مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمد الشاكرين، حمد الذاكرين، حمد الراجين لعفو الكريم، الحمد لله حمدًا لا مُنتهى له، الحمد لله الذي لا نرجو منه إلّا الرضا، ونيل الجنّة، والنجاةَ من النار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله، اصطفاه من خلقه وجعله هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.[١]
الوصيّة بتقوى الله
أوصيكم إخوة الإيمان ونفسي المقصّرة بتقوى الله -عزّ وجلّ- فهي سبيل النجاة في الدارين، والإخلاص لله -سبحانه وتعالى- قولًا وعملًا، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).[٢]
الخطبة الأولى
أيّها الإخوة الأحبة؛ حديثنا اليوم عن الأخوّة في الله، تلكَ الأُعطية التي منحنا اللهُ إياها، والتي جعلها الله -سبحانه وتعالى- صفةً مقترنة بالإيمان؛ فقال -عزّ وجلّ-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)،[٣] وهذه الأخوّة في الله سرُ سعادة المرء وسببُ نجاته في الآخرة، وهي التي تُخفّف مرارةَ هذه الحياة، والإخوة المتحابّون في الله سيظفرون بظلّ الرحمن يوم القيامة يومَ لا ظِلَ إلا ظله.[٤]
ففي الحديث الذي أخرجه الإمامُ البخاريّ، أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد ذكر أن سبعة ينالون ظِلّ الله يوم القيامة، وذكر منهم رجلان تحابا في الله؛ فقال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ في خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسْجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ".[٥][٦]
إنّ الأخوة في الله تفرضُ على المتآخين حقوقًا عدَّةً، منها:[٤]
- المحبّة والتناصر فيما بينهم، وأن يحبّ كلٌّ منهما الخير والنفع للآخر.
- على المتآخين في الله أن يحرصا على التناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، وألّا يتخاصما لذلك؛ فمن مقوّمات الأخوّة في الله التناصح.
- على المتآخين في الله أن يُدافع كلٌّ منهما عن الآخر، ويحمي كُلّ واحدٍ منهما الآخر من التعرّض للظلم والقهر.
أقول ما تسمعون وأستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه؛ (إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا).[٧]
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، اللهم إنّا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله،[٨] يا عباد الله:
إنّ أبرز أسباب ما تعيشه الأمّة الإسلاميّة اليوم من تشتّت وتشرذمٍ: ضعفُ الأخوة في الله، وعدم العمل بها، والسير على طريقها؛ فأصبح جزءٌ من الأمّة مفكَّكًا؛ لقلّة الأخوّة في الله، والناظر في تاريخ هذه الأمة التليد؛ ليجد أنّ الأخوة في الله كانت دائماً سببًا في قوّة الأمّة وانتصارها على أعدائها؛ لذلك علينا أن نقوّي الأخوة في الله، فهي الماء الذي يروي عطشَ القلوب،[٩] نسألُ الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ممن يستمعُ القولَ فيتبعُ أحسنه آمين آمين.
الدُعاء
إخوتي في الله إنّي داعٍ فأمّنوا:
- (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ).[١٠]
- (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).[١١]
- "ربِّ اغفِرْ لي خطيئتي يومَ الدِّينِ".[١٢]
أيها الأخوة الكرام؛ إنَّ الله يأمرُ بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.
المراجع
- ↑ ابن القيم، كتاب فتيا في صيغة الحمد، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:1
- ↑ سورة الحجرات، آية:10
- ^ أ ب يوسف صديق البدري (21/2/2015)، "الحب في الله علاماته وفضله وشروطه "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6806، صحيح.
- ↑ د.شريف فوزي سلطان (4/10/2016)، "الأخوة في الله"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية:10
- ↑ عبدالقادر شيبة الحمد، كتاب فقه الإسلام شرح بلوغ المرام، صفحة 198. بتصرّف.
- ↑ الشيخ محمد صالح المنجد، "الأخوة في الله"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة الاعراف، آية:126
- ↑ سورة البقرة، آية:286
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أم سلمة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم:2927، إسناده صحيح رجاله رجال الشيخين.