خطبة مؤثرة عن أبي بكر الصديق

كتابة:
خطبة مؤثرة عن أبي بكر الصديق

مقدمة الخطبة

إنَّ الحمدُ لله، نحمدهُ، ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنَّ لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.[١][٢]



الوصية بتقوى الله

عباد الله: اتَّقوا الله حقَّ تقاتهُ، امتثالاً لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللهَ ۚ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)،[٣] وانصروه ينصركم، وأطيعوهُ يثبتكم، فقال -تعالى-: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).[٤]



الخطبة الأولى

عباد الله: بَعَثَ الله -سبحانه وتعالى- سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- بالهدى والنُّور، واصطفاه على البشر، واصفطى لهُ أصحابًا خُيَّراً كانوا حريصين على الخير داعين له، ومنهج ذكر أخبار الصَّالحين منهجٌ ربانيٌّ ونبويٌّ، وإنَّ التَّاريخ يشهد رجالًا من أصحاب الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- اشتدَّ بالله عزمهم، وصدقت لله نواياهم، وصدقوا في حًبهم، وعبادتهم، وزهدهم، وطاعتهم لله ورسولهِ -عليه الصلاة والسلام-.[٥]



عباد الله: ذكر الله -سبحانه وتعالى- في كتابهِ الحكيم: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا)[٦]، وتتحدَّث الآية عن صاحب الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- أبو بكرٍ الصِّديق.


وهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، سمَّاه الرَّسول محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعبد الله بعد أن كان يسمّى بالجاهلية عبد الكعبة، وأطلق عليه اسم "أبو بكر الصدِّيق"؛ لأنَّهُ أوَّل من صدَّق الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- في حادثة الإسراء والمعراج، خليفة الرَّسول -عليه الصلاة والسلام-، وأوَّل المبشرين في الجنَّة، وأوَّل من آمن بالرَّسول -صلى الله عليه وسلم- من الرِّجال، وأسلم على يدهِ قبل أن يهاجر إلى المدينة مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ثلاثون صحابياً، ستةٌ منهم من المبشرين بالجنَّة.[٥]



أخوتي بالله: كان أبو بكرٍ الصِّديق حبيب ورفيق الرَّسول -عليه الصلاة والسلام-، ويدلُّ على ذلك قول الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- عن أبو بكر: (لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا)،[٧] ولِد أبو بكر الصِّديق بعد عام الفيل بسنتين وستَّة أشهر، وصَاحَبَ النَّبيَّ -عليه الصلاة والسلام- قبل البعثة بسنةٍ، واستمرَّ معه طيلة إقامتهِ في مكَّة المكرَّمة، وفي هجرته إلى المدينة، واختابئهِ مع الرَّسول في غار حراء، شهِد مع الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- جميع الأحداث حتى وفاته، فحجَّ بالنَّاس في السَّنة التَّاسعة للهجرة، وحمِل الرَّاية في غزوة تبوك، واستمرَّ خليفةً للرَّسول في الأرض بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-.[٥]


وقال فيه حسّان بن ثابت:[٥]

إذَا تَذَكَّرْتَ شَجْواً مِنْ أَخٍ ثِقَةٍ

فَاذْكُرْ أَخَاكَ أبا بَكْرٍ بِمَا فَعَلا

التَّالِيَ الثَّانِيَ المَحْمُودُ شِيمَتُهُ

وأَوَّلُ النَّاسِ طُرَّاً صَدَّقَ الرُّسُلا

والثَّانِيَ اثْنَيْنِ في الغَارِ الْمُنِيفِ وَقَدْ

طَافَ العَدُوُّ بهِ إذْ صَعَّدَ الجَبَلا

خَيرُ البَرِيَّةِ أَتقَاهَا وَأَرْأَفُهَا

بَعْدَ النّبيِّ، وأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلا



أيها المسلمون: كان -رضي الله عنهُ- أبيضاً نحيفًا، خفيف العارضين، قليل لِحم الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، وقد جمع -رضي الله عنه- الفضائل كلَّها، وهو أكثر شخصٍ كان شبيهًا بالرَّسول -عليه الصلاة والسلام-، كان شديد الحياء، كثير الورع، لم يشرب الخمرَ قط؛ لأنَّه سليم الفطرة والعقل، ولم يعبد صنمًا بل كان يُكثر التبرؤ منها، عُرِف أبو بكر الصِّديق بأنَّهُ صاحب عبادةٍ وطاعةٍ.[٥]



ذات يومٍ صلَّى الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- صلاة الفجر، فلما انتهى من الصَّلاة قال: (من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ، إلا دخل الجنة).[٨]


وكان -رضي الله عنه- يأتي العجائز والأرامل ويخدمهم سرًا، ومن مواقفهِ -رضي الله عنه- أنَّ عمر بن الخطَّاب رآه يدخل على بيتٍ في اللَّيل، وعندما أصبح ذهب إلى هذا البيت فوجد امرأةً عجوزاً وابنتها صبيةٌ، فقال: "من هذا الرَّجل الذي يدخل عليكمِ في الليل، فقالت له: والله لا أعرفه، إلَّا أنَّه يأتي إلينا فيكنس بيتنا، ويحلب شاتنا، ويصلح عشائنا منذ زمن"، فبكى عمر -رضي الله عنه-.[٥]



وأعتق -رضي الله عنه- بلال بن رباح وهو يُعذَّب من قِبل سيدهِ، فاشترى بلالاً من سيدهِ بمبلغ من المال، وأطلقه وقال لهُ أنت معتوق لوجه الله -تعالى-، وقد بلغ عدد الذين أعتقهم من أيدي مُعذِّبيهم قبل الهجرة حوالي عشرةٍ من الرِّجال والنِّساء.[٥]



فنسأل الله -تعالى- أنّ يلحقنا بالصَّالحين، وأن يجعنا معهم في جنَّات النَّعيم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ عظيم، وأشهد أنَّ لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله.





الخطبة الثانية

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله -تعالى- من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنَّ لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشَّبيه والمثيل والنَّظير، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله.[٩]



أحبائي في الله: قد بيَّن الله -سبحانهُ وتعالى- لعبادهِ المسلمين من هو قدوتهم في الحياة الدُّنيا، قال الله -تعالى- في كتابهِ الكريم: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا)،[١٠] وكان أصحاب الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- أحرص النَّاس لنبيهم واقتداءً بهِ،وقد وصلت بهم الأمور بأن يحاكوا الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- في مشيته، ويحبُّون الطَّعام الذي يحبُّهُ.[٩]


ومن أكثر الأشخاص تقرُّبًا للرَّسول -عليه الصلاة والسلام- الصحابي الجليل أبو بكرٍ الصِّديق، خليفة الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- في الأرض، فكان جديرًا في الخلافة، وأجمع النَّاس عليه فبايعوه، ومن الدَّلائل على أنَّ أبو بكرٍ أولى بخلافة الرَّسول -عليه الصلاة والسلام-، قالت عائشة -رضي الله عنها-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه: (ادعي لي أبا بكر، أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا  أبا بكر).[١١][٩]



ومن فضائلهِ -رضي الله عنه- أنَّ الله حفظ بهِ الإسلام بعد أن ارتدت العرب عند وفاة الرَّسول -عليه الصلاة والسلام-، وقال بعض العرب: "إنَّ الله حفظ الإسلام بأبي بكٍر يوم الرِّدَّة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة"، وعمِل أبو بكرِِ الصِّديق بعد وفاة النَّبيِّ -عليه الصلاة والسلام- على جمع القرآن الكريم.[٩]



توفي أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنهُ- يوم الإثنين، بعد أن ردَّ النَّاس عن الرِّدة، وأظهر عزَّة الدِّين، واستقامت الأمور، رحِم الله أبا بكرٍ، وجمعنا به في جنات النَّعيم في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، واستغفر الله لي ولكم، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله، والسلام عليكم ورحمة الله.[٩]



الدعاء

هلمّ معي إخوتي ندعو الله -تعالى- متضرعين له:[١٢][١٣]

  • اللهمَّ حبِّب إلينا الإيمان وزِّينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق العصيان واجعلنا من الرَّاشدين.
  • اللهمَّ اجعلنا من أحبِّ خلقك إليك، ومن المقرَّبين لديك، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين.
  • اللهمَّ اجعل حبَّك وحبَّ رسولك - صلى الله عليه وسلم - أحبَّ إلينا من كلِّ شيء، أحبَّ إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا.
  • اللهم اجمعنا بالنبي-صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان في الجنة.
  • اللهمَّ أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهمَّ احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا عدواً ولا حاسداً.
  • اللهمَّ إني أسألك من كلِّ خيرٍ خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كلِّ شرٍّ خزائنه بيدك.







المراجع

  1. سعيد بن وهف القحطاني، كتاب صلاة العيدين، صفحة 3. بتصرّف.
  2. محمد بن عبدالرحمن العريفي (26/6/2011)، "نظرات في سيرة أبي بكر الصديق"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
  3. سورة الحشر، آية:18
  4. سورة الحج، آية:40 -41
  5. ^ أ ب ت ث ج ح خ د. سعود بن غندور الميموني (2/6/2018)، "خطبة عن أبي بكر الصديق"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
  6. سورة التوبة، آية:40
  7. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:6856، أخرجه في صحيحه.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1028، صحيح.
  9. ^ أ ب ت ث ج خالد بن عبدالله الشايع (5/1/2012)، "أبو بكر الصديق"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
  10. سورة الاحزاب، آية:21
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمن2387ين، الصفحة أو الرقم:2387، صحيح.
  12. [عبد الرحيم الطحان]، خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان، صفحة 34. بتصرّف.
  13. "جوامع الدعاء"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
7741 مشاهدة
للأعلى للسفل
×