ديك الجن الحمصي

كتابة:
ديك الجن الحمصي

من هو ديك الجن الحمصي؟

هو عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب الكلبي ويكنَّى أيا محمد (777م - 849م)، شاعر مجيد من شعراء العصر العباسي الأول، اشتهر بلقب ديك الجنِّ بين الناس لأنَّ لون عينيه كان أخضر، يعود أصله إلى السلمية القريبة من مدينة حماة، ولكنَّه ولدَ في حمص وتوفي فيها[١]، ويعود نسبه إلى حبيب بن عبد الله بن رغبان بن يزيد بن تميم الذي كان يعمل كاتبًا في أيام الخليفة المنصور، وأما جده تميم فقد كان من أهل مؤتة وهو أوَّل من دخل الإسلام من أجداده.[٢]


حياة ديك الجن الحمصي

كيف كان يقضي ديك الجن أيامه؟

سكن ديك الجن طول حياته في مدينة حمص، ولم يغادر بلاد الشام نهائيًا لا إلى العراق ولا إلى مصر ولا إلى غيرهما، فلم يكن يستجدي أو ينتجع بشعره، ولم يكن يتصدى لأحد من أجل ذلك، إلا علاقته بأحمد بن علي الهاشمي وأخيه جعفر، وهي صداقة ولم تكن نوعًا من الاستجداء، كان ماجنًا عابثًا خليعًا، يجتمع عنده المجَّان وهو يعكف على اللهو وإتلاف ما ورثه عن أبيه، وروى أنَّه كان يكثر الخروج إلى البساتين ويعاقر فيها الخمرة[٣]، توفي في أيام الخليفة العباسي المتوكل.[٤]


قصة ديك الجن مع زوجته

لماذا قتل ديك الجن الحمصي زوجته التي يحبها؟

رويَ أنَّ ديك الجن كانت له جارية نصرانية من أهل حمص تُدعى وردًا، فوقع في غرامها وتزوجها بعد أن أسلمت، وكان يقول فيها شعرًا كثيرًا، وبعد زواجه منها ضاق حاله فقصد مدينة السلمية في حماة ونزل عند أحمد بن علي الهاشمي، وكان ابن عمه يحقد عليه فأشاع أنَّ زوجة ديك الجن وقعت في غرام فتى في حمص، وأشاع الخبر بين الناس فوصل إليه، فاستأذن أحمد بن علي وعاد إلى حمص، وجعل ابن عمه رجالًا يستقبلونه عند قدومه إلى حمص ويخبرونه بما وقع من زوجته ويشيرون عليه بفسادها وأنّ الواجب أن يطلقها.[٥]


ووظف ابن عمه شخصًا أن يطرق عليه الباب بعد دخوله ويخبره أنَّ اسمه فلان ويريد زوجته، وكان ديك الجن يسأل زوجته عن تلك القصة بعد وصوله وهي تجيبه بأنّها لا تعلم شيئًا عنها، ولما جاء الفتى وقال له إنَّه فلان الذي سمع عنه، فصرخ في وجه زوجته وقد اشتعل غضبًا، واستلَّ سيفه وقتلها، ولكنه بعد أن علم بحقيقة تلك القصة ندم كثيرًا وحزن حزنًا كبيرًا، وبقي شهرًا يبكي عليها ولا يأكل إلا ما يقيم رمقه.[٥]


ديك الجن الحمصي شاعرًا

لماذا اختبأ ديك الجن من أبي نواس عندما زاره في بيته؟

كان ديك الجن من الشعراء المجيدين في عصره ولكنَّه لم ينتجع بشعره ولم يستجدِ به المال، وكان يمرُّ به الشعراء فيخاف أن يلقاهم لظنه أنَّه مقصر عنهم، فقد مرَّ به يومًا الشاعر العباسي الشهير أبو نواس عندما كان ذاهبًا إلى مصر، ولكنَّ ديك الجن اختفى منه، فقال لجاريته: قولي له لقد فتنت أهل العراق بشعرك، وذكر له من أبياته في وصف الخمرة، والتي يقول فيها:[٦]

مُوَرَّدةٌ مِنْ كَفِّ ظَبْيٍ كأنّما

تَناوَلَها مِنْ خَدِّهِ فَأدَارَها

فلما سمع ذلك خرج إليه واستضافه، ويروى أن دعبل الخزاعي أيضًا زار حمصًا فاختفى منه ديك الجن لأنه قاصر عنه، فزاره دعبل الخزاعي في بيته وقال لجاريته: قولي له أنت أشعر الإنس والجن في قولك كذا، وذكر له أبيات من شعره، فخرج إليه واستضافه.[٦]


قد روى عبد الله بن محمد بن عبد الملك الزبيدي أنه كان جالسًا عنده فدخل عليه شاب حدَث وأسمعه شعرًا، فأعطاه ديك الجن درجًا كبيرًا فيه كثير من أشعاره وقال له: تكسّب بهذا يا فتى، واستعن على قولك به، فلما خرج سأله عنه عبد الله الزبيدي، فأخبره ديك الجن أنَّه شاب من جاسم من بني طيء يكنَّى بأبي تمام، فيه ذكاء وأدب وقريحة وطبع، فقد كان ديك الجن معروفًا يقصده الشعراء في منزله ويعترفون به شاعرًا كبيرًا.[٧]


خصائص شعر ديك الجن الحمصي

هل قلَّد ديك الجن الشعراء الجاهليين في قصائدهم؟

تميزت أشعر ديك الجن بالعديد من الخصائص وفيما يأتي أهمها:

  • غياب المقدمات الطللية: لم يسِر ديك الجن على نهج شعراء العصر الجاهلي السابقين في تقليدهم بالوقوف على الأطلال في بداية قصائدهم.[٨]
  • ألفاظه سهلة: اعتمد في شعر على الألفاظ الواضحة والمألوفة، والتي تحمل رنينًا وانسيابًا وإيحاءً في تكثيفها ودلالاتها ومعانيها.[٨]
  • كثرة الأفعال فيها: أكثر الشاعر من استخدام الأفعال في قصائده، ما يدلُّ على نفسيته الهائجة والمتحركة التي لا تعرف السكون والهدوء.[٨]


  • الموسيقى الشعرية: تميزت أشعاره بوجود موسيقى شعرية طافحة من خلال استخدام البحور والمجزوءة وغيرها من البحور السهلة، واستطاع أن يوفِّق بين الوزن والموسيقى الداخلية والخارجية للقصيدة.[٨]
  • اتساع الصور الفنية: جاءت صوره للبوح عن مكنونات نفسه، فاعتمدت على معاني انفعالية ونفسية، وتنوعت بين صور فردية وصور مركبة.[٨]


الأغراض الشعرية في شعر ديك الجن الحمصي

ما أكثر المواضيع التي تناولها ديك الجن في قصائده؟

تناول ديك الجن في أشعاره جميع أغراض الشعر العربي وفيما يأتي بيانها بشكل مفصل:

  • الغزل: أخذ هذا الغرض مساحةً كبيرة في شعر ديك الجن، فقد وَصف المرأة الماجنة والعفيفة والمتزوجة والخائنة وغير ذلك، كما أنَّ المرأة كانت محور أشعاره كما في الغزل والرثاء.[٩]
  • الرثاء: أكثر ديك الجن من الرثاء في شعره، وقد وصفه ابن رشيق بأنَّه من المجيدين في الرثاء وخصوصًا رثاء آل البيت والرثاء الغزلي الذي اشتهر باستحداثه برثاء زوجته.[٩]


  • وصف الخمرة: أوغل ديك الجن في وصف آفاق الخمرة وعوالمها، كما تناول في أشعاره الأسباب التي دفعته إليها، بالإضافة إلى أوصافها ومجالسها وآثارها في نفسه، فكانت قصائده تلك مقطوعات خمرية خفيفة الإيقاع والوزن.[٩]
  • اللهو والمجون: ودور هذا الغرض حول الغزل الصريح بالنساء والتغزل بالغلمان.[٩]
  • الفخر: كان يتقلب في الفخر بين الفخر بالعرب والفخر بالعجم.[٩]


  • الهجاء: كان يهجو كل من يهدد حريته وأمنه، فقد هجا ابن عمه لكثرة انتقاده له، وهجا مرةً أهل حمص.[٩]
  • الوصف: كان يصف الطبيعة بكل ما فيها، وقد خلع عليها الصفات البشرية والمشاعر الإنسانية.[٩]
  • الحكمة: انتزع الحكمة في أشعاره من الواقع، ومن تأملاته في الكون، ومن تجاربه الخاصة ومعاناته الشخصية.[٩]


  • المدح: غلب في شعره مدح آل البيت والدفاع عنهم وعن حقهم في الخلافة، ولكنه أظهر المغالاة في مدحهم.[٩]


آراء النقاد في ديك الجن الحمصي

بماذا أجاد ديك الجن في شعره إلى جانب أبي تمام؟

لقد نال ديك الجن استحسان النقاد في عصره ومن أهم الذين ذكروه في كتبهم:

  • ابن خلكان: يرى أنَّ شعر ديك الجن من أجود الشعر إذ يقول: وشعره في غاية الجود.[١٠]
  • صاحب الأغاني: يرى أبو الفرج الأصفهاني أنَّ ديك الجنِّ من الشعراء المجيدين وأنَّ مذهبه في الشعر مثل مذهب أبي تمام والشعراء الشاميين في البراعة والإجادة.[١٠]
  • ابن رشيق: يجمع ابن رشيق بين أبي تمام وديك الجن في إجادة شعر الرثاء، ويفضل ديك الجن على أبي تمام في ذلك، قائلًا إنّ له طرقًا فريدة في الرثاء.[١٠]


أشهر قصائد ديك الجن الحمصي

ما القصائد التي عُرفت عن ديك الجن؟

  • قال ديك الجن يتغنى في حسن حبيته ورد:[١١]

اُنْظُرْ إلى شَمْسِ القُصُورِ وبَدْرِها

وإلى خُزَاماها وبَهْجَةِ زَهْرِهَا

لَمْ تَبْلُ عينُكَ أَبْيَضًا في أَسْودٍ

الجمَالَ كوَجْهِهَا في شَعْرِهَا

وَرْدِيّةُ الوَجَناتِ يَختَبِرُ اسْمَهَا

مِنْ رِيقِها مَن لا يُحيطُ بِخُبْرِهَا

وتَمايَلَتْ فضحكتُ مِنْ أَرْدافِها

عَجَبًا ولكنِّي بكيتُ لِخَصْرِهَا

تَسْقِيكَ كَأْسَ مُدامَةٍ مِنْ كَفِّها

وَرْدِيّةٍ ومُدامةً مِنْ ثَغْرِهَا
  • قال ديك الجن يطلب الإذن من أحمد بن علي لعودته إلى حمص ويخبره عن الفاجعة التي أهمَّته، وأجبرته على ذلك:[١٢]

إِنَّ رَيْبَ الزَّمانِ طالَ انْتِكائُهْ

كَمْ رَمَتْني بحادِثٍ أَحْداثُهْ

ظَبْيُ أُنْسٍ قَلبي مَقِيلُ ضُحاهُ

وفُؤَادِي بَرِيرُهُ وكَبَائُهْ

كَمْ وكَمْ أَسْتَغيثُ مِنْ شَحْطَةِ الدَّا

رِ ولَمْ يُسْعِفِ النّوى مُسْتَغَاثُهْ

ولِعَيْني دَمْعٌ تَسِيلُ مَثَاني

هِ وتَجْرِي رباعُهُ وثلاثُهْ

خِيفَةً أَن يَخُونَ عَهْدِي وأَنْ يُضْ

حِي لِغَيْرِي حُجُولُهُ ورِعَائُهْ

فإذا شَاءَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ

ضَمَّ شَمْلًا لَهُ يَخافُ انْشِعَاثُهْ

قال ديك الجن يرثي زوجته وحبيبته ورد:[١٣]

يا طَلْعَةً طَلَعَ الحِمَامُ عَلَيها

وجَنَى لَها ثَمَرَ الرَّدَى بِيَدَيْها

رَوّيْتُ مِنْ دَمِها الثّرى ولَطَالَما

رَوَّى الهَوَى شَفَتَيَّ مِنْ شَفَتيْها

قَدْ باتَ سَيْفي في مَجَالِ وِشَاحِها

ومَدَامِعِي تَجْرِي على خَدَّيْها

فَوَحَقِّ نَعْلَيْها وما وَطِىءَ الحَصَى

شَيءٌ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَعْلَيْها

ما كانَ قَتْليِها لأَنِّي لَمْ أَكُنْ

أَبكي إذا سَقَطَ الذُّبَابُ عَلَيْها

لكنْ ضَنَنْتُ على العيونِ بِحُسْنِها

وأَنِفْتُ مِنْ نَظَرِ الحَسُود إِليها
  • قال ديك الجن في رثاء زوجته أيضًا:[١٤]

جاءَتْ تَزُورُ فِراشي بَعْدَمَا قُبِرَتْ

فَظَلْتُ أَلْثُمُ نَحْرًا زَانَهُ الجِيدُ

وقُلْتُ قُرَّةَ عيني قدْ بُعِثْتِ لَنَا

فكيفَ ذَا وطَريقُ القَبْرِ مَسْدُودُ

قالتْ هناكَ عِظَامِي فيهِ مُودَعَةٌ

تَعِيثُ فيها بَنَاتُ الأرضِ والدُّودُ

وهذِهِ الرُّوحُ قدْ جَاءَتْكَ زائرةً

هذي زِيارَةُ مَنْ في القَبْرِ مَلْحُودُ
  • قال ديك الجن في وصف الخمرة:[١٥]

بها غيرَ مَعْذُولٍ فَداوِ خُمَارَهَا

وَصِلْ بِعَشِيّاتِ الغَبوقِ ابْتِكارَهَا

وَنَلْ مِنْ عَظيمِ الوِزْرِ كُلَّ عَظيمةٍ

إِذا ذُكِرَتْ خافَ الحَفيظانِ نَارَهَا

وقُمْ أَنْتَ فاحْثُثْ كَأْسَها غَيْرَ صاغِرٍ

ولا تَسْقِ إِلاَّ خَمْرَها وَعُقَارَهَا

فقامَ تكادُ الكَأْسُ تَحْرِقُ كَفّهُ

مِنَ الشّمْسِ أَوْ مِنْ وَجْنَتَيْهِ اسْتَعَارَهَا

ظَلْلِنا بأَيدينا نُتَعْتِعُ رُوحَها

فَتأْخُذُ مِنْ أَقْدامِنَا الرَّاحُ ثَارَهَا

مُوَرَّدةٌ مِنْ كَفِّ ظَبْيٍ كأنّما

تَناوَلَها مِنْ خَدِّهِ فَأدَارَها


المراجع

  1. المرزباني، كتاب معجم الشعراء، صفحة 1272. بتصرّف.
  2. عبد المعين الملوحي ومحي الدين الدرويش، كتاب ديوان ديك الجن، صفحة 6. بتصرّف.
  3. عبد المعين الملوحي ومحي الدين الدرويش، كتاب ديوان ديك الجن، صفحة 6. بتصرّف.
  4. الدَّمِيري، كتاب حياة الحيوان الكبرى، صفحة 485. بتصرّف.
  5. ^ أ ب عبد المعين الملوحي ومحي الدين الدرويش، كتاب ديوان ديك الجن، صفحة 7-8. بتصرّف.
  6. ^ أ ب الدَّمِيري، كتاب حياة الحيوان الكبرى، صفحة 485. بتصرّف.
  7. ابن خلكان، كتاب وفيات الأعيان، صفحة 184-185. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج ميرفت أبو صلاح، شعر ديك الحمصي دراسة نفسية، صفحة 49-51. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ميرفت أبو صلاح، شعر ديك الجن الحمصي دراسة نفسية، صفحة 51-53. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت عبد المعين الملوحي ومحي الدين الدرويش، كتاب ديوان ديك الجن، صفحة 10. بتصرّف.
  11. "انظر إلى شمس القصور وبدرها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 27/3/2021.
  12. "إن هذا الزمان طال انتكائه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 27/3/2021.
  13. عبد المعين الملوحي ومحي الدين الدرويش، كتاب ديوان ديك الجن، صفحة 112-113. بتصرّف.
  14. ابن خلكان، وفيات الأعيان، صفحة 187.
  15. ابن خلكان، وفيات الأعيان، صفحة 185.
4456 مشاهدة
للأعلى للسفل
×