مقدمة الخطبة
إنّ الحمد لله، نستغفره، ونستهديه، ونتوب إليه، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له، الحمد لله الذي شرع لنا الأُضحية ونحرها في أيام العيد، لنتقرب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن مُحمداّ عبده ورسوله، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
الوصية بالتقوى
عباد الله، أوصيكم ونفسي المُقصرة بتقوى الله ولُزوم طاعته، فالتقوى هي سبب السعادة والنجاة في الدُنيا والآخرة، وأُحذركم ونفسي من مُخالفته وعصيان أوامره، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).[١]
الخطبة الأولى
معاشر المُسلمين، شرع الله -تعالى- لعباده المؤمنين في أيام العيد أن يقوموا بذبح أُضحياتهم، وهي من نعم الله -تعالى- عليهم، وفيه تشبه بالحاج في ذبحه لهديه، كما أن فيها اقتداءً بأبينا إبراهيم -عليه السلام-، وقد وضع النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وأهل العلم شُروطاً وضوابط للأُضحية، ومنها: أن تكون من الأنعام، وأن تكون سليمةً من العيوب.[٢]
وورد بعض هذه العيوب في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- الذي يقول فيه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (أربعٌ لا يجْزينَ في الأضاحي: العوراءُ البيِّنُ عورُها، والمريضة البيِّنُ مرضُها، والعرجاء البيِّن ظلعُها والعجفاء التي لا تُنْقي).[٣][٢]
والعوراء: هي التي ذهبت عينها، ولكن إن بقيت حدقتها مع عدم الرؤية ومع بقاء بياض العين، فيجوز في هذه الحالة الأُضحية بها، وأمّا العمياء: والتي يكون ذهب بصرها فلا تُجزئ في الأُضحية؛ لأنّ العوراء التي فقدت عيناً واحدة لا تجوز فمن باب أولى العمياء والتي ذهب كلتا عينيها.[٢]
وأمّا النوع الثاني: فهي المريضة البين مرضها: وهو المرض الذي يُبين أثره على الأُضحية؛ لأن ذلك مما يُنقص اللحم ويُفسده، وأمّا إن كان المرض بسيطاً ولا يظهر ولا يُفسد اللحم فيجوز الأُضحية بها.[٢]
وأمّا الصنف الثالث فهي العرجاء البين عرجها وظلعها: وهي التي يكون عرجها ظاهراً، وهي التي تتأخر عن باقي القطيع في المشي، وكذلك لا تُجزئ من كانت مقطوعة اليد أو الرجل، وأمّا إن كانت الأُضحية بها عرجٌ يسير ولا تتأخر عن باقي القطيع فيجوز الأُضحية بها، وأمّا الصنف الرابع فهي العجفاء: وهي الهزيلة التي مخ في عظمها من شدة الهُزال والضعف.[٢]
وهذه الشروط تكون في الأضحية لتكون سليمةً طيبة، فالله -تعالى- طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، فقال العُلماء: بعدم جواز الأُضحية بالعوراء ولا العمياء أو البهيمة مقطوعة الأُذن، أو مقطوعة الذنب، وأمّا التي تولد بلا ذنب فيجوز تضحيتها، وكذلك لا يجوز التضحية بمقطوعة الألية، وأمّا ما يولد من البهائم بلا الألية فيجوز التضحية بها.[٤]
ومن الأشياء التي يُكره وجودها في البهيمة المُراد التضحية بها؛ كالخرقاء، وهي التي في أُذنها خرقاً أو مشقوقة الأُذن، فالأصل في الإنسان المُضحي أن يشتري أُضحيته سليمةً طيبة، ولو طرأ عليها عيبٌ بعد ذلك بدون تقصيرٍ منه فلا يلزمه شراءُ أُضحيةً أُخرى؛ لأن هذا قد يُسببُ له المشقة والكُلفة.[٤]
يا عباد الله، اعلموا أن العُلماء لمّا تكلموا عن عيوب الأُضحية، قاموا بتقسيمها إلى قسمين، القسم الأول: وهو ما ورد به النص، وهي: العوراء، والمريضة، والعرجاء، والعجفاء، وهي العيوب التي وردت في حديث البراء بن عازب.[٥]
وأمّا القسم الثاني: وهو ما قاس عليها العلماء من العيوب على ما ورد به النص، فإما أن تكون هذه العيوب من باب أولى؛ كالعمياء، والشلاء، وأمّا أن يكون العيب من باب التساوي في العلة، وذلك من حيث التأثير في القيمة أو اللحم.[٥]
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنّة، ونفعني وإيَّاكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كُلِّ ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشُّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، الدّاعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، وسلِّم تسليماً كثيراً، أمَّا بعد،
يا معاشر المُسلمين، اعلموا أنّ الله -تعالى- ورسوله -عليه الصلاةُ والسلام- حثاً على اختيار البهيمة كاملة الصفات، البعيدة عن العيوب للتضحية بها، فيحرص المُضحي عند اختياره لأُضحيته أن تكون طيبة، بعيدةٍ عن النقص والعيب، فكان النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يحث الصحابة الكرام على النظر إلى عين وأُذن البهيمة عند اختيارها، وكُلما كانت الأُضحية كاملة الصفات طيبة، وغلا ثمنها كُلما كان الأجر أعظم وأكبر.[٦]
الدعاء
- اللهم تقبّل منّا الصيام والقيام، وارزقنا بركات العيد.
- اللهم آتنا في الدُنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وتوفنا مع الأبرار يا أرحم الراحمين.
- اللهم إنّا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
- اللَّهمّ إنَّا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسّلامة من كُلِّ إثم، والغنيمة من كُلِّ بِرٍّ، والفوز بالجنَّة، والنّجاة من النَّار.
- اللهم اجعل القُرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء هُمومنا وغُمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نُسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يُرضيك عنا يا رب العالمين.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمُنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروه يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية:1
- ^ أ ب ت ث ج أحمد الزومان، "خطبة عن أحكام الأضحية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 22/2/2022. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:886، صحيح.
- ^ أ ب "أحكام الأضحية"، الموقع الرسمي للشيخ محمد صالح المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 22/2/2022. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 12، جزء 130. بتصرّف.
- ↑ مراد وَعْمارة، "أحكام الأضحية"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 22/2/2022. بتصرّف.