خطبة عن عيد الاستقلال الجزائري

كتابة:
خطبة عن عيد الاستقلال الجزائري


خطبة عن عيد الاستقلال الجزائري

الله أكبر قد أعزّ جنده بعد أن حاولت يد المغتصب إذلالهم، الله أكبر قد جلى المحتل عن أراضينا وقد حسبنا أنّه لن يزول، ولكن قد صدق الذي قال يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، منذ ما يقارب ستين عامًا لم تكن الجزائر حورية خضراء كما هي اليوم، بل كانت ضحية للألعاب السياسية التي لمّا تنتهي بعد، في هذا اليوم بعد أن نفضت الجزائر عن نفسها غبار الذل ووقفت بعد أن كادت أن تكون مداسًا لمدة ثلاثة عشر قرنًا، استنزفت من خلالها الجزائر بأقسى طرق الاستنزاف، فكانت أمًا مريضة يسعى الأبناء من أجل خلاصها، ولكن هل يكون الخلاص إلا بالتضحية؟


لقد سعى أبناء الجزائر من أجل خلاص أمهم بأرواحهم حتّى سمّيت بلد المليون شهيد، لقد قدّمت الجزائر مليون قربانٍ حتى تنعم بما يراه الأبناء في هذه اللحظة من الأمان ظانّين أنّ هذا الأمان كله هو محض صدفة تاريخية حدثت في بلادهم، لا يعلمون أنّ الأمان لا يتحقق إلا بأرواح تسكب في كل حين، ها هي الجزائر الآن خضراء يانعة يغرّد فيها العصفور ويشدو باسم الحرية التي كادت أن تغيب عنها إلى الأبد، وتلعب الشمس لعبتها في إرسال خيوطها الصفراء إلى مقابر الشهداء الأبرار الذي هم أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر، كيف للإنسان ألا يقدم روحه في سبيل ربه وأرضه؟


لقد قضت الحياة ألّا نستطيع إيفاءهم حقوقهم، لكنّ ما ينتظرهم عند ربّهم بإذن الله خير مما تركوه، قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[١]، ويكفي وعد الله لهم أن يكرمهم بجنات عرضها السماوات والأرض جزاء لدمائهم التي أريقت في سبيل الله، وما أجملها من شهادة! أن يلفظ الإنسان روحه على أرض مغتصبة من أجل تحريرها.


إنّ الله يأمر عباده بالدفاع عن أرضهم ضد المستعمر الحاقد الذي ينظر إلى أبناء البلد الأصليين على أنّهم مشروع عبيد طائعين مسيّسين كما يريد، ولكن هيهات أن يكون للمستعمر ذلك وأحفادخالد بن الوليد سيف الله المسلول أحياء، إنَّ الإنسان قد يدفع أثمانًا غالية كي لا تستباح كرامته، ولا يستباح بيته، وكي يقف شامخ الرأس رابط الجأش صابرًا قوي العزيمة تشتعل عيناه بنار تحيط بالحاقدين الكاذبين المدّعين.


في هذا اليوم لا يسعنا إلا نُقبّل أيادي أمّهات الجزائر اللواتي أنجبن أشبالًا، ومن ماتت منهنّ فلنضمّ التراب على قبرها، ولا يسعنا في هذه اللحظات إلا أن نحمد الله على نعمة الأمان والسّلام التي وهبنا إياها بعد طول انتظار، وأخيرًا لا بدّ لكل أرض من دماء تروى بها حتى تنبت شجرة الزيتون فيها لا يقطف ثمارها إلاّ أبناء الجزائر، وحتى يبقى ميزان الحياة قائمًا كما أراد له رب الأرض والسماء أن يكون، والسلام ختام.


لقراءة المزيد، انظر هنا: لماذا سميت الجزائر بلد المليون شهيد.

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:169-171
7760 مشاهدة
للأعلى للسفل
×