شرح آية (ربِّ اغفر لي ولوالدي)

كتابة:
شرح آية (ربِّ اغفر لي ولوالدي)

شرح آية (ربِّ اغفر لي ولوالدي)

هذا الآية الكريمة: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا)،[١]عبارة عن دعاء لنبي الله نوح -عليه السلام-، وحتى تكتمل صورة دعاء سيدنا نوح -عليه السلام-، ينبغي تقسيمه إلى مقطعين منفصلين وبيان ذلك فيما يأتي:

الدعاء الأول

قال الله -عزّ وجلّ- في كتابه الكريم على لسان نبيّه نوح -عليه السلام-: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)،[١]أي: يا ربّ اعفُ عني واستر عليّ ذنوبي وعلى والديّ ولِمَن دخل مسجدي ومُصلَّايَ مُصلياً مؤمناً مُصدّقاً بواجب فرضك عليه.[٢]

ولا مانع مِن أن يكون المقصود بقوله: (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا) بيت نوح -عليه السلام- الحقيقي الذي يسكن به لا المصلَّى؛ حين أخبره الله -تعالى-: "أنَّ مَن دخلَ بيته مؤمناً لا يعود إلى الكفر"، وفي دعاء نوح للمؤمنين مِن قومه والمؤمنات تكريمٌ لهم؛ لأنَّ أرجى الأمور للمؤمنين في الآخرة دعاء الأنبياء والملائكة في الدنيا؛ لأنَّهم إنما يدعون بعد الإذن لهم بالدعاء.[٣]

ولا يُحتمل أن يأذن الله -تعالى- لهم بالدعاء ثم لا يجيب دعوتهم، نُقل عن ابن عباس أنَّه قال: "إنَّ نوحاً دعا بدعوتين إحداهما: للمؤمنين بالاستغفار والتوبة، والثانية: على الكفار بالبوار والتّبار، وقد أجيبت دعوته فيما دعا على الكفرة، فلا يجوز أن يُجاب في شرِّ الدعوتين، ثم لا يُجاب في خير الدعوتين".[٣]

الدعاء الثاني

قال الله -عزّ وجلّ- في كتابه الكريم على لسان نبيّه نوح -عليه السلام-: (وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا)،[١]دعا نوح -عليه السلام- ربه أن يزيدهم هلاكاً ودماراً؛ لأنَّ كلُّ شيءٍ أهلِكَ فقد تبَرَ.[٤]

ومِنهُ قول الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ)،[٥] وقوله أيضاً -جل جلاله-: (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)،[٦] فاستجاب الله -سبحانه وتعالى- لسيدنا نوح -عليه السلام- دعاءه وأهلك الكافرين مِن قومه بالكلية، ولم يبقِ منهم أحد.[٤]

متى دعا نوح -عليه السلام- ربه هذا الدعاء؟

تحدَّث المقطع الأخير في سورة نوح عن أدعية دعا بها نوحٌ -عليه السلام- ربَّه -سبحانه وتعالى-، وبدأت ذِكر تلك الأدعية مِن بداية الآية (26) مِن السورة الكريمة، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)،[٧] أي: "لا تترك على الأرض من الكافرين ساكن دار، وإذا لم يبق ساكن دار، فقد ماتوا جميعاً، فكأنه يقول: لا تذر منهم أحداً".[٨]

البلاغة في دعاء نوح عليه السلام

شرح المفسر البقاعي بعضاً من الجماليات البلاغية في الآية الكريمة كجمالية الاحتباك: حين دعا نوحٌ -عليه السلام- للداخلين بيته من مؤمني قومه بالمغفرة تكريماً لهم، ولم يدعُ على مَن رفض ذلك من الظالمين إهانةً لهم، ثم دعا بزيادة الهلاك (الموجود أصلاً) على الظالمين مِن قومه، وهذا يُفهَم منه الدعاء بزيادة الفوز (الموجود أصلاً) للمؤمنين مِن قومه.[٩]

المراجع

  1. ^ أ ب ت سورة نوح، آية:28
  2. ابن جرير الطبري، جامع البيان، صفحة 308. بتصرّف.
  3. ^ أ ب أبو منصور الماتريدي، تأويلات أهل السنة، صفحة 237. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، صفحة 660.
  5. سورة الأعراف، آية:136
  6. سورة الإسراء، آية:7
  7. سورة نوح، آية:26
  8. أبو منصور الماتريدي، تأويلات أهل السنة، صفحة 235.
  9. برهان الدين البقاعي، نظم الدرر، صفحة 460. بتصرّف.
4207 مشاهدة
للأعلى للسفل
×