محتويات
مقدمة الخطبة الأولى
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، الحمد لله الذي أمر ببر الوالدين، وجعل ذلك من أسباب مرضاته والخلود في دار النعيم، وجعل العقوق سببًا للشقاء في الدنيا وموصلًا إلى الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.[١]
الوصية بتقوى الله
عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله -عز وجل- في السر والعلن، فتقوى الله فوز لنا في الدنيا وفي الآخرة، قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).[٢]
الخطبة الأولى
أيها الإخوة الأكارم، حديثا اليوم عن بر الوالدين، فقد أمرنا الله -سبحانه وتعالى- ببر الوالدين، وقرن برهما بطاعته، فقال في محكم التنزيل: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا).[٣]
أيها الأحبة في الله، يتحقق بر الوالدين بالدعاء لهما، والإحسان إليهما، وطاعتهما، والقيام على خدمتهما، والاعتراف بفضلهما، والنفقة عليهما، والجلوس معهما، وإجابة ندائهما، وحسن الاستماع إليهما.[٤] يقول الشاعر:[٥]
العيش ماض فأكرم والديك به
- والأم أولى بإكرام وإحسان
وحسبها الحمل والإرضاع تُدمنه
- أمران بالفضل نالا كل إنسان
تحملْ عن أبيك الثقل يوماً
- فإن الشيخ قد ضعفت قواه
أني بك عن قضاه لم ترده
- وآثر أن تفوز بما حواه
أيها المسلمون، إن بر الوالدين من أعظم القربات، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل-، لذلك يجب علينا أن نحرص على بر والدينا؛ لأن ذلك يعود علينا بثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة، ومنها:[٦]
- بر الوالدين طريق إلى الجنة
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: (الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ. قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ)،[٧] وقد جاء رجل إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: "يا رسولَ الله، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ"؟ فسأله -عليه الصلاة والسلام- إن كان له أمّ على قيد الحياة، فأجابه: نعم، فأوصاه أن يلزم قدمها فإنّها الجنة.
- بر الوالدين سبب في رضا الله
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (رِضاءُ اللهِ في رِضاءِ الوالدِ وسخَطُ اللهِ في سخَطِ الوالدِ).[٨]
- بر الوالدين سبب لطول العمر وزيادة الرزق
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه).[٩]
معاشر المسلمين، إن بر الوالدين لا يتوقف بعد وفاتهما، فقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- كيفية بر الوالدين بعد موتهما، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- قال: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: (إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ وإنَّ أَبَاهُ كانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ).[١٠]
والمراد "بأن يولي": أي: يموت، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (أنَّ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهو غَائِبٌ عَنْهَا، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شيءٌ إنْ تَصَدَّقْتُ به عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فإنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا).[١١] فالحديث الشريف أيها الأحبة، يدل على وجوب الإحسان إلى الوالدين بعد موتهما
اللهم اجعلني وإياكم من البارين بوالدينا في حياتهم وبعد وفاتهم يا أرحم الراحمين، وأقول قولي هذا واستغفر الله الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
إِن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أَنفسنا، وسيئات أَعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إِله إِلا الله، وأَشهد أَن محمدا عبده ورسوله.[١٢]
أيها الأحبة في الله، فلنحذر من الإساءة للوالدين بالقول أو الفعل؛ لأن عقوق الوالدين من الكبائر، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الكبائر، فقالَ: (الشِّرْكُ باللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ).[١٣]
الدعاء
أيها المسلمون، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:
- (رَبَّنَا اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنينَ يَومَ يَقومُ الحِسابُ).[١٤]
- (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).[١٥]
- (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).[١٦]
- (اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ، ما عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ، وأعوذُ بِكَ منَ الشَّرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ، ما عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ من خيرِ ما سألَكَ عبدُكَ ونبيُّكَ، وأعوذُ بِكَ من شرِّ ما عاذَ بِهِ عبدُكَ ونبيُّكَ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عملٍ، وأعوذُ بِكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، وأسألُكَ أن تجعلَ كلَّ قَضاءٍ قضيتَهُ لي خيرًا).[١٧]
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المراجع
- ↑ عبدالله القرعاوي (7/3/2011)، "بر الوالدين وتحريم عقوقهما"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 22/2/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية:70-71
- ↑ سورة الإسراء، آية:23
- ↑ محمد المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 276. بتصرّف.
- ↑ أحمد الزيات، مجلة الرسالة، صفحة 12.
- ↑ أزهري أحمد، بر الوالدين، صفحة 11-12. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:85، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:429، صحيح.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5986، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2552، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2756، صحيح.
- ↑ ابن القاسم، الروض المربع، صفحة 244.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:88، صحيح.
- ↑ سورة إبراهيم، آية:41
- ↑ سورة الأحقاف، آية:15
- ↑ سورة البقرة، آية:201
- ↑ رواه ابن حبان، في بلوغ المرام، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:458، صحيح.