محتويات
مقدمة الخطبة
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المُهتدِ، ومن يُضلل فلن تجد له وليّاً مُرشداً، الحمد لله البر الرحيم الجواد الكريم، ذي الفضل العظيم.[١]
الحمد لله الذي جعل ليلة القدر من الليالي المباركة الواقعة في شهر رمضان المبارك، الحمد لله الذي جعل أجر الأعمال فيها أضعافًا مضاعفة، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي ليس قبله وبعده شيئًا وليس كمثله أحد، الحمد لله الذي جعل هذه الليلة خيرٌ من ألف شهر، يقول تبارك وتعالى في محكم تنزيله: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).[٢][١]
وأشهد أن محمدًا رسول الله، الذي هو خير البشرية على وجه الأرض، مُعلّم الأنام، صانع الأمّة، القدوة الأول والأخير لكافة النّاس، حيث بشّر من قامها إيمانًا بالله بالمغفرة من الذّنوب والمعاصي، فكان -عليه السّلام- يُلازم الذّكر والصلاة، حيث قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).[٣][١]
الوصية بتقوى الله تعالى
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي خير اجتهاد يلازم المسلم في دنياه، ويفوز بذلك في آخرته، فلا شكّ من نيل كرم الله تعالى ومحبّته ورحمته وتحصينه وتأمينه، امتثالاً لقوله تعالى: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)،[٤] فالتقوى كنز عظيم فالظفر بها جوهر.[٥]
الخطبة الأولى
وبعد أيها الأخوة الكرام: كلما أقبل شهر رمضان المبارك، ولا سيّما الليلة المباركة التي نزل فيها القرآن الكريم اتّجهت قلوب المسلمين وأجسادهم طالبين رضا الله -تعالى- ومغفرته، فلنحذر يا عباد الله من الوقوع في الذنوب والمعاصي، ولا بُدّ من المسارعة إلى التّوبة النّصوح، فهنيئًا لمن استثمر كلّ دقيقة من دقائق هذه الليلة، فهي من الليالي المباركة التي اختصّها الله لتكون الفاصل في أعمال المسلم المقدّرة في العام القادم، والأجر فيها أفضل من ألف شهر.[٦]
يا ليلة تفضل الأعوام والحقبا
- هيجت للقلب ذكرى فاغتدا لهبا
وكيف لا يغتدي نارا تطيح به
- قلب يرى هرم الاسلام منقلبا
يرى شعائر دين الله هاربة
- يسفها النوء تمضي حيثما ذهبا
أين العنان الذي تلويه عاصفة
- ما فاتحين يرون الموت مطلبا
يا معشر المسلمين: ليلة القدر تزداد فيها البركة وتبدأ الملائكة بكتابة كافة الأفعال والحوادث، وكلّ ما هو سيحدث في السنة المقبلة بمشيئة الله -تعالى- لذلك لا بُدّ من الإكثار من العبادات؛ كالصّلاة والاستغفار والتحميد والتّهليل والصّدقات، وغيرها، فقد روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن النبي، فقالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ).[٧][٦]
يا كرام: أبشركم بأن الله يحبنا ولولا أنّ الله يحبنا ما وفقنا بين يديه في هذه الليلة، فهذه البشرى الأولى، هنا تُسكب العبرات، هُنا تُسكب الدمعات والدّعوات، هذه الليلة للتوبة من الهفوات والزلات، أبشر يا من أثقلتك الذنوب والآثام، هنا تُغفر كافة الذّنوب، فهل هناك أعظم من أن تُمسح عيوبنا، فأبشروا يا كرام.[٦]
كان الرّسول -عليه السّلام- إذا أقبلت العشر الأواخر يبدأ بإحياء ليله، فكان يقرأ القرآن ويتدبّره، ففي ذلك ما رواه ابن عبّاس، رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- حيث يقول: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ بالخَيْرِ، وأَجْوَدُ ما يَكونُ في شَهْرِ رَمَضَانَ، لأنَّ جِبْرِيلَ كانَ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ في شَهْرِ رَمَضَانَ، حتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عليه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كانَ أجْوَدَ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ).[٨][٦]
أيّها الأخوة الكرام: سارعوا إلى الذكر وكثرة الدّعاء والاعتكاف، فقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ذَكَرَ أنْ يَعْتَكِفَ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ، فأذِنَ لَهَا، وسَأَلَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أنْ تَسْتَأْذِنَ لَهَا، فَفَعَلَتْ).[٩][٦]
أيُّها المسلمون: يمكنكم الإكثار من الدّعاء الذي يجمع بين الدّنيا والآخرة، لعلها تصادف ساعة الاستجابة في هذه الليلة العظيمة، حيث كان الرّسول يدعو: (اللَّهُمَّ أصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيرٍ، وَاجْعَلِ المَوتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ).[١٠][٦]
الخطبة الثانية
الحمدلله جامع الناس في يوم لا ريب فيه، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أمّا بعد: يا أيّها النّاس اتّقوا الله حق تقاته، ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون.[١١]
في ليلة القدر يُتّخذ الرّسول -عليه السّلام- قدوة في اجتهاده بالأعمال الصّالحة في هذه الليلة المباركة، فكان يتلو القرآن ويتصدّق ويذكر الله كثيرًا، وغيرها من الأعمال الصّالحة، حيث كان يلجأ إلى الله تعالى بجوارحه كافة، كما أنّه كان يوقذ أهله لاستثمار بركات هذه الليلة التي هي خيرٌ من ألف شهر.[١٢]
الدعاء
فيما يأتي بيان بعض الأدعية التي يُمكن الاستعانة بها في ليلة القدر:
- اللهم في هذه الليلة المباركة، نسألك عملاً متقبلاً، وتوبة نصوحة وغفرانًا لكافة الذنوب والمعاصي.
- اللهم أصلح لي كافة أموري، وأصلحني في ديني ودنياي، وأسألك في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر أن تعيذني من النار وعذابه وأن ترزقني جنتك.
- اللهم في هذه الليلة المباركة أسألك الشفاء التّام لكافة المرضى، والفرج لكافة المهمومين، والرحمة لكافة الموتى.
- اللهم إنّا نسألك حبّك الذي لا يغيب، وحبّ من يحبك، وحبّ كافة الأعمال الصّالحة التي تقربنا إلى حبّك وكرمك.
- اللهم إنّا نسألك العفو والعافية في الدّين والدّنيا، ونسألك ليلة مقبولة تدخلنا جنتك.
المراجع
- ^ أ ب ت عبدالرحمن السعدي، الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات، صفحة 169. بتصرّف.
- ↑ سورة القدر، آية:3
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1901، صحيح.
- ↑ سورة آل عمران، آية:120
- ↑ الفيروزآبادي، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، صفحة 259. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح عبد الرحمن السعدي، الفواكة الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات، صفحة 169-172. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2024، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4997، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2045، صحيح.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2720، صحيح.
- ↑ محمد بن عبد الوهاب، الخطب المنبرية، صفحة 30. بتصرّف.
- ↑ محمد بن صالح العثيمين، مجالس شهر رمضان، صفحة 154-158. بتصرّف.