رأس السنة الهجرية

كتابة:
رأس السنة الهجرية

الهجرة النبوية

تُعدُّ الهجرةُ النبوية بداية تأريخ جديد للمسلمين، وبداية عهد جديد، فقد نقلتْ حادثةُ الهجرةِ النَّبويةِ الدولةَ الإسلاميةَ من زمنِ الاضطهاد والمعاناة في مكة، إلى زمن السيطرة والسيادة، فعززتْ ثقةَ المسلمين بأنفسهم، ومنحتهم دفعة معنوية، تجسّدَتْ بالاستقبال العظيم الذي قام به الأنصار في المدينة لجموع المسلمين المهاجرة بدينها، فكانَتْ حادثة الهجرة ولمّا تزلْ تأريخًا إسلاميًّا لكلِّ المسلمين، فقد اتخذَ المسلمون من يومِ الهجرة عيدًا سنويًّا، وبداية لسنة هجريّة جديدة، فجعلوا الهجرة النبوية تقويمًا إسلاميًّا على مر العصور، مشابهًا للتقويم الميلادي القائم على ميلاد السيد المسيح -عليه السلام-، وهذا المقال مخصّصٌ للحديث عن السنة الهجرية وعن رأس السنة وعن العمل بالتقويم الهجري عن المسلمين.

العمل بالتقويم الهجري

إنَّ التقويم الهجري المعتمدَ عند المسلمين، هو موعد هجرة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- من مكَّة إلى المدينة كما وردَ سابقًا، ولكنّ السؤال الذي يطرق الأذهان هو: متى بدأ العمل بالتقويم الهجري عند المسلمين؟

لم يكنِ التاريخ السنوي موجودًا في بداية الإسلام، إلى أنْ استلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الخلافة، وتحديدًا في السنة الثالثة أو الرابعة من خلافتِهِ، أي بعدَ مرور سبع عشرة سنة على الهجرة النبوية تقريبًا، كتبَ أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- إلى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين كتابًا قال فيه: "إنَّهُ يأتينَا منكَ كتبٌ ليسَ لها تاريخٌ"، فتنبَّهُ عمر -رضي الله عنه- للأمر، وجمع الصحابة واستشارهم، فأشاروا عليه بعدّة آراء، فقال بعضُهم: "أرِّخُوا كما تؤرِّخُ الفُرسُ بملوكِها، كلَّما هلكَ ملِكٌ أرَّخُوا بولايةِ منْ بعدَهُ"، فلم يرغبِ الصحابة بذلك، فقال آخرون: "أرِّخُوا بتاريخِ الرومِ"، فكرهوا ذلك، وقال غيرهم: "أرخوا من مولد النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو من بِعثَتِه"، فقال عمر -رضي الله عنه-: "الهجرةُ فرَّقتْ بينَ الحقِّ والباطلِ، فأرِّخُوا بها"، فاتفقوا على ذلك، وأرَّخُوا منَ الهِجرة، وكانت هذه الحادثة بداية التأريخ الهجري الذي لم يزلْ مستمرًّا حتَّى اليوم هذا. [١].

رأس السنة الهجرية

إنَّ رأس السنة الهجرية هو اليوم الذي هاجرَ بهِ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بدينِهِ وأصحابِهِ، من مكّة المكرمة إلى يثرب التي سُمِّيتْ فيما بعد بالمدينة المنورة، بعدما أنارَها رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- بدخولِهِ إليها، ورأس السنة الهجرية هو تأريخ إسلاميّ، بدأ العمل به في فترة خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ولم يزلْ قائمًا حتى يومِنا هذا، فقد قرر المسلمون في فترة خلافة عمر، اتخاذ يوم هجرةِ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- رفقة صاحبِهِ أبي بكر -رضي الله عنه- تقويمًا دائمًا للمسلمين، وسُمّي بالتقويم الهجري، ويوم هجرة النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- هو أوّل أيام السنة الهجرية في كلِّ عام، فهي تبدأ منه وتنتهي عنده، وهو يوم الأول من شهر محرّم،  هذا الشهر الذي يُصادَفُ بهِ يومُ عاشوراء، وهو العاشر من محرّم، وهو اليوم الذي كان النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-يصومهُ، ويأمرُ الناسَ بصيامِهِ. [٢].

حكم الاحتفال برأس السنة الهجرية

بعدَ ما وردَ من حديث عن الهجرة النبوية، وعن العمل بالتقويم الهجري عند المسلمين، وعن رأس السنة الهجرية، إنَّه من الجدير بالذِّكرِ بيان حكم الاحتفال برأس السنة الهجرية في الإسلام، فهي ظاهرة شائعة في هذا العصر، وفيما يتعلّق بحكم الاحتفال برأس السنة الهجرية، أو جعل رأس السنة عطلةً رسمية عن العمل، فإنَّ العمل يجوزُ فِي يوم رأس السنة الهجرية، كما يجوز في غيره، ثم إنّ رأس السنة الهجرية ليس عيدًا شرعيًّا، ولم يردْ في السُّنةِ والكِتاب ما يدلُّ على كونِهِ عيدًا شرعيًّا، فقد وردَ في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّهُ قال: "قَدِمَ رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المدينةَ، ولهمْ يومانِ يلعبونَ فيهما، فقالَ: ما هذانِ اليومانِ؟، قالُوا: كُنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ، فقالَ رسولُ اللَّه -صلَّى الله عليهِ وسلَّم-" إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ"، [٣] ولأنَّ سببَهُ حصلَ في عهد السلفِ ولم يحتفلوا بهِ، ولو كان في ذلك خيرٌ لسبقونَا إليهِ. [٤]

وقد وردَ عن الشيخ ابن عثيمين أنّهُ عندما سُئل عن حكم التهنئة برأس السنة الهجرية، قال: "إنْ هنّأكَ أحدٌ، فَرُدَّ عليه ولا تبتدئْ أحدًا بذلك، هذا هو الصواب في هذه المسألة، لو قال لك إنسان مثلاً نهنئِكُ بهذا العام الجديد، قلْ: هنَّئكَ الله بخيرٍ وجعلَهُ عامَ خيرِ وبركةٍ، لكنْ لا تبتدئِ النَّاسَ أنتَ، لأنَّنِي لا أعلم أنَّهُ جاءَ عن السلف أنَّهم كانوا يهنِّئونَ بالعامِ الجديدِ، بل اعلَمُوا أنَّ السَّلفَ لم يتَّخِذُوا المُحرَّمَ أوَّل العامِ الجديدِ إلا فِي خلافة عمر بن الخطابِ رضي الله عنه"[٥].

أشهر السنة الهجرية

لقد اشتَقّتِ العرب أسماء الأشهر من معانٍ وأسباب تختصُّ بكلِّ شهر على حدة، فشهر مُحرّم مثلًا، سُمِّيَ بهذا الاسم لِكونهِ شهرًا محرَّمًا، وتأكيدًا لتحريمهِ؛ لِأنَّ العربَ كانتْ تتقلَّبُ بِهِ، فتُحلُّهُ عامًا وتحرِّمُهُ عامًا، فُسمِّيَ بهذا الاسم، وهكذا كانت تسمية الأشهر الأخرى، ومن الجدير بالذكر أنَّ أشهرَ السنة الهجرية في ترتيبها المعروف، هي:

  1. محرم.
  2. صفر.
  3. ربيع الأول.
  4. ربيع الثاني.
  5. جمادى الأول.
  6. جمادى الثاني.
  7. رجب.
  8. شعبان.
  9. رمضان.
  10. شوال.
  11. ذو القعدة.
  12. ذو الحجة.

فالسنة الهجريّة تبدأ بشهر محرّم، وتنتهي بشهر الحجّ، شهر ذي الحجة، الذي يحتفل به المسلمون بعيد الأضحى المبارك[٦].

الحكمة من تأسيس الدولة في المدينة المنورة

لقد اختار رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم- المدينة المنورة ليُؤسسَ بها الدولة الإسلامية بحكمةٍ بالغة، فهو المعصوم عن الخطأ، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، فاختارها لما تحملُهُ المدينة المنورة من فضلٍ عظيم، فقد ظهرَ فضلُها في السنة النبوية جليًّا، فقد جاء في حديثِ أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ النَّبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "أُمرتُ بقريةٍ تأكلُ القُرَى، يقولونَ: يثرِبُ، وهيَ المدينةُ، تنفِي النَّاسَ كما يَنفِي الكيرُ خَبَثَ الحديدِ"، [٧]، والمراد بـ"تَأْكُلُ الْقُرَى" أي: ينصرُ الله الإسلام بأهلِ المدينةِ ويفتحُ على أيديهم القُرى، فتُجلَبُ الغنائمُ إلى المدينة، ويأكل أهلُها، وقد وردَ عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أيضًا في فضل المدينة المنورة، أنّ من أراد أهلها بسوءٍ أهلكَهُ اللهُ، فقد وردَ في حديثِ سعدِ بنِ أَبِي وقَّاصٍ -رضي اللهُ عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قالَ: "منْ أرادَ أهلَ المدينةِ بسوءٍ، أذابهُ اللهُ كما يذوبُ الملحُ في الماءِ". [٨]، فلهذا أسَّسَ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- الدولة في المدينة المنورة، وجعلَها قاعدة الدولة الإسلامية التي نشرتْ الدين في أصقاع المعمورة. [٩]

المراجع

  1. التاريخ الإسلامي الهجري, ، "www.saaid.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 09-09-2018، بتصرّف
  2. السنة الهجرية الجديدة, ، "www.alukah.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 09-09-2018، بتصرّف
  3. الراوي: أنس بن مالك، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح أبي داود، الرقم أو الصفحة: 1134، خلاصة حكم الحديث: صحيح
  4. حكم الاحتفال برأس السنة الهجرية, ، "www.islamweb.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 09-09-2018، بتصرّف
  5. حكم التهنئة بابتداء العام الهجري, ، "www.islamqa.info"، اطُّلِع عليه بتاريخ 09-09-2018، بتصرّف
  6. ترتيب الأشهر الهجرية, ، "www.islamweb.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 09-09-2018، بتصرّف
  7. الراوي: أبو هريرة، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الرقم أو الصفحة: 1871، خلاصة حكم الحديث: صحيح
  8. الراوي: سعدِ بنِ أبي وقاص، المحدث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، الرقم أو الصفحة: 1387، خلاصة حكم الحديث: صحيح
  9. فضائل المدينة وحرمتها, ، "www.alukah.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 09-09-2018، بتصرّف
4202 مشاهدة
للأعلى للسفل
×