خطبة قصيرة عن الموت

كتابة:
خطبة قصيرة عن الموت


مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي كتب على الخلائق الفناء والزّوال، فكان لكلّ نازلٍ في هذه الدنيا رحيلٌ وانتقال، نحمده سبحانه وتعالى وهو الكبير المتعال، ونشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمداً عبده ورسوله، وصفيّه وخليله، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آلهِ وصحبه والتّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



الوصية بتقوى الله

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل- في السر والعلن، فتقوى الله فوزٌ لنا في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فقد قال الله -تعالى- في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).[١]



الخطبة الأولى

أيّها الأحبّة في الله، حديثنا اليوم عن هادم اللّذات، ومفرّق الجماعات، ألا وهو الموت، فقد قال الله -تعالى- في كتابه العزيز: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).[٢]



أيها الأخوة الأفاضل، في كلّ يومٍ يمُرُّ علينا نرى فيه جنازةً تلو الأخرى، ولا يزال كثير من الناس غافلين عن هذه الحقيقة الكبرى، وكأنّ بينهم وبين الموت أمداً بعيداً، فما هذه القسوة التي أصابت قلوبنا! يقول الشاعر:[٣]

المَوتُ بابٌ وَكُلُّ الناسِ داخِلُهُ

                           فَلَيتَ شِعرِيَ بَعدَ البابِ ما الدارُ؟ 

الدارُ جَنَّةُ خُلدٍ إِن عَمِلتَ بِما

                         يُرضي الإِلَهَ وَإِن قَصَّرتَ فَالنارُ 



فلنحذر عباد الله من طول الأمل، فهو الذي يجعل الإنسان متعلّقا بدنياه منشغلًا بها، غافلًا عن الدّار الآخرة، فقد حذّر منه سبحانه وتعالى في محكم كتابه قائلًا: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).[٤] وقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (لا يَزَالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الأَمَلِ).[٥] ويقول سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: "ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس يغفل عنه، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راض".[٦] ويُقال:[٧]

يا من بدنياه اشتغل *** وغرّه طول الأمل

الموت يأتي بغتة *** والقبر صندوق العمل



أيّها الإخوة في الله، فلنتذكّر وصيّة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (أكثِرُوا ذِكرَ هادِمِ اللذَّاتِ، فإنَّهُ لا يكونُ في كثيرٍ إلا قلَّلَهُ، ولا في قليلٍ إلَّا أجْزلَهُ).[٨] وقال ابن عمر-رضي الله عنه-: (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم سُئِلَ: أيُّ المؤمنينَ أكيَسُ؟ قال: أكثَرُهم للموتِ ذِكرًا، وأشَدُّهم استعدادًا له؛ أولئك همُ الأكياسُ).[٩] "وقِيلَ لِبَعْضِ حُكَمَاءِ الْعَرَبِ: مَا أَبْلَغُ الْعِظَاتِ؟ قَالَ: النَّظَرُ إِلَى مَحِلَّةِ الْأَمْوَاتِ".[١٠] فالإكثار من ذكر الموت -عباد الله- وما يتبعه من الجزاء والحساب يحثّنا على التّوبة والإنابة، والإقلاع عن المعاصي والإساءة.


يقول الشاعر:[١١]

نُراعُ لِذِكْرِ الْمَوْتِ سَاعَةَ ذِكْرِهِ

                                وَتَعْتَرِضُ الدُّنْيَا فَنَلهُوا وَنَلْعَبُ 

يَقِينٌ كَأَنَّ الشَّكَّ غَالِبُ أَمْرِهِ

                              عَلَيْهِ وَعِرْفَانُ إِلَى الْجَهْلِ يُنْسَبُ 


عباد الله، كفى بالموت واعظًا؛ لِنعتبر ممّن مات قبلنا، كم من حبيب دفنّاه؟ وكم من عزيز فارقناه؟ وكم من قريب ودّعناه؟ فلنُقبل عباد الله على الطاعات، ولنبتعد عن الشهوات، ولنتوب إلى الله توبة نصوحةً. يُقال في الشّعر:[١٢]

تؤمّلُ في الدّنيا طويلاً ولا تدري

                               إِذا جُنَّ ليلٌ هل تعيشُ إِلى الفجرِ 

فكم من صحيحٍ ماتَ من غيرِ عِلَّةٍ

                               وكم من عليلٍ عاشَ دهراً إِلى دهرِ 

وكم من فتىً يُمسي ويصبحُ آمناً

                               وقد نُسِجَتْ أكفانهُ وهو لا يدريِ 

ومن يصحبِ الدنيا يكنْ مثلَ قابضٍ

                              على الماءِ خانته فروجُ الأصابعِ. 


فاللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه، إنك ولي ذلك والقادر عليه، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد الله الذي جعل الموت راحة للأبرار، ينقلهم فيه من دار الهموم والأكدار، إلى دار الراحة والاستبشار، والحمد لله الذي جعل الدنيا دار الفناء، وجعل الآخرة دار اللّقاء، وتفرّد سبحانه بالبقاء، فقال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).[١٣]


أيها الأحبة في الله، أما آن لنا أن نستعد للقاء الله؟ أما آن لنا أن نستعد لساعة الوداع؟ فلنسمع قول الله تعالى وهو يصف هذه اللّحظات العصيبة في حياة الإنسان، قال سبحانه وتعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـكِن لَّا تُبْصِرُونَ).[١٤]


يا الله! ما أصعب هذه اللّحظات، أفلا نتذكّر هذه اللّحظات العصيبة؟ أفلا نستعدّ لها؟ قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "الواجب على العاقل أخذ العدّة لرحيله؛ فإنّه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربه؟ ولا يدري متى يستدعى؟ وإنّي رأيت خلقًا كثيرًا غرهم الشباب، ونسوا فقد الأقران، وألهاهم طول الأمل".[١٥]



الدعاء

  • اللّهم أحسن ختامنا، نسألك أن تُخفّف عنا سكرات الموت، اللهم إنّا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النّار وما قرّب إليها من قول وعمل، اللّهم لا تجعل لأحد منّا في هذا الجمع المبارك ذنبا إلّا غفرته، ولا مريضاً بيننا إلّا شافيته، ولا ميّتا إلّا رحمته، ولا دَينا إلا قضيته، ولا حاجةً هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
  • اللّهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
  • اللّهم إنّا نعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والهرم، ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ونعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار.
  • اللّهم إنّا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وأن تقبضنا إليك غير مفتونين، ونسألك حبّك، وحبّ من يُحبّك، وحبّ كل عمل يقربنا إلى حبّك.


عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:102
  2. سورة آل عمران، آية:185
  3. أحمد قبش، كتاب مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي، صفحة 40.
  4. سورة البقرة، آية:96
  5. رواه محمد بن إسماعيل البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6420، حديث صحيح.
  6. محمد الغزالي، الإحياء في علوم الدين، صفحة 454.
  7. أحمد قبش، كتاب موارد الظمآن لدروس الزمان، صفحة 423.
  8. رواه الألباني، في ضعيف الترغيب، عن عبدالله ابن عمر، الصفحة أو الرقم:1943، ضعيف.
  9. رواه شعيب الأرناؤط، في تخريج منهاج القاصدين، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:383، ضعيف للترغيب.
  10. البيهقي، شعب الإيمان، صفحة 477.
  11. عبدالعزيز السلمان، موارد الظمآن لدروس الزمان، صفحة 159.
  12. أحمد قبش، كتاب مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي، صفحة 421.
  13. سورة الرحمن، آية:26-27
  14. سورة الواقعة، آية:83-85
  15. ابن الجوزي (2004)، صيد الخاطر (الطبعة 1)، دمشق:دار القلم، صفحة 28، جزء 1.
18425 مشاهدة
للأعلى للسفل
×