مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي بارك هذه الأمة، وجعل مصدر عزّتها في شبابها، وجعل شباب الأمة من أسباب النصر، وأشهد أن لا إله إلا الله، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي رزقنا ووهبنا نعماً كثيرة، وجعل لنا الأموال والبنين، وبارك لنا في أموالنا وأهلنا وأولادنا وذريّاتنا، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، الذي بارك بالشباب، وأثنى عليهم، وحثّهم ونصحهم، وكان أرفق الناس بهم.[١]
الوصية بتقوى الله
معشر المسلمين، أوصيكم ونفسي المقصرِّة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذِّركم ونفسي عن مخالفة أمره، قال -سبحانه وتعالى- في كتابه: (وَأَنَّ هـذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ).[٢]
الخطبة الأولى
عباد الله، لا يصلح مجتمعٌ من المجتمعات إلا بالشّباب، ولا يقوم بناء أمّة من الأمم إلا على أكتاف الشباب، والذي يحتاجه الشباب هو أن يجدوا القدوة الصالحة، ويجدوا الرجل الصالح، صاحب العمل الصالح، والقول الصالح، فيتّبعوه.
ولا أنفع ولا أجدى إلى هؤلاء الشباب من قدوة صالحة تأخذ بأيديهم من دروب الضلال والأغلال إلى دروب العفة والطهارة، ومن مهالك الشرك والوثنية وتعظيم غير الله إلى التوحيد والإيمان، ومن مراتع الرذيلة والضياع إلى بيوت الله العامرة بذكر الله وبالذاكرين الله كثيراً.[٣]
وقد رفع الإسلام من قيمة الشباب، وجعل للطاعة في أيام الشباب أجراً عظيماً، حتى أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنّ الله -تعالى- يعجب من الشباب الصّالح العابد لربه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ).[٤][٥]
وقد جعل الله -تعالى- طاعة الشاب لربه وابتعاده عن المعاصي سبباً ليكون هذا الشابّ في ظلّ الله يوم القيامة يوم لا ظلّ إلا ظلّه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ).[٦][٧]
وقد كان أنصار الأنبياء على مرّ التاريخ من الشباب، فقد كان أنصار عيسى -عليه السلام- من الشباب، وكان كثير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشباب، وكان الشباب على مرّ التاريخ هم أكثر الناس صدعاً للحق، ووقوفا في وجه الظالمين.
وهؤلاء الفتية؛ أهل الكهف أثنى الله -تعالى- على صبرهم وجهادهم ووقوفهم في وجه الظالمين، فوصفهم بصفة الإيمان والهداية، فقال الله -تعالى-: (إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنوا بِرَبِّهِم وَزِدناهُم هُدًى)،[٨] وقد نبّه الله -تعالى- على أنّ هؤلاء من الشباب لكي نتفطّن إلى ما يستطيع أن يفعله الشباب وندرك قدراتهم.[٩]
أيّها الشباب، إن الله -تعالى- أقد وصى برعايتكم منذ الطفولة حتى آخر العمر، وقد حذّر الله تعالى الوالدين أن يتركوا أولادهم طعماً للناس، فقد قال الله -تعالى-: (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).[١٠]
وقد أوصى الله -تعالى- الأهل بهذا الشاب خشية أن يصير من أهل النار، وقد حثّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الشباب على انتهاز الفرصة قبل ضياعها فقال: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ).[١١]
أيّها الشباب، هذا كلام رسول الله فاسمعوا وأطيعوا، اغتنموا قبل فوات العمر، وضياع الشباب، وفقدان القوة، واقتحام الشيب والضعف، وسارعوا -أيها الشباب- إلى نصيحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يُدرككم المشيب.
أيها الشاب، إن الله -تعالى- سائلك يوم القيامة عن هذا الشباب، وعن هذه النعمة، سيسألك ماذا عملت بنعمة الله -تعالى- عليك؟ لقد أعطاك القوة، فهل جعلتها في الطاعة؟ وأعطاك الفراغ، فهل جعلته في أعمال الخير؟ ماذا فعلت بشبابك وقوتك؟ فلنحرص أن يكون جوابنا موافق لمرضاة الله -تعالى-.
أيها الشباب، إياكم أن تنحدروا في منحدرات الرّذيلة، وإياكم أن تسلكوا مسالك الغواية، فالطّرقات إلى جهنّم كثيرة، والطريق إلى الله -تعالى- واحدٌ لا يتعدّد، فاحذروا المنافقين والحاقدين على دين الله -تعالى-، واحذروا الجالسين على الطرقات الذين يقذفون في عقولهم الشبهات، وفي قلوبهم الشهوات، حتى أصبح في أمتنا شباب لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا، فأصابهم قول الله -تعالى-: (فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ).[١٢][١٣]
معاشر المسلمين، ما أحوج الأمة في هذه الأيام إلى الشباب الذي يحمل في قلبه كلمة التوحيد ويمضي بها، فتكون هي وقود قلبه وعقله، وهي القائد لدربه، لا شبابا تميل بهم رياح الشبهات حيث مالت.
إخواني الفضلاء، لقد حذرنا الله -تعالى- من هذه الهفوة فقال: (وَلا تَركَنوا إِلَى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ)،[١٤] وحذرّنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أن نقع في اتبّاع غير الصالحين وتقليدهم ،فقال: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ).[١٥][١٦]
الخطبة الثانية
أيها الشاب، من أجل أن لا تزلّ قدمك فتهوي بك إلى الحضيض، عليك أن تتبع التعاليم الرشيدة التي تأخذ بيدك من مشارف الهاوية وتعيدك إلى المكان الذي يجب أن تكون فيه، واحرص على هذه النصائح لعلّها تنفعك.
وهي أن ترتبط بربّك، وبكتاب الله وسنّة نبيّه، اتّخذها نبراسك، وارجع إلى هذه الأصول كلّما رأيت أنّك أبعدت، واقترب منها، واعتصم بها، فلا عاصم إلا الله وكتابه العزيز وسنة نبيه الأكرم -صلى الله عليه وسلم-.
واحذر من التقليد الأعمى، وقبل أن تقلّد أحداً من الناس؛ اعلم ماذا تعمل، واحذر فإن التشبه بغير الصالحين مذلة عظيمة، ومنزلق وخيم. واصبر على الطاعة وتجلّد، ولا تملّ، فإن الصبر مفتاح الفرج، واملأ فراغك بالطاعة، فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة، شغلتك بالمعصية.
واختر الصحبة الصالحة، فإن الصاحب ساحب، وقد يجعلك الصاحب يوم القيامة تعضّ على يديك من الندم، يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا).[١٧]
معاشر المسلمين، إن في تاريخنا الإسلاميّ وتراثنا كثيراً من الأمثلة التي لو رجعنا إليها لاستفدنا منها في همة الشباب، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما هو في عصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومنها ما هو سابق على ذلك، ومن هذه الأمثلة: قصة إبراهيم -عليه السلام-.
حيث ذهب إلى بيت الأصنام، فهدم الأصنام وحطّمها من أجل إعلاء كلمة الله -تعالى-، وكان ما يزال فتى شاباً، قال الله -تعالى-: (قالوا سَمِعنا فَتًى يَذكُرُهُم يُقالُ لَهُ إِبراهيمُ)،[١٨] أخي في الله، أتدري أن إبراهيم عندما دعا قومه كان شاباً، وقُذف في النّار وأنجاه الله منها وهو لم يزل شابّا.
أيّها الشاب المسلم، أتعلم أنّ إسماعيل بن إبراهيم فدى نفسه لله، وأطاع أمر أبيه من أجل رؤيا رآها، فقال -تعالى-: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)،[١٩] وفي تلك الحالة كان لم يزل شاباً، والدليل على ذلك قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا بَلَغَ).
وكذلك سيّدنا يوسف -عليه السلام- يوم قال: (مَعاذَ اللَّـهِ إِنَّهُ رَبّي أَحسَنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظّالِمونَ)،[٢٠] حيث كان شاباً، وموسى لمّا دخل على فرعون يعظه ويهديه ويرشده؛ كان ما يزال شابّا، فدخل على فرعون، ووعظه وأمره ونهاه.[٩] أيها الشاب المسلم النبيل، هؤلاء هم قدوتك، وهؤلاء هم معلموك الذي ينبغي عليك أن تقتدي بهم، لا أن تقتدي برجل لا يقول ربي الله.[٢١]
الدعاء
- اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
- اللهم ردّ شباب المسلمين وفتياته إلى دينك ردّا جميلا.
- اللهم ارزق شباب المسلمين التقوى، وعلّمهم الرضا، وأَعِنهم على طاعتك.
- اللهم أيقظ شبابنا من الغفلة، وأخرجهم من وحل الرذيلة يا رب العالمين.
- اللهم ألهمهم محبتك، والرضا بقضائك.
- اللهم جنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وجنبنا مصارع السوء.
- اللهم إن نفوسنا إليك راجعة، فاغفر لنا مغفرة واسعة، وارحمنا رحمة نافعة.
- اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
المراجع
- ↑ ابن عثيمين (1408)، الضياء اللامع من الخطب الجوامع (الطبعة 1)، صفحة 616، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية:153
- ↑ مجموعة من المؤلفين، المسجد النبوي، صفحة 30. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد، في المسند، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:17371، حسن لغيره.
- ↑ المناوي (1356)، فيض القدير (الطبعة 1)، مصر:المكتبة التجارية الكبرى ، صفحة 263، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في الصحيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:660، صحيح.
- ↑ محمد الأمين الهرري (1430)، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (الطبعة 1)، صفحة 117، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية:13
- ^ أ ب علي بن عبدالعزيز الراجحي، "الشبـــــاب "، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 7/10/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة التحريم، آية:6
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك، عن ابن عباس، الصفحة أو الرقم:7846 ، صحيح على شرط الشيخين.
- ↑ سورة مريم، آية:59
- ↑ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ (13/4/1437)، "وصايا مهمة لشباب الأمة"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 7/10/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية:113
- ↑ رواه البخاري، في الصحيح، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:3456، صحيح.
- ↑ مرشد الحيالي (5/2/1437)، "يا شباب الإسلام (خطبة) "، الالوكة، اطّلع عليه بتاريخ 7/10/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان، آية:27-28
- ↑ سورة الأنبياء، آية:60
- ↑ سورة الصافات، آية:102
- ↑ سورة يوسف، آية:23
- ↑ الشيخ محمد بن إبراهيم السبر (16/2/1441)، "مكانة الشباب في الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 7/10/2021. بتصرّف.