خصائص النثر في العصر العباسي

كتابة:
خصائص النثر في العصر العباسي


خصائص النّثر العبّاسيّ

من أهم خصائص النّثر العباسي ما يأتي:

الغنى الحضاري

تميّز العصرُ العبّاسي بظاهرةٍ جديدة وهي ظهورُ ثقافاتٍ جديدةٍ وافدة انصبّت على العربِ من الأمم العريقة المجاورة (فارسيّة، هنديّة، يونانيّة) أغنت اللغة العربية بالمعاني العقليّة والفلسفيّة، واتّسعت لغة الصّحراء وغدت لغة ثقافة وحضارة قادرة على استيعاب مختلف المعارف الإنسانيّة في القرون الوسطى،[١] وقد كانت فروع النثر العربي في هذا العصر كالآتي:[١]
  • النّثر العلمي: أي كتب الفقه والطب والفلك والتاريخ.
  • النثر الفلسفي: الّذي غلب على كتب الفلسفة والمنطق وعلم الكلام.
  • النّثر الفني الخالص: أو النّثر الأدبي الّذي تجلّى في كتب الأدب، والنّقد، والرّسائل والمقامات.


لقد ضَعُف فنّ الخطابة في هذا العصر بسبب ضعف الأحزاب السياسية الّتي كانت منبثة في العراق في العصر الأموي، إذ قضى العباسيون على الخوراج، ولكن النّثر الكتابي ارتقى، فقد أخذت الكتب الأجنبية تترجم مما أحدث نهضة واسعة في للتّدوين والتّأليف.[١]


التعقد والموسوعيّة

تميّز النثر في هذا العصر بالتعقد والموسوعية، والمقصود بالتعقد تعقد الأفكار، وغزارة المعاني واتّساعها، وهو ما جاء نتيجة طبيعية للغنى الحضاري، فأصبح كلّ كاتب كالجاحظ، والتوحيدي، وغيرهما من الأعلام كاتباً موسوعي الثّقافة.[١]


فكتاب ككتاب الحيوان للجاحظ، وهو كتابٌ علميّ وأدبي في الوقت نفسه، يقع في سبعة أجزاء، وهو يتحدّث عن الحيوانات، والإنسان، والبيئات الجغرافية، والأعشاب الطبيعية، إضافة إلى الأمثال، والأخبار والنّكت الأدبيّة وغيرها، فالجاحظ إنسان موسوعي الثقافة بكل معنى الكلمة ونجده يقول: "التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعّراًً وحشيّاً ولا ساقطاً سوقيّاً".[١]


الاستطراد

نجم عن الطّابع الموسوعي، والإسهاب في العصر العبّاسي بروز ظاهرة الاستطراد، ففي العصور السّابقة لم يكن على الخطيبِ أو الكاتب أن يسترسل في موضوعه، ويتوغّل في شعابِ الفكرِ، ووجوه الرّأي، أمّا في الحقبةِ العبّاسيّة فبعد اتّساع المعارف، وغزارة الأفكارِ، كان لا بُدّ للكاتبِ من أن يحلّلَ الراء المسهبة باستراحات يريح قارئه من عناءِ المُتابعةِ، ووطأة التّقصّي، فجنح إلى الاستطراد.[٢]


مدرسة الجاحظ هذه توارثها الكتّاب وحرصوا عل مقوّماتها، وقد كادت تسم النّثر الأدبي كلّه بظاهرة الاستطراد، وقد حرص أبو حيّان التّوحيديّ على البقاءِ في فلكِ أستاذه، وأثر مذهبه، وراح يُردّد أقوالاً في هذا الصّددِ مُشابهة لأقوالِ الجاحظِ فتراه يقول: "قد والله نفثتُ فيه (أي كتاب الإمتاع والمؤانسة) كلّ ما كان في نفسي من جدّ وهزل، وغثّ وسمين، وشاحبٍ ونضر وفكاهة وطيب، وأدب واحتجاج، واعتذار واعتلال، واستدلال، وأشياء من طريف الممالحة".[٢]


اختلاف الأسلوب

برز في هذا العصر الانتقال من الأسلوب المتوازن إلى الأسلوب البديعيّ المسجّع، ومن ذلك مثال: من تصانيفهم من (أدب الكتّاب) لمحمّد بن يحيى الًولي، قال: "من خدمَ السُّلطان بلا علم واستقلال وتجربةٍ وكمالٍ، كان بمزلة راكبِ فيل صعب، وسابحٍ في بحرٍ قد جفّ، ومع ذلك فإنّ الأتباع إذا أحسّوا من الرُّؤســاءِ بتفويض إليهم على قلّة علم منهم واضطرار إلى كفاءتهم، ولم يحسّ الأتباع منهم حسن مجازاةٍ عل جميل إفادتهم.."[٣].


السّجع

ظهر السّجعُ بطابعه على الرّسائل الدّيوانيّة، والتّوقيعات، والمقامات استمرّت هذه الظّاهرة الفنيّة في القرن الرّابع الهجري، محصورة في نطاق الرّسائل الإخوانيّة، بل أخذت تسري في أعطاف الرّسائلِ الأدبيّة والمقامات.[٤]


نموّ فن المناظرات

تراجع فن الخطابة في العصرِ العباسي، وقوي فنّ المناظرات واتّسع في المقابل، والمناظرة من المساجلة، والمحاورة، وفيها تظهر قوة العقل، وإثبات الحجّة بالبرهان، وهي تتشابه كثيراً مع الخطابةِ في الارتجال.[٤]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج لميس داود، محاضرات منشورة، صفحة 6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عبد اللطيف عمران، محاضرات منشورة في جامعة دمشق، صفحة 17. بتصرّف.
  3. أنيس المقدسي، أمراء الشّعر العربيّ في العصر العبّاسي (الطبعة 12)، صفحة 82. بتصرّف.
  4. ^ أ ب د. لميس داود، أوراق النّثر العبّاسي، صفحة 9. بتصرّف.
6904 مشاهدة
للأعلى للسفل
×