محتويات
خطبة جمعة عن قيام الليل
مقدمة الخطبة
الحمد لله مقلب الليل والنهار، تذكرة وتبصرة لأولي النهى والاعتبار، سبحانه الكريم المنعم الغفار، والصلاة والسلام على نبي الرحمة محمد سيد الأولياء والأخيار وعلى آله وصحبه الكرام الأطهار الأبرار.
الوصية بتقوى الله
أما بعد عباد الله فاتقوا الله حق تقواه، والتقوى هي وقاية العبد نفسه من غضب الله بفعل الطاعات والإعراض عن المنكرات، فاتقوا الله عباد الله؛ فقد عز لقائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)،[١] فخذوا بوصية ربكم وتمسكوا بها تفلحوا رحمكم الله.
الخطبة الأولى
عباد الله إن لله عباداً علموا حقيقة فناء هذه الدنيا وزوالها؛ فشمروا عن ساعد الجد والاجتهاد، وبذلوا الغالي والنفيس ابتغاء مرضاة الله -تعالى-، يقول -سبحانه- في وصفهم: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)،[٢]فلا يكتفي هؤلاء الكرام بما يقيمونه من دين الله في النهار، بل إنهم باعوا لذة النوم بجنة عرضها كعرض السماء والأرض.
إنهم أصحاب الشرف العظيم والوجوه المستنيرة الوضاءة، إنهم قوامو الليل تاركو المضاجع، علموا فضل قيام الليل فقاموه، واستأنسوا به فما تركوه، قاموا والناس نيام غافلون؛ فتوضأوا وقاموا يصلون، ووقفوا بين يدي مليك الكون يتضرعون، يسألونه من كل خير ومعه يتناجون.
عباد الله إن الصلاة في جوف الليل خير صلاة بعد الفريضة المكتوبة، وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ).[٣]
وإن قيام الليل شرف المؤمن؛ فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (أتاني جبريلُ، فقال: يا مُحمَّدُ! عِشْ ما شِئتَ فإنَّك مَيِّتٌ، وأحْبِبْ من شِئتَ فإنَّكَ مُفارِقُه، واعمَل ما شِئتَ فإنَّك مَجْزِيٌّ بهِ، واعلَم أنَّ شرفَ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ، وعِزُّه استِغناؤُه عن النَّاسِ).[٤]
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم الليل حتى تتفطر قدماه؛ وذلك لأنه علم عظيم فضله وكريم أثره، وقد أخبرت عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هذا يا رَسولَ اللَّهِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: أفلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا).[٥]
وقد دل هذا الحديث على أن من وسائل شكر الله صلاة قيام الليل،[٦] ولنا في رسول الله أسوة حسنة وقدوة طيبة، وقد كان أول ما أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما قدم المدينة المنورة فقال: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ).[٧]
كل هذه النصوص وغيرها كثير في بيان فضل قيام الليل وعظيم مكانته وجزيل فوائده، ومن هذه الفوائد: تقوية العلاقة بين العبد وربه، وحصول التوفيق الرباني، والفتح على القوامين فتوحاً عظيمة لا يعلمها إلا من قام وتهجد، ومن الفوائد كذلك وضاءة الوجه وحسن الحال.[٨]
ومن فوائد قيام الليل: حسن المبعث يوم القيامة؛ فمن قام في الليل سهل عليه القيام يوم القيامة، وغيرها الكثير من الفوائد كحصول لذة المناجاة والشعور بحلاوة الإيمان وطيب العلاقة مع الله،[٦] ثم إن لقيام الليل آداباً ينبغي على المسلم مراعاتها.
ومن هذه الآداب: مسح الوجه عند الاستيقاظ من النوم وأن يقوم في بيته، وأن يبدأ القيام بركعتين خفيفتين، ومن الآداب كذلك أن ينوي بنومه التقوي على طاعة الله ليحسب له أجر نومه، والعاقل الحصيف ينوي دائماً قبل النوم أن يقوم الليل.[٩]
ومن آداب قيام الليل أيضاً: المداومة عليه وعدم تركه، وإيقاظ الأهل وحثهم على قيام الليل، والنوم عند حصول النعس وعدم الاستمرار على القيام،[٩]فعلى المسلم أن يتأدب بهذه الآداب الشرعية عند قيامه، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما أمر ربنا، والصلاة والسلام على أزكى البشر محمد بن عبد الله؛ قائد الغر المحجلين الكريم الأبر على وآله وأصحابه الميامين الغرر، أما بعد فاعلموا عباد الله أن لقيام الليل لذة عظيمة لا يعرفها إلا من تذلل بين يدي مولاه؛ في ركوع وخشوع وخضوع لله، وفي قيام الليل ما فيه من الدعاء الذي يرجى منه تحقيق الآمال التي طالما صعب على الإنسان تحقيقها.
هذا واعلموا عباد الله أنكم عن هذه الدنيا سترحلون، وأمام مليككم وخالقكم ستقفون، وعن أعمالكم وصحائفكم ستسألون؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
ألا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد امتثالاً لقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،[١٠] لبيك اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الدعاء
- اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، وارحمنا وعافنا واعف عنا واجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم.
- اللهم سلمنا للقيام وسلمه لنا وتسلمه منا متقبلاً يا أكرم الأكرمين، واكتب لنا أجر القائمين يا ذا الجلال والإكرام.
- اللهم اجعلنا من القوامين والمستغفرين بالأسحار، وتقبل منا قيامنا وخضوعنا وخشوعنا.
- اللهم أعنا على الصيام والقيام، وغض البصر وحفظ الفرج وحفظ اللسان.
- اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
عباد الله: (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ)،[١١]فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة.
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية:102
- ↑ سورة السجدة، آية:16
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1163، صحيح.
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك، عن سهل بن سعد، الصفحة أو الرقم:8016، حسن.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة بنت ابي بكر، الصفحة أو الرقم:4837، صحيح.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين ، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 4131. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن ماجة، في سنن ابن ماجة، عن عبد الله بن سلام، الصفحة أو الرقم:1105، صحيح.
- ↑ وحيد بالي، الأمور الميسرة لقيام الليل، صفحة 56. بتصرّف.
- ^ أ ب سعيد بن وهف القحطاني، صلاة التطوع، صفحة 124-130. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية:56
- ↑ سورة النحل، آية:90