محتويات
خصوصية الأدب الأندلسي عبر العصور الأدبية وأهميته
للشعر الأندلسي سمات تميزه وتجعل له شخصية مستقلة على مستوى الشكل والمضمون في الأدب العربي، فالتجديد الموضوعيّ والفنيّ واضح في هذه الفترة الأدبية، ويرجع هذا لتأثر الأدباء الأندلسيّين بما يأتي:[١]
الموقع الجغرافي للأندلس
أثّر جمال طبيعة شبه جزيرة أيبيريا في الأدب الأندلسي، فنجد أنّ الشعراء أكثروا من ذكر الطبيعة وتغنّوا بالجبال الخضراء والبحروالحدائق والأزهار، وأصبحت الطبيعة حاضرة في الصورة الشعرية، بل وشخّصها بعضهم كما فعل ابن خفاجة في قصيدة "الجبل".
الواقع السياسيّ والاجتماعي للأندلس
أثّر اختلاط العرب بالإسبان والبربر واليهود والنصارى بالأدب الأندلسي، ووثّقت الكثير من القصائد الصراعات السياسية التي حدثت في تلك الفترة، كما رثوا المدن التي طردوا منها، ومن أشهر تلك القصائد ما كتبه أبو البقاء الرندي في قصيدته " لكلّ شيء".
تميّز الشعر الأندلسيّ بالتركيز العاطفيّ، بمعنى أن العاطفة ظاهرة في العمل الشعري، وتكاد تكون أبرز عناصره، وقد طرق الشعراء موضوعات جديدة لم يسبق أن طرقها قبل غيرهم، كحالة فقدان البصر التي وصفها الشاعر أبو المخش، وكتبوا في أغراض جديدة فظهر الزهد في شعرهم، إلى جانب الخمريّات أيضاً حتى حين كتب الشعراء في الأغراض التقليدية كانت القصيدة مصبوغة بالطابع الأندلسيّ، فالغزل والمدح والرثاء يتناسب مع البيئة الجديدة.[١]
بالنظر إلى الأسلوب نجد أن الأسلوب يميل إلى القصّ، وتشيع فيه روح الدعابة والسخرية والتحرر إذا كان الموضوع لاهياً، كما تشيع فيه روح المرارة والكآبة والتّزمت إذا كان الموضوع جادّاً.[٢]
والأسلوب يتميّز باستخدام العناصر الحضريّة في تجسيد الصور، وهذا ما يعني أنها بعيدة كل البعد عن البادية، كما أن لغته مكونة من ألفاظ بسيطة واضحة حسنة الإيقاع، وتعتمد فيه الموسيقى على البحور القصيرة والقوافي الرقيقة، وقد ابتكر شعراء الأندلس أنواعاً أدبية جديدة فالموشحات الأندلسية علامة فارقة في الأدب الأندلسي، كما أن فنّ الزجل أندلسيّ المنشأ أيضاً.[٢]
الأهمية الحضارية للتراث الأندلسي
عاش الأدب العربي في الأندلس ثمانية قرون (95- 897هـ)، وتأثّر بالبيئة التي عاش فيها وأثّر في بيئته وما جاورها من بيئات، ومع ذلك فإن عدد النصوص المعتمدة في دراسة الأدب الأندلسي قليلة نسبياً.[٣]
خاصة في الفترات الأولى لتاريخ المسلمين في الأندلس وذلك لكثرة ما ضاع من تراث المسلمين في تلك البلاد، بل لكثرة ما أتت عليه يد الإتلاف والإبادة، إلّا أنّ ما وصل إلينا من نصوص استحق أن يُوضع في حلقة خاصة من سلسلة تاريخ الأدب العربي.[٣]
الأندلس بل جميع شبه جزيرة أيبيريا لم تستطع في تاريخها القديم أن تضيف لتاريخ الحضارة الإنسانية شيئاً يُذكر لها قبل دخول المسلمين وأصبحت بعد دخولهم كما وصفها ترند في مقاله عن تراث الإسلام: كانت قرطبة في القرن العاشر الميلادي أكثر المدن الأوروبية حضارة.[٤]
وأكمل: وكانت في ذلك الحين مثار إعجاب العالم، وبلغ من ارتفاع شأنها أن حكام ليون ونبّاره وبرشلونة كانوا يقصدونها كلّما مستهم الحاجة إلى جرّاح أو مهندس معماريّ أو مطرب كبير.[٤]
الموشحات
اشتهر الأدب الأندلسي بأنه ابتكر فنّ الموشّحة، ويُظنّ أنه جاء بعد اتساع موجة الغناء والموسيقى منذ زرياب في عصر عبد الرحمن الأوسط، فنشأت الموشّحة بقصد الغناء بها مع العازفين، وقيل أن المخترع لها مقدم بن معافي القبري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني وأخذ عنه أبو عمرو بن عبد ربه.[٥]
الموشّحات جمع موشحة، والوشاح بالمعجم خيطان من اللؤلؤ وجوهرمنظومان يخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر، ومن كبار الوشاحين ابن عبادة القزاز وابن زهر وابن بقى.[٥]
الموشحة تتكون من خمس فقرات غالباً، تسمى الفقرة بيتاً، والبيت في الموشحة يختلف عن البيت الشعري في القصيدة؛ لأن بيت الموشحة يشبه الفقرة ويتكون من مجموعة من الأشطار لا من شطرين فقط مثل بيت القصيدة، وإن كل فقرة من فقرات الموشحة الخمس تتكون من جزأين: الجزء الأول مجموعة أشطار منتهية بقافية متحدة مع بعضها ومختلفة في الوقت نفسه عما يقابلها من فقرات أخرى في الموشحة.[٦]
أما الجزء الثاني من بيت الموشحة فهو شطران -أو أكثر- تتشابه فيهما القافية في كل الموشحة، والجزء الأول الذي تختلف فيه القافية من بيت إلى بيت يسمى غصناً، أما الجزء الآخر الذي تتشابه قافيته في كل الموشحة يسمى قفلاً، والقفل الأخير من الموشح اسمه "الخرجة".[٦]
نموذج من الموشحات الأندلسية
يقول الشاعر:[٧]
أَيُّها الساقي إِلَيكَ المُشتَكى
:::قَد دَعَوناكَ وَإِن لَم تَسمَع
وَنَديمٌ هِمتُ في غُرّتِه
:::وَشَرِبت الراحَ مِن راحَتِه
كُلَّما اِستَيقَظَ مِن سَكرَتِه
:::جَذَبَ الزِقَّ إِلَيهِ وَاِتَّكا
وَسَقاني أَربَعاً في أَربَع
غُصنَ بانٍ مالَ مِن حَيثُ اِستَوى
:::باتَ مَن يَهواهُ مِن فَرطِ النَوى
خافِقُ الأَحشاءِ موهونُ القُوى
:::كُلَّما فَكَّرَ في البَينِ بَكى
ما لَهُ يَبكي لِما لَم يَقَع
:::ما لِعَيني عَشيت بِالنَظَرِ
أَنكَرَت بَعدَكَ ضوءَ القَمَرِ
عَشِيَت عَينايَ مِن طولِ البُكا
:::وَبَكى بَعضي عَلى بَعضي مَعي
لَيسَ لي صَبرٌ وَلا لي جَلَد
:::يا لَقَومي عَذَلوا وَاِجتَهَدوا
أَنكَروا شَكوايَ مِمّا أَجِدُ
مِثلُ حالي حَقُّها أَن تَشتَكي
:::كَمَد اليَأس وَذُلَّ الطَمَعِ
كَبدٌ حَرّى وَدَمعٌ يَكِفُ
:::يَعرِفُ الذَنبَ وَلا يَعتَرِفُ
أَيُّها المُعرِضُ عَمّا أَصِفُ
:::قَد نَما حُبُّكَ عِندي وَزَكا
لا تَقُل إِنّي في حُبِّكَ مُدّع.
المراجع
- ^ أ ب أحمد هيكل، الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، صفحة 97. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد هيكل، الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، صفحة 130. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد هيكل، الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، صفحة 13. بتصرّف.
- ^ أ ب شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي عصر الدول و الإمارات الأندلس، صفحة 129. بتصرّف.
- ^ أ ب شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي عصر الدول و الإمارات الأندلس، صفحة 155. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد هيكل، الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، صفحة 147. بتصرّف.
- ↑ ابن زهر الحفيد، "أيها الساقي إليك المشتكى"، الديوان.