر دواعي نشاطه من حاجة المسلمين للدفاع عن دينهم، ولنشر الدعوة الإسلامية وتبليغها للقبائل والدول المجاورة بهم، بالإضافة إلى تحفيز وقائع الفتوحات لتنشيط الكتابة والخطابة اللذين هما أحد ضروب النثر، كما أنّ النثر اكتسب أهمية إضافية لاقترنه بتسجيل أحداث التاريخ ووقائعه ليُنقل عبر العصور،^[١][٢] وفي هذا المقال جرى الحديث حول النثر الفني في عصر صدر الإسلام، أو بما يسميه المؤرخون بالعصر الإسلامي،^[٣] وأبرز خصائصه، وبعض أنواعه.

خصائص النثر في العصر الإسلامي

تميز النثر وتطور منذ انبثاق نور الإسلام، وكان له ما يميّزه من خصائص ومنها:^[٤]

• جزالة الألفاظ وسهولتها، واستخدامها بالشكل الذي يراعي المعنى المناسب.
• الاقتباس من القرآن الكريم والاستناد إليه، فهو المنبع الذي يستند إليه الأدباء والخطباء في معانيهم؛ لأنهم يخطبون ويكتبون من فيض بلاغته ووحي روحه.
• صدق العواطف، وصفاء النفس، وسمو الغرض في تلك الأغراض النثرية.
• جزالة الأساليب المستخدمة ذات البناء محكم الصياغة، والذي يخلو من الصناعة والتكلف والقصد، فإن وقع ذلك فإنه يكون من عفو خاطر صاحبه غير متعمد، كما يراعي الإيجاز في الكتابة، والبساطة في تقديم الحقائق من دون مبالغة.
• تعدّد أشكال النثر الفني في هذا العصر حيث شملت ما سيأتي عليه الذكر.

تنوُّع النثر الفني في العصر الإسلامي

لم تختلف أنواع النثر التي ظهرت في العصر الإسلامي كثيراً عن تلك التي كانت في العصر الجاهلي، إلا أنها تميزت عنها ونشأت فيها بعض الضروب والأنواع، ومنها:^[٥][٦]

الخطب

قوّى الإسلام ألسنة العرب أكثر ممّا كانت عليه في الجاهلية، لأنه يدعو إلى التقوى واتباع دين الحق، فازدهرت الخطابة، والتي يمكن تعريفها على أنها فن أدبي كلامي غرضه الإقناع، يبتغي الخطيب منه إقناع السامعين، والتأثير في مشاعرهم وعواطفهم وعقولهم؛ لاتباع مذهبه وتأييد رأيه، ومن أنواع الخطبة: الخطبة القضائية، والخطبة السياسية، وخطبة الصلح، والخطب الاجتماعية، والخطبة التي تُلقى في المحافل، والخطبة الدينية.

ومن خصائص الخطبة في هذا العصر أنها تأثرت بالدين الإسلامي فأصبحت تستهل في بدايتها بالحمد والتمجيد لله، فإذا لم يذكر بها ذلك سميت بالخطبة البتراء، ثم تتزين بالصلاة على النبي، وإلا سميت بالشوهاء، وقد تراوح طول الخطبة بين الطول والقصر بحسب الحدث الذي تُلقى به، فيما حرص الخطباء على تساوي جمل الخطبة، وجزالة ألفاظها، وكرهوا فيها التكلف والصنعة، فكانت تكتب بالطبع والفكرة، كما أنهم مالوا إلى الاستشهاد بآيات القرآن الكريم؛ حتى يؤيدوا فكرتهم، ويوضحوا موقفهم، ومن الأمثلة عليها: خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم التي ألقاها في حجة الوداع (خطبة الوداع) .

الأمثال

المثل هو أحد الفنون الأدبية والأساليب النثرية التي استخدمت كثيراً في البيئة العربية، وهو القول السائر الذي يضرب ليبيِّن مدى تشابه حال الثاني بالحال الأول الأصلي الذي قيلت فيه، ومن خصائصه التي برزت في العصر الإسلامي أنه كان مصيباً للمعنى، ومجيداً لحسن التشبيه، وفيه إيجاز للألفاظ، كما أنه من أكثر الأجناس الأدبية التي نطقت بها ألسنة الناس، فهو نوع يحكي قصص الأمم، ويبين نتائجها، ومن الأمثال التي قيلت في هذا العصر، (يد الله مع الجماعة)، و(نية المرء خير من عمله).^[٧]

الوصايا

الوصية لون نثري قديم في اللغة العربية يتضمن معنى الحكمة والحث على الأخلاق، فهو كلام يقوله الرئيس لقومه أو يكتبه، وقد يكون هذا الرئيس رئيساً على قبيلته وعشيرته، أو مجرد أب لأبنائه، فهذا الكلام يكون بأمر من أمور الدين أو الدنيا، والغالب فيها أنها تقال عندما يشعر صاحبها بدنو أجله واقترابه، أو أن يعزم على السفر.

ومن أنواعها الوصايا: الوصية الدينية التي يوصي بها صاحبها الناس كأن يعملوا الصالحات، ويحفظوا القرآن، أي أنها تحث المتلقين على الامتثال لأوامر الله واجتناب نواهيه، ومن الوصايا الدينية ما وصى به علي بن أبي طالب لابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم جميعاً حينما دنا أجله، أما الوصية الاجتماعية ففيها يسجل صاحبها خبراته ومشاهدته وتجاربه وخلاصة حياته وشبابه ليضع لمن خلفه الأساس في كيفية التعامل مع الناس والأمور، فهي أشبه بالتحذيرات الناتجة من خبرة صاحبها، ومن هذه الوصايا ما قام به ابن سعيد حينما أوصى ابنه بأن ينزل كل شخص منزله، كما أنه يوجد أنواع أخرى من الوصايا كالوصية السياسية.

الرسائل

الرسالة عبارة عمّا يكتبه الإنسان لإخوانه في أحد الأمور الشخصية كالعتاب، أو التعزية، أو التهنئة أو غيرها، ويسمى هذا النوع بالرسائل الإخوانية، والذي يكتبه الحاكم أو ما ينوب عنه للرعية يمثل الرسائل السلطانية، والذي يكتبه رؤساء الدواوين إلى ولاتهم وعمالهم في أي شأن من شؤون الدولة يمثل الرسائل الديوانية، والذي يُكتَب ليس للتراسل وإنما يُكتب بغيةً في الإفصاح عما يدور في نفس صاحبها حول موضوع معين، وهذا النوع أغلب مواضعه تدور حول العلم والأدب والفلسفة.

انتشرت الرسائل في العصر الإسلامي رغبةً في نشر الدعوة الإسلامية وتحقيقها، ومن خصائصها في العصر الإسلامي أنها: رسالة تهدف إلى الإفهام والتوضيح من دون تجميل، وهي تستخدم الصراحة في الأسلوب، وبسيطة تراكيبها اللغوية، فضلاً أنها ذات فكرة محكمة، ومن الأمثلة عليها: كتاب الصلح الذي كان بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين قريش عقب صلح الحديبية.

العظات الأخلاقية

في الأصل إن العظة هي نوع من الخطب التي تبنى على أسلوب الترغيب والترهيب، وطلب التزهد في الدنيا، والتحبب في الآخرة والعمل لها، ومن الأمثلة عليها ما كان يعظ به الرسول صلى الله عليه وسلم قومه.

الكتابة

تعد الكتابة من أشهر الفنون التي ظهرت مع عصر صدر الإسلام، ففيها يعبر الكاتب عن آرائه وأفكاره ومشاعره واحتياجاته لينقلها إلى الآخرين، ومن الأمثلة عليها: كتّاب الوحي، وكان خالد بن سعيد بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان يكتبان ما بين الناس.

المراجع

1. ↑ ابتسام الصفار، الأمالي في الأدب الإسلامي، صفحة 30. بتصرّف.
2. ↑ زكي مبارك، النثر الفني في القرن الرابع، صفحة 57.
3. ↑ نادية خميس (2009)، "النثر الفني في عهد النبوة"، مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، العدد 1، المجلد 8، صفحة 136. بتصرّف.
4. ↑ نادية خميس (2009)، "النثر الفني في عهد النبوة"، مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، العدد 1، المجلد 8، صفحة 140-147. بتصرّف.
5. ↑ نادية خميس (2009)، "النثر الفني في عهد النبوة"، مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، العدد 1، المجلد 8، صفحة 142-144. بتصرّف.
6. ↑ بن حيزية هاجر، قسمية كريمة، البنية الفنية في عصر صدر الإسلام نماذج من خـطب الرسول صلى الله عليه وسلم، صفحة 32-64. بتصرّف.
7. ↑ زايدي أحلام، قراوي نادية، النثر الفني عند الجاحظ، صفحة 24-25. بتصرّف.