خطبة بعنوان (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)

كتابة:
خطبة بعنوان (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصّنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، وأتم علينا نعمته بأعظم منهاج شرع منهاج الإسلام فقال -سبحانه-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).[١]

وأشهد أن سيدنا وإمامنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فأدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده.

الوصية بتقوى الله

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته، فتقوى الله خير ما يوصي به المسلمُ المسلمَ، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره ونهيه، لقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ).[٢]

الخطبة الأولى

خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان لمهمة عظيمة ورفع قدره وكرمه شرفه، قال تعالى: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا)،[٣] وحتى يحقق المسلم الغاية من وجوده وينال شرف التكريم الإلهي، لا بد أن يحقق العبادة التي من أجلها خُلِق، كما في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).[٤]

إخوة الإسلام، العبادة في الإسلام ليست مقصورة على الأعمال التعبدية؛ كالصلاة والصيام والحج وغيرها، بل تشمل جميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان من تجارة وصناعة وسائر الأعمال التي أباحها الله، والتي تحقّق للإنسان الحياة الكريمة وتَقِيه خطر الفقر والجوع.

ومفهوم العمل في الإسلام واسعٌ جداً، إذ يعتبر كل جهد وعمل مادي أو معنوي أو مؤلّف منهما معاً عملاً في نظر الإسلام، فعامل المصنع ومديره، والموظف في الدولة، والتاجر، وصاحب الأرض، والطبيب، والمهندس، كل هذه تعد من العمل في الإسلام.[٥]

والآيات القرآنية الدالة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: (وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ)،[٦] فالأمر في الآية واضح بالعمل مطلقاً، فهي تشمل العبادات المعلومة، كما تشمل الأعمال التي نحتاجها أيضاً في بعض العبادات، كالصناعات اللازمة للجهاد في سبيل الله، وسائر الأعمال المباحة التي تدر المال الذي ينفق منه في عموم سبيل الله.[٧]

إخوة الإيمان، كما دلّت آيات الكتاب على أهمية العمل وفضله، كذلك فإن الأحاديث الشريفة تبين أن الإسلام دين العمل والنشاط، والجد والاجتهاد، فقد كان رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من العجز والكسل، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ والهَرَمِ، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ، وأَعُوذُ بكَ مِن عَذابِ القَبْر).[٨]

ولا يليق بالأمة الإسلامية أن تكون أمة عاجزة متأخرة عن باقي الأمم، كما لا ينبغي للمسلم أن يعيش في عجز وكسل، ويتكفّف أيدي الناس، ويرضى بالذل والهوان، فالمسلم عزيز كريم، كرمه الله تعالى، وزاده تشريفاً بهذا الدين العظيم، وجعل قدوته في الحث على العمل والمبادرة إليه الأنبياء والمرسلين والصالحين.

كما يحثّنا الإسلام على العمل والجد والاجتهاد، فقد نظم علاقات العمال بأرباب العمل على أساس مراقبة الله والإخلاص وإتقان العمل وأداء الحقوق،[٩]

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين.

عباد الله، ضبط الإسلام الحنيف أخلاق أتباعه في ميدان العمل وفرض عليهم بذل الجهد وإتقان العمل، وفرض على أتباعه في مجال العمل عدم الغش للسلعة، وإن الإسلام قد جمع بين فوائد العمل الدنيوية، وبين الأجر والثواب في الآخرة، ولنعلم أنّ من أخلاق العمل في الإسلام أن لا يتقاضى المسلم رشوة على عمله.

الدعاء

  • اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين
  • اللهم وفقنا للعمل لمرضاتك وارزقنا رزقا حسنا طيبا مباركا فيه.
  • ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
  • ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وآتنا في الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.

المراجع

  1. سورة المائدة، آية:3
  2. سورة الجاثية، آية:15
  3. سورة الإسراء، آية:70
  4. سورة الذاريات، آية:56
  5. عمر الأشقر، نحو ثقافة إسلامية أصيلة، صفحة 303. بتصرّف.
  6. سورة التوبة، آية:105
  7. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 62-131. بتصرّف.
  8. رواه محمد بن إسماعيل البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2823 .
  9. نبيل السمالوطي، بناء المجتمع الإسلامي، صفحة 240. بتصرّف.
6630 مشاهدة
للأعلى للسفل
×