سراقة بن مالك

كتابة:
سراقة بن مالك

ميلاد ونسب سراقة بن مالك

هو سراقة بْن مالك بْن جعشم بن مالك بْن عمرو بْن تيم بْن مدلج بْن مرة بْن عبد مناة بْن كنانة الكناني، لُقّب سراقة بأبي سفيان، وهو صحابي جليل، قيل إنّه من أهل مكة، وقيل إنّه من أهل المدينة المنورة، وذُكر أنّه كان يسكن قديداً،[١] هذا ولم يُعلم تاريخ ولادته.[٢]

حياة سراقة بن مالك قبل الإسلام

عُرف سراقة بن مالك -رضي الله عنه- في الجاهلية باقتصاص الأثر والفراسة، وهو ما يُسمّى القيافة، فقد اشتُهرت بنو كنانة وخاصّة بنو مدلج فيهما، ومما يؤكّد هذا أنّ أبا سفيان طلب منه أن يتبع أثر رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- عندما خرج الرسول مهاجراً مع أبي بكر الصديق إلى المدينة المنورة.[٢]

ومن هنا فإنَّ سراقة بن مالك -رضي الله عنه- كان ممن اتَّبع أثر الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل إسلامه، ولكن حين التقى بالرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك اليوم؛ حدث ما قد غيّر الأحداث أثناء ذلك وبعده، ويتَّضح ذلك في الحديث عن موقفه في الهجرة النبوية.

شعر سراقة بن مالك

ذكرت كتب السِّيَر أنَّ سراقة بن مالك -رضي الله عنه- كان شاعراً، وقد ذُكرت له أشعار في مواقف عديدة، مثل شعره يوم الهجرة، ومن هذه الأشعار:[٣]

  • شعره يوم عاد من بحثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

حيث قال أبو جهل لسراقة بن مالك يوم عاد من بحثه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم-:

بني مدلج إني أخاف سفيهكم

سراقة يستغوي بنصر محمد

عليكم به ألّا يفرق شملكم

فيصبح شتّى بعد عزٍّ وسؤدد

فأجاب سراقة بن مالك -رضي الله عنه- أبا جهل قائلاً:

أبا حكم والله لو كنت شاهداً

لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

علمت ولم تشكك بأن محمداً

رسول وبرهان فمن ذا يقاومه

عليك بكفِّ القوم عنه فإنني

أرى أمره يوماً ستبدو معالمه

بأمر نودّ النصر فيه بأسرها

بأن جميع الناس طرا تسالمه
  • شعره عندما تبع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوم الهجرة

لما تبع سراقة بن مالك -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- حين هاجر ودعا عليه الرسول فساخت أقدام خيله، قال أبو بكر:

حتى إذا قلت قد أنجدت من مدلج

فارس في منصب وار

يردي به مشرف الأقطار معتزم

كالسيد ذي اللبد المستأسد الضار

فقال: كروا، فقلنا إن كرتنا من دونها

لك نصر الخالق البار

إن تخسف الأرض بالأحوى وفارسه

فانظر إلى أربع في الأرض غوار

فهبل لما رأى أرساغ مقربه

قد سخن في الأرض لم يحفر بحفار

فقال سراقة بن مالك -رضي الله عنه- لأبي بكر:

هل لكم أن تطلقوا فرسي

وتأخذوا موثقي في بحح إسرار

فقال قولا رسول الله مبتهلا

يا رب إن كان يهوي غير أخفار

فنجه سالما من شر دعوتنا

ومهره مطلقا من كل آثار

فأطلق الله إذ يدعو حوافره

وفاز فارسه من هول أحظار

إسلام سراقة بن مالك

لم يكن الصحابي سراقة بن مالك -رضي الله عنه- ممن أسلم في بداية الدعوة الإسلامية، وإنما كان إسلامه بعد قوة الدعوة الإسلامية؛ وقد روى سراقة بن مالك -رضي الله عنه- قصة إسلامه بنفسه، وذُكرت القصة في صحيح البخاري، ومختصر تلك الحادثة أن سراقة بن مالك -رضي الله عنه- التقى بالرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة الهجرة، وهناك -حسب الرواية- أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب أمن احتفظ به سراقة بن مالك حتى يوم فتح مكة.[٤]

وقد التقى مع الرسول صلى الله عليه وسلم بمنطقةٍ تقع بين مكة والطائف تسمى الجِعرانة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج مع كتيبة، فحاولت تلك الكتيبة رد سراقة بن مالك -رضي الله عنه- عن الرسول الكريم، إلا أن سراقة قد رفع كتاب الأمن الذي كان الرسول قد أعطاه إياه في يوم الهجرة، وحينها أذن الرسول الكريم له بالاقتراب منه، وكان ذلك اليوم يوم إسلام سراقة بن مالك -رضي الله عنه-.[٥]

موقف سراقة بن مالك في الهجرة النبوية

لم يكن سراقة بن مالك -رضي الله عنه- على الإسلام حينما هاجر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، بل كان ممّن خرج في طلب النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، حتى كاد يصل إلى النبي الكريم وصاحبه أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- في تلك الرحلة، لكن النبي بحِنكته وفطنته وحفظ الله -تعالى- له تدارك ذلك الموقف، فأنجاه الله -تعالى- من قريش ومكرهم، ووصلوا إلى المدينة المنورة بأمانٍ وسلامٍ.[٦]

وحينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، كان أبو سفيان قد طلب من سراقة بن مالك -رضي الله عنه- قبل إسلامه أن يحدّد مكان الرسول الكريم وصاحبه الصدّيق، إذ كان سراقة بن مالك -رضي الله عنه- قد عُرف باقتفاء الأثر.

فتبِع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن وصل إليه، ولكن هناك حصلت معجزة أوقفته عن اتباعهما، ثم وعده الرسول صلى الله عليه وسلم بكتاب أمن إن عاد إلى مكة دون أن يُبلّغ عن مكانه صلى الله عليه وسلم، وقيل وعده بسواري كسرى.[٧]

رواية سراقة بن مالك للحديث

عُرف سراقة بن مالك -رضي الله عنه- برواية الأحاديث عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن بعض الأحاديث التي رواها عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-:

  • حديث الهجرة

وبداية الحديث: (جاءَنا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ في رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ واحِدٍ منهما؛ مَن قَتَلَهُ أوْ أسَرَهُ، فَبيْنَما أنا جالِسٌ في مَجْلِسٍ مِن مَجالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أقْبَلَ رَجُلٌ منهمْ حتَّى قامَ عليْنا ونَحْنُ جُلُوسٌ، فقالَ: يا سُراقَةُ، إنِّي قدْ رَأَيْتُ آنِفًا أسْوِدَةً بالسَّاحِلِ، أُراها مُحَمَّدًا وأَصْحابَهُ، قالَ سُراقَةُ: فَعَرَفْتُ أنَّهُمْ هُمْ، فَقُلتُ له: إنَّهُمْ لَيْسُوا بهِمْ، ولَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلانًا وفُلانًا، انْطَلَقُوا بأَعْيُنِنا...)، هذا وإنَّ للقصة بقية طويلة فيها بيان لتفصيل ما حصل في الهجرة، وقد ذكرها البخاري في صحيحه.

  • سؤاله عن العمل والقدر

سأل سراقة النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات مرَّة فقال: (يا رَسُولَ اللهِ، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأنَّا خُلِقْنَا الآنَ، فِيما العَمَلُ اليَومَ؟ أَفِيما جَفَّتْ به الأقْلَامُ، وَجَرَتْ به المَقَادِيرُ، أَمْ فِيما نَسْتَقْبِلُ؟ قالَ: لَا، بَلْ فِيما جَفَّتْ به الأقْلَامُ وَجَرَتْ به المَقَادِيرُ قالَ: فَفِيمَ العَمَلُ؟ قالَ زُهَيْرٌ: ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الزُّبَيْرِ بشيءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَسَأَلْتُ: ما قالَ؟ فَقالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ).[٨]

قصة سراقة بن مالك وسواري كسرى

إنّ الأحاديث التي رويت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في قصة وعده لسراقة بن مالك -رضي الله عنه- بسواري كسرى لا تصل لدرجة الصحة، ومع هذا فإن كتب السيرة النبوية وأهل العلم استندوا إلى روايات تؤيّد وعد النبي -صلى الله عليه وسلم- له.[٩]

ومن ذلك أنّه عندما فُتحت كسرى في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وجِيء له بسواري كسرى، بعث بطلب سراقة بن مالك -رضي الله عنه- وسلَّمه السوارين؛ ليكون فعله تنفيذاً لوعد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وتحقيقاً لنبوءة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بفتح مملكة كسرى.[٩]

رواية سراقة بن مالك مع الشيطان في بدر

ورد في تفسير آية: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ)،[١٠] والتي تروي حادثة وسوسة الشيطان، وفيها ثلاثة آراء تتعلق بقصة سراقة بن مالك -رضي الله عنه- مع الشيطان وتمثّله بهيئة سراقة يوم غزوة بدر، وفيما يأتي ذكر هذه الأقوال:[١١]

  • القسم الأول

هو القسم الذي ذكر قولين في كيفية التزيين، الأول: إنَّ التزيين كان وسوسة لا تجسد مادي، والثاني: إن الشيطان تجسّد بصورة مادية للصحابي سراقة بن مالك -رضي الله عنه-، هذا ولم يُرجّح هذا القسم أحد الرأيان على الآخر، وممن قال بذلك الزمخشري، والفخر الرازي، والآلوسى.

  • القسم الثاني

هو القسم الذي قال إنَّ التزيين كان حسياً، أي إنَّ الشيطان في غزوة بدر تَجَسّد بصورةٍ مادية، وهي صورة إنسانٍ قيل إنها لسراقة بن مالك -رضي الله عنه-، وممن قال بهذا: ابن جرير، وابن كثير، والقرطبي.

  • القسم الثالث

وهو القسم الذي رجَّح المقصود بالتزيين دون التجسيد، فقال إنَّ المقصود من الآيات مجرد وسوسة لا تجسّد حقيقي بصورة مادية لإنسان، وممن قال بهذا صاحب المنار.

ومع بيان هذه الآراء إلا أنه لا يوجد ترجيح لأي من الأقوال المذكورة؛ إذ إنَّ كل الآراء تحتاج لدليل واضح للقطع بهذه المسألة، وبالتالي لا دليل قاطع على تجسد الشيطان بهيئة الصحابي سراقة بن مالك -رضي الله عنه- يوم بدر.

وفاة سراقة بن مالك

ذُكر في كتب التراجم أن سراقة بن مالك -رضي الله عنه- كان قد توفي في عصر خلافة سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وذُكر أن وفاة سراقة بن مالك -رضي الله عنه- كانت في السنة الرابعة والعشرين الهجرية، وقد روت كتب أخرى أن حادثة وفاته كانت بعد ذلك الوقت.[١٢]

دروس مستفادة من سيرة الصحابي سراقة بن مالك

قصة سراقة بن مالك -رضي الله عنه- والمواقف التي حصلت بينه وبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أثناء الهجرة وما بعدها فيها الكثير من الدروس والعبر، ومن هذه الدروس:

يستفاد هذا الدرس مما حصل مع الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر مع أبو بكر الصديق من مكة المكرمة إلى المدينة، فمع كون قريش كان تعاديه وتحاربه بشتى الطرق، بل ومع كونها وضعت جائزة عظيمة لمن يأتي بالرسول صلى الله عليه وسلم.

بل وقد أمر أبو سفيان سراقة بن مالك -رضي الله عنه- باقتفاء أثرهم، فمع كلّ ذلك حمى الله -عزَّ وجلّ- نبيّه الكريم ونصره، وجعل سراقة سبباً في إخفاء أثرهم وإكمال هجرتهم، فكان الله معهم ناصراً لهم ومؤيداً إياهم.

  • المعنويات العالية

يُستفاد هذا الدرس يوم هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد عينت قريش سراقة بن مالك لتتبع أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، وانتهى الأمر بأن غاصت قدما فرسه في الرمل، وعلم سراقة أنَّ الرسول محمي من الله -عزَّ وجلّ-، وفي ظلِّ كلِّ هذه الظروف وعده الرسول بسواري كسرى؛ فقد كانت معنويات الرسول صلى الله عليه وسلم عالية جداً إيماناً منه بوعد الله له بنصره وتمكين دعوته.

  • عصمة الله عز وجل نبيّه عليه الصلاة والسلام

يستفاد هذا الدرس من يوم الهجرة النبوية، فقد حصلت يومئذٍ معجزة حماية الله -عزَّ وجلّ- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- حينما كان سراقة بن مالك -رضي الله عنه- قد اتبع الرسول الكريم لإخبار قريش بمكانه وأداء مهمته، لكن الله حماه من سراقة بن مالك، وعصمه بمعجزةٍ جعلت حصانه يغوص في الرمل، فمنعته من الحصول على مراده.

ملخّص المقال: سراقة بن مالك صحابي جليل، وهو من بني كنانة، وكان ممن عُرف بالشعر واقتفاء الأثر في الجاهلية؛ إذ إنَّه كان ممن اقتفى أثر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر يوم الهجرة، ومع هذا فقد ساعد بعدها في إخفاء هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وأشارت روايات بوعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتاب أمن له، وقيل بسواري كسرى، وكان سراقة -رضي الله عنه- راوياً لعدة أحاديث، وفي قصّته الكثير من الدروس المستفادة، مثل: الثقة بنصر الله ومعيته، وعصمة الله لنبيه، وقد توفّي سراقة في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.

المراجع

  1. علي بن الأثير، أسد الغابة، صفحة 412. بتصرّف.
  2. ^ أ ب خير الدين الزركلي، الأعلام، صفحة 80. بتصرّف.
  3. علاء الدين مغلطاي، إكمال تهذيب الكمال، صفحة 215-216. بتصرّف.
  4. ياسر الحمداني، موسوعة الرقائق والأدب، صفحة 8161-8162. بتصرّف.
  5. موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 147. بتصرّف.
  6. محمد الوكيل، الهجرة النبوية، صفحة 180. بتصرّف.
  7. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 491-493. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2648، صحيح.
  9. ^ أ ب محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 494-495. بتصرّف.
  10. سورة الأنفال ، آية:48
  11. محمد طنطاوي، التفسير الوسيط، صفحة 117-121. بتصرّف.
  12. محمد الربعي، تاريخ مولد العلماء ووفياتهم، صفحة 111. بتصرّف.
4726 مشاهدة
للأعلى للسفل
×