خصائص شعر جميل بن معمر

كتابة:
خصائص شعر جميل بن معمر

أبرز خصائص شعر جميل بن معمر

كان معظم شعر جميل بن معمر في الغزل العذري والعفيف، وذلك بسبب الهيام الذي أصابه بعد أن عشقَ بُثينة ورفض والدها أن يُزوجها له، فازداد هيامًا بها وكتب فيها أشعارًا كثيرةً رقيقةً، فقد كان صادقًا في حُبه يتعطش دائمًا لرؤية محبوبته، ولا يزال يذكرها ويتغنى بها على الدوام متضرِّعًا إليها، فخرجت أشعاره من عاطفة صادقة وقلب مكلوم بالهوى، إذ تتلخص خصائص أشعاره فيما يأتي:[١]

رقة التعابير وعذوبة الألفاظ التي يستخدمها في معظم أشعاره

يمتاز شعر جميل بن معمر برقّةِ تعابيره؛ إذ كتب شعرًا ينسابُ في الرُّوحِ كقطراتِ المطر تهطل على الأرض القاحلة فتروي ظمأها وتُنبِتُ فيها أزهارًا، وكان يتّجه لوصف محبوبته بثينة ووصفه لنيران الشوق التي تُلهِبُ قلبه في غيابها بألفاظٍ عذبةٍ تترُكُ في الأُذنِ صدىً موسيقيًًّا يفيضُ شاعريةً وجمالًا.[٢]

من القصائد التي يتجلى فيها الوصف الشعري الذي يتغنَّى بالمحبوبة بألطف الألفاظ الأبيات الآتية:

حلَّت بُثينةُ من قلبي بمنزلةٍ

بينَ الجوانحِ لم ينزل بها أحدُ

صادت فُؤادي بعينيها ومُبتسمٍ

كأنَّهُ حين أبدتهُ لنا بَرَدُ

عذبٍ كأنّ ذكيَّ المِسك خالطهُ

والزنجبيلُ وماءُ المُزنِ والشُّهُدُ

تِلكُم بُثينةُ قد شفّت مودّتُها

قلبي، فلم يبقَ إلاَّ الرُّوحُ والجسدُ[٣]

صدق اللهجة والعفة في الشعر الغزلي عند جميل

يمتاز شعر الغزل عند جميل بالصدق، فالأبيات الشعرية تصف حاله بلهجةٍ صادقةٍ تلامس القلب وتبيّن شعوره بشكلٍ جليٍ يستطيع أي قارئ أو مستمع أن يلمسه في شعره، كما كانت العفّة واضحة من خلال الكثير من القصائد التي نظمها لبثينة، فقد كان جميل عفيفًا في حبه العذري لمحبوبته وفي أشعاره الغزلية.[٢]

من الأمثلة التي تُوضّح أنَّ جميلًا كان يكتفي بنظرةٍ واحدةٍ من محبوبته ولو كانت على عجلةٍ كونها تُرضيه وتُسعده قوله:

وَإِنّي لَأَرضى مِن بُثَينَةَ بِالَّذي

لَوَ اَبصَرَهُ الواشي لَقَرَّت بَلابِلُه

وَبِالنَظرَةِ العَجلى وَبِالحَولِ تَنقَضي

أَواخِرُهُ لا نَلتَقي وَأَوائِلُه[٤]

البعد عن الوصف الجسدي لحبيبته

العديد من الشعراء اتجهوا للوصف الجسدي للمحبوبة التي يميل قلبهم لها، فيتغنون بمفاتنها، ويصفونها بشكلٍ دقيقٍ في أشعارهم الغزلية، إلا أنَّ جميلًا بن معمر لم يتخذ هذا السبيل للتغزل بحبيبته، فقد خلت قصائده من الوصف الجسدي، إنّما كان يذهب لوصف حنينه إليها، ويتطرَّق إلى الأحزان التي تستوطن قلبه حينما تُفارقه، والشوق الذي يُضنيه.[٢]

تغزَّل بها في العديد من قصائده، لكنه لم يصف جسدها، فكان غزله غزلًا عفيفًا، بعيدًا كل البعد عن الكلمات الفاحشة، وقد كان حُبُّه له حبًا عذريًا يتجه إلى المشاعر الرُوحية حينما يُعبر عنه من خلال الشعر، وإذا وصفها لم يتطرَّق إلى الوصف الجسدي البحت،[٢] ومثال ذلك قوله:

بأحسنَ منها مُقلةٌ ومُقلَّدًا

إذا جُليَت لا يُستطاع اجتلاؤها

وتَبسِمُ عن غُرٍ عذابٍ كأنها

أقاحٍ حكتها يومَ دَجنٍ سماؤها

إذا قعدت في البيتِ يُشرق بيتُها

وإن برزت يزدادُ حُسنًا فِناؤها

قَطُوفٌ ألوفٌ للحجالِ يَزِينُها

مع الدَّلِّ منها جسمُها وحياؤها[٥]

حرارة العاطفة بسبب بعده عن بثينة

تمتعت قصائد جميل بن معمر بحرارة العاطفة التي تفيض بها الألفاظ والمعاني، ويعود ذلك لبعده عن محبوبته، فكانت تشتعل نيران الهوى في قلبه، فيزداد حبًا وتعلقًا ببثينة رغم كل الظروف والعوائق التي تقف بينه وبينها، فابتعاده عنها مُجبرًا يزيد حنينه الذي لا ينطفئ إلا بلقائها، ليشتعل مجددًا إذا ما فارقته ويتضاعف أضعافًا.[٢]

ينعكس ذلك على الأشعار التي ينظمها ويضع في متنها عاطفته التي يُبديها تجاه محبوبته، وفي هذه الأبيات يُوقظ غياب بثينة مشاعر جميل فيمنعه من النوم لشدة شوقه لها،[٢] فيقول في ذلك:

مَنَعَ النَومَ شِدَّةَ الاشتِياقِ

وَاِدِّكارُ الحَبيبِ بَعدَ الفِراقِ

لَيتَ شِعري إِذا بُثَينَةُ بانَت

هَلَّنا بَعدَ بَينِها مِن تَلاقِ[٦]

حينما تطول فترة البُعد بينهما تتأجج عواطفه، ولا يبقى أمامه خيار آخر سوى التعبير عنها بمثل هذه الأبيات، فيقول:

يَطولُ اليَومُ إِن شَحَطَت نَواها

وَحَولٌ نَلتَقي فيهِ قَصيرُ

وَقالوا لا يَضيرُكَ نَأيُ شَهرٍ

فَقُلتُ لِصاحِبَيَّ فَمَن يَضيرُ[٧]

وصف العذاب والألم الذي كان يعانيه لبعده عنها وعدم الوصول لها

كان جميل بن معمر يلجأ للشعر ليصف عذابه الذي يُقاسيه في بعده عن بثينة، إذ أضناه غيابها، ولم تكن تُفارق أفكاره ولا تُغادر ذهنه، وأرهقته المسافات التي تفصل بينه وبينها وتُجبره على الابتعاد عنها، فتحرمه من رؤيتها والحديث معها، وعندما ينال منه الألم لعدم التمكن من الوصول إليها كان يجعل الشعر ملجأً له ليروي هذا العذاب الذي يُثقل عليه.[٢]

عندما أخبر أهل بثينة السلطان بزيارات جميلٍ المتكررة وأمْر السلطان بهدر دمه إن عاود زيارتها، كان يصعد ليلًا على تلال الرمال ويُخاطب الريح الآتية من ناحية حي بثينة ويقول:[٢]

أَيا ريحَ الشَمالِ أَما تَرَيني

أَهيمُ وَإِنَّني بادي النُحولِ

هَبي لي نَسمَةً مِن ريحِ بَثنٍ

وَمُنّي بِالهُبوبِ عَلى جَميلِ[٨]

لم يكن في وسع جميلٍ سوى انتظار اللقاء الذي يجمعه ببثينة، والشكوى من حزن وألم الفراق من خلال الشعر، حيث روى الدموع التي تجود بها عينه جرَّاء البُعد، والمرض الذي حلَّ به بعد أن كان صحيحًا،[٢] إذ يقول:

لَقَد ذَرَفَت عَيني وَطالَ سُفوحُها

وَأَصبَحَ مِن نَفسي سَقيمًا صَحيحُها

أَلا لَيتَنا نَحيا جَميعًا وَإِن نَمُت

يُجاوِرُ في المَوتى ضَريحي ضَريحُها[٩]

إظهار الشوق والحنين الذي يعيشه بفراقه لمحبوبته

يمتلئ قلب جميلٍ بن معمر بالشوق للمحبوبة، فيسلك طريق الشِعر، لم يعد أمامه سوى قصائده يبوح لها بشوقه الذي يُؤرّق ليله ويُرافقه طيلة النهار، اتجه جميل إلى إظهار حنينه إلى بثينة حين يبتعد عنها وتختفي عن أنظاره من خلال الشعر، فنظم عديدًا من القصائد حمَّلها مشاعره التي سئمت ألم الغياب وحزن البُعد.[٢]

لم يُساعده الفراق على نسيان بثينة، إنما ظلَّ يذكرها طيلة الوقت، وفي كل زمانٍ ومكانٍ، ويُخبرها من خلال تلك القصائد أنَّه يشتاقها، وهذه الأبيات يشكو فيها حاله حين حجبوها عنه، والوضع الذي وصل إليه بسبب حنينه لمحبوبته،[٢] فقال:

إِلى اللَهِ أَشكو ما أُلاقي مِنَ الهَوى

وَمِن حُرَقٍ تَعتادُني وَزَفيرِ

وَمِن كُرَبٍ لِلحُبِّ في باطِنِ الحَشا

وَلَيلٍ طَويلِ الحُزنِ غَيرِ قَصيرِ[١٠]

كانت دموعه تشهد على الحنين الذي يعتريهِ فيُبكيهِ، ويزداد كلما ازدادت المسافات التي تفصله عن بثينة،[٢] فإذا به يقول:

خَليلَيَّ ما أَلقى مِنَ الوَجدِ باطِنٌ

وَدَمعي بِما أُخفي الغَداةَ شَهيدُ

أَلا قَد أَرى وَاللَهِ أَن رُبَّ عُبرَةٍ

إِذا الدار شَطَّت بَينَنا سَتَزيدُ[١١]

اقتصاره في الغزل على حبيبته الوحيدة بثينة

اقتصر شعرُ جميل بن معمر الغزلي على ذكر بثينة فقط، فلم يذكر قصيدةً غزليةً في أيّة امرأةٍ أخرى قط؛ إذ كان يرى في بثينة كل النساء، وكان في كل قصائده الغزلية أو التي يصف بها وجد الفراق الذي ألمَّ به يتجه نحو بثينة، وكأنما قد كرَّسَ حياته وغزله لهذه الحبيبة دون سواها.[٢]

أثبت في العديد من قصائده أنَّه لا يرنو إلّا إليها، وفي هذه الأبيات يروي أنَّه يذكرها حتّى في صلاته لشدة تعلقه بها وحبه لها، وأنَّه عاهدها ألا يعشق غيرها وأنَّها صدَّقت عهده دون أن يأتي لها بأيّ ضمانٍ،[٢] فقال:

أُصَلّي فَأَبكي في الصَلاةِ لِذِكرِها

لِيَ الوَيلُ مِمّا يَكتُبُ المَلَكانِ

ضَمِنتُ لَها أَن لا أُهيمَ بِغَيرِها

وَقَد وَثِقَت مِنّي بِغَيرِ ضَمانِ[١٢]

كانت أكثر قصائده تذكر اسم بُثينة، بين غزلٍ بها وشوقٍ إليها، وحزنٍ على فراقها، وقد أكَّد جميل في شعره أنَّ بثينة لا تغيب عن باله لحظةً، فكيف لعاشقٍ لا تُفارق محبوبته أفكاره أن يتغزل بسواها،[٢] وقد قال يومًا:

وَقَد قِلتُ في حُبّي لَكُم وَصَبابَتي

مَحاسِنَ شِعرٍ ذِكرُهُنَّ يَطولُ

فَما غابَ عَن عَيني خَيالُكِ لَحظَةً

وَلا زالَ عَنها وَالخَيالُ يَزولُ[١٣]

المراجع

  1. "الشاعر الأموي جميل بثينة (ت 82هـ)"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض عباس محمود العقاد، جميل بثينة، صفحة 45 - 57. بتصرّف.
  3. جميل بن معمر، ديوان جميل بثينة، صفحة 53 - 54.
  4. "وإني لأرضى من بثينة بالذي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021.
  5. جميل بن معمر، ديوان جميل بثينة، صفحة 14.
  6. "منع النوم شدة الإشتياق"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021.
  7. "يطول اليوم إن شحطت نواها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021.
  8. "أيا ريح الشمال أما تريني"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021.
  9. "لقد ذرفت عيني وطال سفوحها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021.
  10. "فإن يحجبوها أو يحل دون وصلها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021.
  11. "ألا ليت ريعان الشباب جديد"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021.
  12. "أرى كل معشوقين غيري وغيرها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021.
  13. "ألا هل إلى إلمامة أن ألمها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021.
4594 مشاهدة
للأعلى للسفل
×