خطبة عن الأخلاق الحسنة

كتابة:
خطبة عن الأخلاق الحسنة


مقدمة الخطبة

الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه أن هدانا لهذا وما كنَّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله العليم الحكيم، وأشهد أنَّ لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له ذي القوَّة المتين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الخلق والمرسلين سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، نحمد الله الذي كرَّم الإنسان بالعقل والأخلاق، وسخَّر الإسلام طريقًا للمهتدين، وأنزل القرآن الكريم نورًا وأضاء به قلوب العابدين، وجعل حسن الخُلق سمةً لعباده المتَّقين، فلا يشقى من كان خُلقه مثل خُلُق الصَّادق الأمين، ونستغفرك اللهمِّ ونتوب إليك من كلِّ ذنبٍ مبين.[١]



الوصية بالتقوى

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عزَّ وجل-، فالتَّقوى تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتُزكِّي الخُلق وتهذِّبه، والمتَّقين هم عباد الله الصَّالحين أحبهم الله -سبحانه وتعالى- وأحبُّوه، ورضي عنهم ورضوا عنه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (أتَدْرون أكثَرَ ما يُدخِلُ الجنَّةَ؟ تَقوى اللهِ، وحُسْنُ الخُلُقِ)،[٢] فمنزلة التَّقوى وحسن الخلق عظيمةٌ، جعلنا اللهمَّ من المتَّقين المحسنين وأدخلنا الجنَّة مع الأنبياء والصِّديقين.[٣].



الخطبة الأولى

أيُّها المسلمون، قد منَّ الله -سبحانه وتعالى- علينا بأن جعلنا من ملَّة سيِّدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام وحامل القرآن، فهو خير البشر وقد خصَّه الله -عزَّ وجل- بجوامع الكَلِم، فكان قدوة لنا حتى هذا اليوم، واتَّصف -عليه الصَّلاة والسلام- بحسن الخلق والتَّقوى، فقالت أمُّ المؤمنين السَّيدة عائشة -رضي الله عنها- في وصفه: (كان خُلُقُه القرآنَ).[٤] فإنَّ أعظم صفات سيِّدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- هي خلقه الحسن، وحتى قبل البعثة النبويَّة كانت سمعته طيِّبةً وكان يُلقَّب بالصَّادق الأمين، وقد وصَّانا -عليه الصلاة والسلام- بحسن الخُلق فقال: (اتَّقِ اللَّهِ حيثُ ما كنتَ، وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ).[٥][٦]



فهذا هو نبيّنا الكريم وحبيبنا المصطفى محمّد -صلى الله عليه وسلّم-، كان أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، وكان لا يُرى إلا مبتسماً، يُساعد أهله، ويحنّ على الأيتام والضعفاء، ويواسي المنكوبين، ويسعى في التخفيف عن المساكين والمحتاجين، ويزور المريض، ويسأل عن المفقودين، كان حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- أرحم النّاس قلباً، إذا كان يُصلّي بالناس جماعة وسمِع بكاء طفلٍ خفّف في الصلاة رأفة بأمّه، وكان أعظم الناس صبراً، يربط على بطنه الحجر من الجوع، وكان أكثرهم حلماً وعفوا، فبعد أن فتح مكّة عفا عن أعدائه الذين عادوه وأدموه، فقال قولته الشهيرة: "اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ".[٧]



إنَّ الإسلام هو دين الحقِّ، وقد حمَّل الله -سبحانه وتعالى- المسلمين وصيَّة إبلاغ الرِّسالة بعد وفاة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وإنَّ الكثير من النَّاس دخلوا الإسلام لمَّا رأوا من المسلمين طيب أخلاقهم من الصِّدق والوفاء والعفو واللّين وغيرها من أخلاقنا الحسنة التي وصَّانا بها نبيُّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي الدَّرداء -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: (ما من شيءٍ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ من خُلقٍ حسنٍ وإنَّ اللهَ يُبغضُ الفاحشَ البذيءَ)،[٨] والخُلُق هو هيئة النَّفس التي تصدر عنها أفعال الفرد وأقواله، فاحرص يا أخي المسلم على الأفعال الحسنة والأعمال الصَّالحة حتى تُصبح طبعًا متأصِّلًا في نفسك وتتَّصف بها، لتبقى الأخلاق الحسنة هي هيئتك الثَّابتة التي لا يؤثر بها شيء.[١]


يا معشر الفضلاء، اعلموا أنَّ سعادة المؤمن تتمثَّل في حُسن خُلقه، فالكلام الطَّيِّب والفعل الحسن جالبٌ للخيرات، وبها يتحقَّق الفلاح وتزيد المسرَّات،[٦] وحسن الخُلق من سمات المؤمن، والبشر كلُّهم على اختلاف عروقهم وأصولهم ودياناتهم يُحبُّون حسن الخُلق ويقدِّرون صاحبه، كيف لا وحسن الخُلق هو أساس صلاح المجتمعات وتحقيق استقامتها، فلا يتطور المجتمع ولا تتحقَّق نهضته إلَّا إذا كانت الأخلاق هي الأساس الأوَّل لبنيان الحضارة، وإنَّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا، ولذلك جاء الدِّين الإسلاميُّ ليُعزز قيمة الخُلق الحسن فجعله ثقيلاً في الميزان؛ حتى إذا ما استخفَّ العبد به قلَّ أجره وقدْره، وهذا دليلٌ على قيمة الأخلاق في ديننا الحنيف.[١]



أيُّها المسلمون، إنَّ حُسن الخُلق يتجسَّد بصورٍ كثيرة لا حصر لها، فمن حسن خلق المسلم أن يؤدِّي الحقوق إلى أصحابها فلا يأخذ منها شيئًا، وأن يعاشر النَّاس ويخالطهم بالحسنى فلا يؤذيهم ولا يضرُّهم، وخير أخلاق المسلم التَّواضع، فهو خلق الأنبياء والمرسلين كلُّهم -عليهم الصَّلاة والسَّلام-، فمن تواضع لله -عزَّ وجل- رفعه، فلنحرص على تحسين أخلاقنا، فاكتمال الإيمان لا يكون إلَّا بالأخلاق الحسنة، قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: (أكْملَ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خلقًا)[٩]، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وقد يقع في نفس الواحد منَّا من وساوس الشَّيطان، فيجد نفسه قد زاغت قليلا عن طريق الصَّلاح والإحسان، فحينها ينبغي علينا أن نرجع إلى الله -سبحانه وتعالى- ونزكِّي أنفسنا بكثرة الأعمال الصَّالحة، وفعل الخير، فالجهاد لدفع الأخلاق السَّيئة والتخلُّص منها شيءٌ عظيمٌ، ويترتَّب على ذلك الثَّواب العظيم والأجر الكثير بإذن الله تعالى.[١٠]



فيا أيُّها الفضلاء، تحلُّوا بمكارم الأخلاق واحرصوا كلَّ الحرص على اجتناب أرذلها، وازرعوا في أبنائكم قيمة الأخلاق من خلال أعمالكم، وإنَّ حرصكم على هذا الأمر هو هدايتكم لتقوى الله -سبحانه وتعالى-، واتِباعكم لسنَّة نبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد جاءت رسالة الإسلام السَّمحة داعيةً إلى مكارم الأخلاق، وجعلت منزلتها عظيمةً، وإنَّ الصِّدق، والأمانة، والوفاء بالعهد، والتَّواضع، واحترام الكبير، والعطف على الصغير، وعدم أكل مال اليتيم، والعطف على الفقراء والمساكين، وتقبُّل النُّصح والإرشاد، والتَّعامل الحسن مع الآخرين؛ هي صفات من حَسُن خلقه واكتمل إيمانه، ومن اتَّصف بعكس ذلك فهو من المنافقين الضَّالين، قال -صلى الله عليه وسلم-: (آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَبَ، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا ائْتُمِنَ خان).[١١][١٢]



فلنخالق النَّاس بخُلُقٍ حسن، فهذا هو طبع الأنبياء والمرسلين، فالأخلاق الحسنة ترفع صاحبها وتسمو به وتهديه إلى سبل الرُّشد والفلاح، والأخلاق السيئة تحطُّ من قيمة صاحبها وتهوي به في الأرذلين، فمن دنا خلقه وُضع شرفه وهُدم مجده، وخسر الخسران المبين، واعلم بأنَّه إذا حسُن خلقك كنت أوَّل الفائزين، وكُتبت عند الله من المؤمنين، فجعلنا الله وإياكم من عباده الصَّالحين.[١٣]



الخطبة الثانية

الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، والحمد لله على نعمة الدِّين الذي أتمَّه لنا وأسبغ نعمه علينا وجعلنا من المسلمين، وبعث فينا سيِّدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- رسولًا صادقًا أمين، الذي هدانا للإسلام وأوصانا بحسن الخُلُق واللِّين، فاجزه اللهمَّ عنَّا خير الجزاء هو وأصحابه والتَّابعين، ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد؛ فقد تناولنا في الخُطبة الأولى موضوع حُسن الخُلق، حيث شَرع الله -سبحانه وتعالى- لنا الكثير من الطَّاعات التي تُقرّبنا منه، وقد ورد عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ حُسن الخلق هو أعظم الطَّاعات، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: (إنَّ اللهَ ليُبَلِّغُ العبدَ بحسنِ خلقِهِ دَرَجَةَ الصَّوْمِ والصَّلاةِ).[١٤][١٥]



فيا عباد الله لا تحقرنّ من المعروف شيئًا، وأحسنوا فإنَّ الله يحب المحسنين، وجاهدوا لتكونوا من أصحاب الخُلق الحسن فيزيد إيمانكم، واسعوا لذلك بالأعمال الصَّالحة وحفظ اللّسان والحواس الخمسة كلُّها من المعاصي، ولنسأل الله -عزَّ وجل- في صلاتنا وقيامنا أن يهدينا لأحسن الأخلاق، ويصرف عنّا سيئها فلا نشقى أبدًا.[١٥]



الدعاء

  • اللهم اجعلنا من عبادك المتَّقين الصَّالحين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.
  • اللهمَّ طهِّر قلوبنا من الآثام والأمراض، واحفظ جوارحنا عن الفواحش وسيِّء الأخلاق.
  • اللهمَّ احفظنا واحفظ لنا وطهرنا وطهر لنا، اللهمَّ كما حفظت أنبياءك وأولياءك فاحفظنا.
  • اللهمَّ ألهمنا رشدنا وبصِّرنا بمواطن الضَّعف في نفوسنا.
  • اللهمَّ اهدِ ضال المسلمين وأصلح شأنه، وعافه فيمن عافيت، وتولَّه فيمن توليت.
  • اللهمَّ اكتبنا من أهل اليمين وارزقنا اتباع هذا الدِّين فنكون من عبادك المحسنين.
  • اللهمَّ كما أحسنت خَلقنا فأحسِن خُلقنا.
  • اللهمَّ اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلَّا أنت، واصرفنا عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلَّا أنت.
  • اللهمَّ جازنا بالإحسان إحسانًا وبالمعصية عفوًا وغفرانًا.
  • اللهمَّ إنَّا نعوذ بك ممَّا يحلُّ به علينا غضبك، ونسألك اللهمَّ أن ترشدنا لكلِّ ما يقربنا إليك، واجعل اللهمَّ حُسن الخُلق هيئتنا الرَّاسخة التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل وتقبل منَّا يا أرحم الرَّاحمين.[١٦]

عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. ^ أ ب ت "حسن الخلق"، الخطباء، 9/7/2019، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2021. بتصرّف.
  2. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:9696، حسن.
  3. "مع التقوى والمتقين"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2021. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4811، صحيح.
  5. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:1987، حسن.
  6. ^ أ ب "الأخلاق الحسنة"، الخطباء، 30/3/2018، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2021. بتصرّف.
  7. خالد سعد الشهري (20-7-2019)، "خطبة عن حسن الخلق"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28-6-2021. بتصرّف.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو الدرداء، الصفحة أو الرقم:2002، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1162، حسن صحيح.
  10. عبد الرحمن السعدي، كتاب الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات، صفحة 113. بتصرّف.
  11. رواه ابن العربي، في عارضة الأحوذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5/308، صحيح.
  12. "الخطابة: تعريفها وأهميتها في الإسلام"، الألوكة الشرعية، 19/11/2019، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2021. بتصرّف.
  13. أحمد زكي صفوت، كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، صفحة 76. بتصرّف.
  14. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2645، صحيح.
  15. ^ أ ب "خطبة قصيرة عن الأخلاق الحسنة"، الألوكة الشرعية، 10/1/2018، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2021. بتصرّف.
  16. سليمان بن حمد العودة، كتاب شعاع من المحراب، صفحة 118-288. بتصرّف.
9905 مشاهدة
للأعلى للسفل
×